بين زمنين: زمن تيتو اليوغسلافي وزمن فوتشيتش الصربي – نضال حمد
بين زمنين، زمن تيتو اليوغسلافي وزمن فوتشيتش الصربي فوارق كبيرة جداً.
في زمن الأول كانت ليوغسلافيا مكانة كبيرة ومؤثرة في العالم من خلال وجودها في معسكر دول عدم الانحياز وووقوفها بالجانب الأقرب للاتحاد السوفيتي ومعسكر الدول الاشتراكية، التي كانت تساعد مقاومة الشعوب في العالم ضد الاحتلالات والعنصرية والأنظمة الدكتاتورية التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي اي ايه. وكان الزعيم اليوغسلافي الجنرال جوزيف تيتو مع قائد الهند وهي غير هند هذه الأيام، وهي بالتأكيد هند أخرى غير الهند التي كانت صديقة وحليفة لنا في زمن آل غاندي وزمن جمال عبد الناصر وحتى توقيع اتفاقية اوسلو سنة 1994.. كان تيتو رفيقاً وصديقاً للزعماء نهرو و جمال عبد الناصر وبومدين وكاسترو وغيرهم من القادة التاريخيين، الرافضين للخنوع والخضوع للادارة الامريكية الاستعلائية، الاستعمارية والمعادية لحقوق وحرية الشعوب.
بعد بيروسترويكا غورباتشوف وتدميره للاتحاد السوفيتي ولمعسكر الدول الاشتراكية حليف يوغسلافيا انفصلت الشعوب والدول التي تأسست منها البلد وصارت عدة بلدان كما كانت قبل يوغسلافيا تيتو. وشهدت حروبا وحشية وتحشيدا للكراهية والعداء بين من كانوا حتى البيروسترويكا يعيشون في دولة واحدة متحدة. ونال مسلمو البوسنة والهرسك نصيبا كبيرا من المذابح والمجازر التي نفذتها عصابات العنصرية والاجرام الصربية والكراوتية. ثم أصبحت يوغسلافيا كما تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفيتي سابقاً في خبر كان. وأدى ذلك الى وصول نفوذ وتواجد الولايات المتحدة الأمريكية في كل اوروبا باستثناء روسيا التي أمسك بها وببقايا الاتحاد السوفيتي من مناصري روسيا الرئيس الحالي بوتين بقوة. وذلك بعد فترة كاريكاتورية، هزلية وتراجيدية سوداء في اثناء حكم السكير يلتسن، دمية الغرب وعار روسيا، قائد المصادفة، الذي أصبح أول رئيس للاتحاد الروسي، وامتدت ولايته من عام 1991 إلى عام 1999.
يوم أمس قرأت في الميادين نت عن “تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لزيارة الرئيس الصربي إلى الولايات المتحدة. في وقت علّقوا على الأسلوب الذي استضاف به الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الصربي ألكسندر فوتشيتش في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض. حيث تظهر الصور والمشاهد أن ترامب أجلس فوتشيتش كـ”التلميذ” أمام مكتبه. وخلال قراءة ترامب لبيان حول اللقاء، محدثاً فيه عن نقل السفارة الصربية في فلسطين المحتلة إلى القدس المحتلة، أظهرت المشاهد أن الرئيس الصربي لم يكن على علم بهذا الموضوع، ونظر إلى أوراقه ليتأكد من وجود هذا البند في البيان”.
للعلم فإن يوغسلافيا السابقة بعد الاتحاد السوفيتي سابقا كانت من أكثر الدول الأوروبية الداعمة للقضية الفلسطينية كما كان الحال مع الهند التي كانت من أكبر الدول الآسيوية بعد الصين الداعمة للقضية الفلسطينية. وكان لتلك الدول مواقف قوية ومبدئية مع فلسطين وقضايانا العربية. لكن الخيانات العربية ممثلة بالسعودية وشقيقاتها الخليجيات وبمصر التي أخرجها المستسلم والمتعجرف والمتخلف أنور السادات من حالة الحرب والعداء مع الصهاينة الى حالة التطبيع والركوع والخنوع لأمريكا وللكيان الصهيوني. كل ذلك تم بعد وقت قصير من رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. وأيضاً توالت الخيانات وتوالى الخنوع والركوع بعدما أقدمت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على الاستسلام المهين والمعيب. اقدمت على خيانة فلسطين بتوقيعها اتفاقيات العار والاستسلام في اوسلو. ثم التقط الأردن اللحظة التي كان ينتظرها طويلا وعمل لأجلها منذ تأسيسه، فوقع اتفاقية وادي عربة. وصولا الى يومنا هذا حيث التحالف العلني والأخطر بين الكيان الصهيوني والامارات. لقد ساهمت قيادة المنظمة كما السادات في خسارتنا لكل تلك التحالفات ولدول وازنة مثل الهند. حيث أصبحت الهند على علاقة ممتازة وتنسيق عالي وتحالف مع الكيان الصهيوني. والآن تنصب جهود الصهاينة والامريكان على حصار ومحاربة ايران الدولة الاسيوية والاسلامية الكبيرة، الطرف الوحيد الذي لازال يغرد حارج السرب الأمريكي ويجاهر علانية بدعمه لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين وبعدائه للكيان الصهيوني ولأنظمة الذل والمهانة التي رضيت باستعبادها امريكا وصهيونيا. فقد وصل الأمر بملوكها وأمرائها ومشايخها لدفع الجزية لترامب مقابل بقائها في الحكم وحمايتها. ومن ثم استخدمت تلك الأنظمة الرجعية قضية فلسطين ككبش فداء ومحرقة بغية نيل رضاهما.
الصربي ألكسندر فوتشيتش ليس أول رئيس يتم احتقاره بهذه الطريقة المذلة والمعيبة فقد سبق لترامب أن تعامل مع الرؤساء العرب وغيرهم بنفس الطريقة وربما بما هو أسوأ منها وخير مثال على ذلك طريقة تعامله مع محمد بن سلمان وأخوته من حكام السعودية ودول الخليج.
نضال حمد
السادس من أيلول – سبتمبر 2020