ترامب وتهويد القدس واشعال الحروب الدينية – د. غازي حسين
تشهد مدينة القدس بشطريها المحتلين في في ظل حكومة نتنياهو الأكثر فاشية في تاريخ الكيان الصهيوني هجمة استعمار استيطاني وتدمير للوجود العربي لا مثيل لها على الإطلاق في تاريخ المدينة المقدسة , وفي ظل صمت عربي مطبق وسبات عميق من النظام العربي وبشكل خاص النظم التي وقعت اتفاقات الإذعان مع العدو الإسرائيلي والسعودية والامارات والبحرين.
تؤكد كتب التاريخ وعلم الآثار أن العرب أسسوا القدس قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام , حيث بنى اليبوسيون العرب المدينة قبل 3000 ق.م , وجاء اسمها الحالي جيروزاليم من الاسم العربي اوروسالم . وجاء الاسم أورشليم الذي يطلقه اليهود من الآرامية (السريانية) , وبالتالي فانه كلمة عربية وليست عبرية .
عرفت فلسطين منذ فجر التاريخ وقبل أن تعرف بفلسطين بأرض كنعان نسبة للكنعانيين العرب . وظلت طوال تاريخها جزءا لا يتجزأ من سورية , وعرفت بسورية الجنوبية إلى أن جاءت اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 وفصلتها عن سورية مقدمة لتهويدها .
تعاقبت على المدينة العربية بعد تأسيسها على أيدي العرب أمم شتى . وحررها العرب المسلمون من الرومان . وطلب أهلها الأمان على أن يتولى ذلك الخليفة عمر بن الخطاب . ووصل الخليفة عمر إلى المدينة ووقع العهدة العمرية لبطريرك المدينة صفرونيوص الدمشقي الذي سلمه مفاتيح المدينة , وضمنها الخليفة شرطا طلبه البطريرك وهو الاّ يسكن اليهود في المدينة المقدسة .
فالقدس من اهم الأماكن المقدسة التي ارتبط بها العرب من مسيحيين ومسلمين على مر العصور .
والقدس عندهم رمز الأرض المقدسة والوطن و القومية و المسيحية والإسلام , ومدينة الإسراء و المعراج وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين . وتحتوي على آثار مسيحية ذات أهمية بالغة , لأنها آثار السيد المسيح و الحواريين ومنها كنسية القيامة وطريق الآلام وما شيدت فيه من كنائس وأديرة , وحافظت على طابعها العربي حتى إبان احتلال الفرنجة لها .
إن تاريخ المدينة يثبت أنها مدينة عربية إسلامية , أسسها العرب , ودمرها الرومان ثم شيدوها وازدهرت في العهد الإسلامي . فهي بحكم التأسيس والبناء والتاريخ مدينة عربية إسلامية , وتاريخها لا ينفصل عن تاريخ فلسطين وعروبتها والأطماع اليهودية فيها .
كان سكان المدينة عربا لسانا وحضارة . وكان رؤساء بلدية القدس خلال المئة سنة الأخيرة قبل احتلال اليهود للشطر الغربي منها عام 1948 عربا منهم : حسين الحسيني , موسى كاظم الحسيني, راغب النشاشيبي , مصطفى الخالدي , وحسين فخري الخالدي .
انطلقت الصهيونية لدعم مزاعمها الاستعمارية من وعد يهوه لشعبه المختار , وهذا زعم ديني يهووي , والدين ليس مصدرا من مصادر القانون الدولي .
إن جميع المزاعم والأطماع التي يوردها اليهود حول ارض الآباء والأجداد والتي يتحدث عنها نتنياهو لا تشكل حقا من الحقوق إذا انطلقنا من القانون الدولي الذي كان سائدا في الماضي او في الحاضر , كوعد يهوه ووعد بلفور ومعزوفة الهولوكوست . كانت فلسطين منذ فجر التاريخ وقبل وصول العبرانيين إليها في إحدى حقبة كنعانية أي عربية , واعتنق سكانها الديانة المسيحية إبان الإمبراطورتين البيزنطية و الرومانية ولم يغير من طابعها العربي . واحتفظت بطابعها العربي بعد الانتصارات العربية في القرن السابع .
فاليهود انطلاقا من روايتهم لم يكونوا أول من سكن فلسطين , وإنما هم دخلاء عليها غرباء عنها وانتهى كيانهم السياسي منذ أن احتلها الرومان .
تذرع الصهاينة في المطالبة بالقدس وبناء هيكل سليمان المزعوم في صلواتهم , ولكن هذا التذرع عامل ديني وليس سياسيا , وبالتالي لا قيمة قانونية له على الإطلاق , مما حدا بالمؤرخ (الإسرائيلي) شلومو ساند من جامعة تل أبيب إلى التأكيد في 8/12/2009 أن “إسرائيل” قامت على أسس ومبررات وذرائع واهية لا أساس لها من الصحة , وأنها ولدت بفعل اغتصاب ارض الفلسطينيين المواطنين عام 1948 .
لقد سخر الحاخامات والقادة الصهاينة الدين اليهودي كسلاح في خدمة الاستعمار الاستيطاني اليهودي , وخدمة الأطماع الاستعمارية السياسية والاقتصادية للصهيونية العالمية والامبريالية الأميركية , لفرض هيمنة اليهودية على البلدان العربية والإسلامية وعلى بقية بلدان العالم .
خططت الصهيونية منذ تأسيسها لتهويد الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس . وكتب هرتسل مؤسس الحركة قائلا:
” إذا حصلنا يوما على القدس وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسا لدى اليهود فيها . وسوف احرق الآثار التي مرت عليها قرونا ” .
حاول اليهود في آب 1929 الاستيلاء على حائط البراق , وهو جزء من المسجد الأقصى بحجة انه جزء من هيكل سليمان المزعوم .
تصدى الفلسطينيون لمحاولاتهم واندلعت ثورة البراق , مما اجبر حكومة الانتداب البريطاني على عرض القضية على عصبة الأمم و التي شكلت لجنة تحقيق دولية .
وجاء في قرار اللجنة الدولية للتحقيق الصادر في كانون اول 1930 مما يلي :-
أولا: للمسلمين وحدهم حق الملكية دون منازع في امتلاك الحائط الغربي (أي حائط البراق) كجزء لايتجزأ من منطقة الحرم الشريف .
ثانيا: تعود ملكية الساحة أمام حائط البراق الغربي (أي ساحة المغاربة) للمسلمين ايضا وكذلك حي المغاربة المجاور والمقابل, الذي يعتبر وقفا ثابتا وفق الشريعة الإسلامية .
وهكذا جاء قرار لجنة التحقيق الدولية ليؤكد بجلاء ان ما يسميه اليهود بحائط المبكى هو وقف إسلامي , لا علاقة له بهيكل سليمان المزعوم .
أعلن بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني فور تأسيسه “أن لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل ” .
وطالب بن غوريون بعد حرب حزيران العدوانية مباشرة في عشرين حزيران 1967 بهدم سور القدس التاريخي للأسباب التالية :
أولا: لأننا نريد قدسا واحدة لا اثنتين يهودية وعربية .
ثانيا: يجب هدم السور فهو غير يهودي , اذ بناه سلطان تركي .
ثالثا: سيكون لهدم السور قيمة سياسية عالمية اذ عندها سيعرف العالم ان هنالك قدس واحدة يمكن أن تعيش فيها أقلية عربية .
كانت مجزرة دير ياسين في 9نيسان1948 والتي أباد فيها اليهود جميع سكان القرية عن بكرة أبيهم المدخل لاحتلال الشطر الغربي من القدس بسبب موقعها الاستراتيجي , وتمكنت العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة من احتلال القدس الغربية في 15ايار 1948 وشردت حوالي 60الفا أي جميع السكان العرب منها واستولت على أرضهم وعقاراتهم وعلى العديد من المساجد و الكنائس وجميع أملاك وأراضي الوقف الإسلامي .
فالوجود الإسرائيلي في الشطر الغربي من القدس قام على استخدام القوة و العدوان والاحتلال والضم والتهويد خلافا لمبادئ القانون الدولي .وقرارات الأمم المتحدة .
وكانت نسبة أملاك اليهود في محافظة القدس علم 1948 حوالي 2% بينما بلغت الأملاك العربية 84% وأملاك الدولة 14% وبالتالي تعود ملكية الأراضي في القدس الغربية للعرب .
أعلنت “إسرائيل” في 11/12/1949 نقل عاصمتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة . وضم الملك عبد الله في كانون الأول 1949 الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى مملكته . وأعلنت الأردن في عام 1959 أن القدس الشرقية العاصمة الثانية للمملكة الأردنية .
أشعلت “إسرائيل” في الخامس من حزيران 1967 حرب حزيران العدوانية واحتلت في السابع منه مدينة القدس الشرقية . وأصدرت الحكومة الإسرائيلية في 11/6/1967 قرارا ضمت فيه الضفة الغربية بما فيها الشطر الشرقي من القدس إلى الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1948 .
وأصدرت العديد من القرارات ومعها الكنيست ووزير الداخلية في 26و27 حزيران 1967 جعلت القدس الشرقية جزءا لا يتجزأ من القدس الغربية المحتلة .
وأخذت تعمل على تغيير معالم القدس الشرقية العربية والإسلامية وتهويدها تحت شعار كاذب ومخادع ومضلل كعادة اليهود في الكذب وهو إعادة توحيد المدينة , وذلك كذريعة لتبرير الاستعمار الاستيطاني اليهودي .
ويعاني المقدسيون اليوم من التطهير العرقي والترحيل ومصادرة الأراضي وبناء الأحياء و المستعمرات اليهودية وحتى من فك الارتباط الأردني عام 1988 واتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 بسبب مشكلة الهوية , فالمقدسي لا هو فلسطيني ولا هو أردني أو إسرائيلي .. وتسحب سلطات الاحتلال باستمرار بطاقات الإقامة من المقدسيين . وبلغ عدد العائلات المقدسية التي سحبت منها الإقامة عام 2008 حوالي 4577 عائلة . ويعمل اليهودي حاليا على تهويد المسجد الأقصى ببناء كنيس في ساحته , وبناء الأنفاق والكنس تحت أساساته مقدمة لهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه .
بالأمس جرى تهويد أكثر من ثلثي المسجد الإبراهيمي في الخليل في ظل حكومة نتنياهو السابقة (الذي وقع بروتوكول الخليل مع رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس السلطة ياسر عرفات ) وقبر بلال بن رباح وتحويله إلى قبر راحيل في بيت لحم .
واليوم جاء دور المسجد الأقصى باقتسامه بين المسلمين و اليهود كما جرى في المسجد الإبراهيمي لإقامة دولة اليهود العنصرية الخالصة وعاصمتها القدس بشطريها المحتلين .
حاول يهودي في 21اب 1969 تحقيق هدف هرتسل بتدمير المسجد الأقصى بإحراقه, حيث أشعل فيه الحريق , ولكن عرب القدس من مسيحيين ومسلمين , وعرب قرى ومدن الضفة الغربية تمكنوا من إخماد الحريق بعد أن دمرت النيران اليهودية محراب صلاح الدين الأيوبي الذي احضره من الجامع الأموي بحلب إلى المسجد الأقصى بالقدس .
وجاء اتفاق الإذعان في أوسلو الذي وقعه ياسر عرفات في 9اب 1993 وإعلان المبادئ الذي وقعه محمود عباس في 13 أيلول 1993 بالبيت الأبيض في واشنطن واجل قضايا :
القدس ,اللاجئون , المستعمرات, الحدود والترتيبات الأمينة الى مفاوضات الوضع النهائي , مما أعطى دولة الاحتلال المزيد من الوقت لتهويد القدس وتغيير طابعها الحضاري العربي والإسلامي. وصب ترامب ا لمهووس بحب اسرائيل واليهودية ب قراره الخطير حول القدس الزيت على النار لاشعال الحروب الدينية في المنطة. وتتصرف اسرائيل وكانها صاحبة السيادة على المدينة العربية المحتلة ورضخت بعض القيادات الفلسطينة والعربيةللا بتزاز الاسرائيلي . واشتعلت نيران التنافس بين قيادة منظ مة التحرير والمملكة الهاشمية.واعطت تل ابيب دورا للمملكة في الصاية على الاماكن الاسلامية المقدسة.ويشعل العدو التنافس بين المملكتين بعد قرار ترامب الجنوني والخطير والذ\ي ادى الى تصعيد الانتفاضة الثالثة وربما يشعل الحروب الدينية تحقيقا لقناعات الاهوج ترامب اليهودية والمسيحية الصهيونية.
إن الصراع على القدس صراع وطني وقومي وديني وقانوني وإنساني , ولا تملك قيادة منظمة التحرير الفلسطينية او مؤتمرات القمم العربية حق التنازل عنها أو عن ذرة من ترابها المقدس و التفريط بعروبتها .
وهو صراع بين عقيدتين إسلامية متسامحة ومنفتحة ويهودية عنصرية منغلقة واستعمارية واجلائية ترفع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني للقدس وترحيل المقدسيين إلى مستوى القداسة الدينية . وبالمقابل يؤكد الإسلام ان القدس ركن أساسي من العقيدة و الصلاة وغيرها من أركان الإسلام . فالصراع على القدس صراع على الأرض و السكان و الحضارة العربية الإسلامية والتاريخ ولجغرافية والتراث وعلى مفاهيم الحق و العدالة و التحرير من الاستعمار الاستيطاني اليهودي ومن آخر نظام عنصري في العالم بالمقاومة المسلحة وحرب التحرير الشعبية ومصير اسرائيل الى الزوال كما زالت النازية من المانيا والابارتايد من جنوب افريقيا.