ترامب والأنروا…الأميركان وحق العودة – عبداللطيف مهنا
نقلت القناة الاحتلالية الثانية في فلسطين المحتلة أن الرئيس الأميركي “يخطط للإعلان عن أن الولايات المتحدة ترفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والتأكيد على رفضها تعريف الأنروا لنفسها، ووقف الدعم المالي لمؤسساتها”، وأنها “تعترف فقط باللاجئين الذين ولدوا قبل عام 1948، ورفض مكانة لاجئ لأبنائهم واحفادهم”، وأن واشنطن ستذهب إلى ما هو أبعد بمطالبة تل أبيب بأن “تعيد النظر هي أيضاً في موقفها من الأنروا، ذلك لضمان اقناع الدول العربية بعدم دفع المستحقات المالية للوكالة في حال توقَّفت الولايات المتحدة عن دفعها”…تعيد النظر في ماذا؟
قد يبدو هنا وكأنما هناك ثمة خلاف ما بين الحليفين فيما يتعلَّق بالموقف من الأنروا، وهذا غير صحيح بالمطلق، لأن الرؤية للأنروا وحق العودة، الذي هو جوهر القضية الفلسطينية، والتي يبدو ترامب وكأنما هو يزاود فيها هنا على نتنياهو، هي بالأصل صهيونية بالكامل، تاريخية، واستراتيجية، ومجمع عليها من كافة قوى الكيان المحتل على اختلافها وكامل جمهوره الاستعماري الاستيطاني، وسابقة على ترامب وإدارته، لكن حكومة الاحتلال في فلسطين تريد مرحلياً استثناء تطبيقها على عمل الأنروا في غزة فحسب، درأً لانفجار يلوح تحت ضغط الأوضاع الكارثية بسبب من الحصار المديد على القطاع المقاوم ولحسابات تتعلق بمردود وقوعه عليها، وانتظاراً منها لما ستسفر عنه الوساطات التهدوية الجارية.
اعلان ترامب لمثل هذه الخطوة التصفوية، واللاحقة لخطوتي الاعتراف بالقدس عاصمةً لمحتليها ونقل سفارة بلاده إليها، وما تلا من تعزيز لهما وبناء عليهما احتلالياً، ك”قانون القومية”، وخطوات التهويد المتسارع للضفة، أكدت القناة إياها، ونقلاً عن مصادرها الأميركية، أنه “سيصدر في الوقت المناسب”.
وقف ترامب للدعم المالي للإنروا، ليس منقطعاً البتة عن رؤيته المدعوة “صفقة القرن، التي تطبَّق ولا تعلن، وليس معزولاً عن مقدماته الكثيرة ومنها، تصريحات مستشاره للأمن القومي جون بولتون إبان زيارته لفلسطين المحتلة، هذه القائلة بأن “الأنروا آلية فاشلة”، زاعماً، “إنها تنتهك القانون الدولي فيما يتعلق بوضع اللاجئين”، مفسراً ذلك بأن “برنامج الأنروا هو الوحيد في التاريخ القائم على افتراض أن وضع اللاجىء وراثي”، بمعنى أنه يرى أن أبناء اللاجئين واحفادهم ليسوا لاجئين ولا حتى فلسطينيين! ويزيد فيقول بأنه “يعتقد أن اتخاذنا خطوة لتقليص التمويل تأخرت كثيراً”، وأكثر منه بأن كل ما يراه كفيلاً بحل القضية الفلسطينية هو “فرص عمل حقيقية تدر دخلاً”!
هذه التصريحات وازاها خفض المساعدات الأميركية السنوية للسلطة الأوسلوية المخصصة للضفة والقطاع، عبر قطع مبلغ مئتي مليون دولار، أضف عليه تصريحات مشابهة في احدى الندوات للسيدة هيلي المندوبة الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، وما نمى من نية للكونغرس الأميركي للمبادرة إلى اعلان فحواه تخفيض درامي، ومن جانبه، لعدد اللاجئين الفلسطينيين المقيدين في سجلات الأنروا، وهي بالمناسبة سجلات لا تشتمل على تعداد شامل ولا كامل لكل اللاجئين…تخفيضه من خمسة ملايين وثلاثمئة ألف، إلى ما لا يزيد عن خمسمئة ألف!
ما تقدم تصفه المصادر في الكيان الاحتلالي الغاصب ب”الخطوة التاريخية”، وهذه التاريخية فعلاً، ليس لجهة وقاحة إعلانها فقط، إذ نحن مما يقولون بأنها كانت تاريخية من قبله، لجهة اضمارها دونما اعلان أميركي لها بغض النظر عن متبدِّل الإدارات في البيت الأبيض، كان المايسترو في الإدارة الراهنة الذي قاد معزوفتها هو مستشار ترامب وصهره الصهيوني جاريد كوشنر يعاونه لفيف صهاينة البيت الأبيض، وتشجِّعه البيئة المناسبة التي يوفرها هوى كتلة ترامب الانتخابية الصماء وحجر زاويتها تلك الإنجيلية المتصهينة والتي منها نائب الرئيس بنس.
نذكر هنا، أنه قبل قرابة الأربعة أسابيع قد تحدث الاعلام الأميركي عن أن كوشنر هذا قد وجه جملةً من رسائل الكترونية لكبار موظفي البيت الأبيض يدعو فيها إلى العمل على “إنهاء عمل الأنروا لأنها تعمل على تأبيد الصراع (الإسرائيلي) الفلسطيني من خلال تخليد قضية اللاجئين”، واصفاً هذه الوكالة بأنها ليست سوى “مؤسسة يعتريها الفساد ولا تسهم في توفير حل سياسي للصراع بين الشعب الفلسطيني و(إسرائيل)”!
وكل ما تقدم نعثر على كلمة السر وراء استعار اواره في راهن الحرب المحتدمة على الأنروا، والتي في جوهرها هي كناية عن حرب لم تضع أوزارها يوماً على حق العودة للاجئين الفلسطينيين…نجده عند بنيامين نتنياهو، هذا الذي سبق وأن قالها بالعبري الفصيح وها هي تترجم الآن إلى الإنكليزية بلكنة ترامبوية، قال: إن “دورها يهدف إلى تدمير دولة (إسرائيل)، لذا فيجب على الأنروا أن تتلاشى وتزول”..
…قبل ما لا يزيد عن أسبوع خاطب ترامب من يعنيهم الأمر في بلاده، في كتلته الانتخابية وخارجها، وبالذات اللوبي الصهيوني :”ازلنا قضية القدس عن طاولة المفاوضات لنتمكَّن من تحقيق السلام يوما”، وبذا “اخذت (إسرائيل) هديةً قيّمةً جداً”…لكن يوماً هذه، أو “صفقة القرن”، أجهز عليها بولتون في تل أبيب، عندما قال بأن لا موعد لطرحها…كلما احتدم النزال بين الترامبوية والدولة العميقة في الولايات المتحدة تزداد مناسيب صهينة ترامب لكسب دعم صهاينتها.