بين حماس الداخل وحماس الخارج
بقلم: زهير كمال
هل صحيح أن ما يدور في الغرف المغلقة من أن هناك حلاً قادماً بانتقال قادة حماس الى تركيا وأن حماس ستتخلى عن سلاحها مقابل دولة فلسطينية في الضفة وغزة؟
يمكن القول بعد متابعة الحرب التي طالت لأكثر من ستة أشهر أن قيادة حماس في داخل غزة تختلف عن قيادتها في الخارج وتحديداً الموجودة في قطر حاليا. لاحظنا ذلك في سير المفاوضات التي كانت تجري وبوساطات قطرية ومصرية وكانت الكلمة الأخيرة دائماً لحماس الداخل، وأعتقد جازماً أن حماس الخارج لو كان الأمر بيدها لرضخت للضغوط الأمريكية التي كانت تمرر عبر مصر وقطر.
تتكون حماس الخارج الموجودة في قطر من بعض أعضاء المكتب السياسي إضافة إلى خالد مشعل ومرافقيه الذين كانوا في قطر منذ فترة طويلة، ومع كل الاحترام والتبجيل لاسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي ، الذي فقد أولاده وقسماً كبيراً من عائلته، إلا أن الذي يقود حماس الخارج هو خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي.
للتذكير وقف خالد مشعل ضد الدولة السورية وكان سبباً في خراب مخيم اليرموك ويمكننا تلخيص موقفه السياسي بالقول : إن (الدين يأتي قبل الوطن).
في الزيارة الأخيرة لإيران لم يكن خالد مشعل ضمن وفد حماس بينما نجده يتصدر صور الزيارة الى تركيا، بعد إسماعيل هنية بالطبع، وكأن لسان حاله ما قاله أبو تمام :
نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى
ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ
كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى
وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ
أي عاقل يفهم في السياسة سيتبع حديث الرسول (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).
فرجب طيب اردوغان لم يغير سياسته الفعلية بتزويد إسرائيل بمقومات الحياة إلا بعد فشله في الانتخابات البلدية حيث عاقبه الشعب التركي بسبب موقفه من طوفان الأقصى، بينما نجد أن تأييده اللفظي للفلسطينيين ، حدث ولا حرج. وتلخيصاً لهذا الرجل وسياساته يمكن القول إنه بلا مبدأ ويستعمل الدين كغطاء يضحك به على السذج.
أما بالنسبة لخالد مشعل فهو رجل يقع ما بين ياسر عرفات ومحمود عباس والثلاثة ممن يطلق عليهم أنهم فلسطينيوا الخارج ويؤمنون بحل الدولتين ، هذا الحل الذي هو توليفة لاستمرار الصراع مع الصهيونية وهو غير قابل للتحقيق أصلاً.
هناك بعض أعضاء من قيادات حماس الموجودة في لبنان والتي تتمتع باستقلالية وتتبع قيادة حماس الداخل ومن بينهم أسامة حمدان.
قيادة حماس الداخل تتكون من يحيى السنوار رئيس حماس في غزة ومحمد الضيف قائد كتائب القسام ونائبه مروان عيسى الذي اعلنت إسرائيل أنها استطاعت قتله ولم يصدر أي بيان من حماس الداخل بذلك مما يعني أنه حي يرزق ، إضافة الى ذلك مجموعة كبيرة من قيادات كتائب القسام التي تدير العمليات العسكرية.
لا يستطيع أحد التشكيك في قوة إيمان قيادات حماس الداخل ولكن يمكننا القول إن الموقف السياسي يتلخص في أن (الوطن يأتي قبل الدين )، ونستطيع استشفاف ذلك من رسالة محمد الضيف في 7 أكتوبر عند بدء طوفان الأقصى.
هذا الموقف هو الذي جلب تأييد حزب الله وباقي محور المقاومة ابتداء من إيران وسوريا واليمن والعراق، إضافة إلى الجماهير الفلسطينية والعربية بغض النظر عن الدين والمذهب وبغض النظر عن التوجه السياسي، فاليسار الفلسطيني والعربي والعالمي يقف بدون تردد مع حماس ، ولا شك أن الجماهير الفلسطينية والعربية بذكائها الفطري وعفويتها لخصت ذلك بهتافها المشهور :
حط السيف قبال السيف إحنا رجال محمد ضيف
هذا الهتاف يلخص الموقف كله، فالجماهير لم تهتف لرئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ، حتى إنها لم تهتف للسنوار ، فهي تدرك أن الصراع لا يحل إلا بالقوة وبالقتال، وهو ما يمثله الضيف.
هنا يخطر سؤال مطروح على قيادة حماس الداخل: هل يمكن لهم أن يضحوا بتأييد محور المقاومة الذي يقاتل ويضحي ويستشهد أبناؤه وفي نفس الوقت يوقعون خسائر هائلة في آلة الحرب الإسرائيلية مقابل تاييد لفظي من بعض الساسة الانتهازيين؟ مقابل وهم تركي أو وهم عربي مطبّع؟
هل يمكن التضحية بالطوفان العالمي الذي يقوم فعلاً بتغيير العالم مقابل دولة لقيطة (حل الدولتين) خاضعة للابتزاز السياسي من بايدن ونتنياهو وأردوغان وحكام التطبيع العربي؟
أثبتت قيادة حماس في الداخل في كل مواقفها أنها على قدر المسؤولية وأنها تتمتع بذكاء التحليل وبصلابة الموقف.
النصر دائماً للشعوب والفجر قادم.