تركيا: من الإحتلال باسم الإسلام إلى الهيمنة باسم الإخوان المسلمين – الطاهر المعز
يتضمّن التخطيط الحالي (المُؤَقّت) الأعداد الثلاثة القادمة من نشرة الإقتصاد السياسي الأسبوعية ثلاث فقرات (فقرة في العدد 430 وثانية في العدد 431 وثالثة ف
ي العدد 432)، وقد يتغير التخطيط الحالي لكن ذلك لن يُغَيِّر من أهمية ما ورد من معلومات وبيانات في هذه الفَقَرات التي أُقدِّمُها مُجَمّعَة للمهتمِّين بالموضوع، مع المصادر التي أوْرَدَت الأخبار بصيغتها الأصلية، قبل إعادة صياغتها وإضافة معلومات وبيانات أخرى لوضع المعلومات في سياق تاريخي… مع التّرحيب بالملاحظات والنّقد والتّصْحيح…
(ط. م)
في جبهة الأعداء– تركيا:
تُساهم تركيا (عضو الحلف الأطلسي) في تسْعير نار العدوان على سوريا، وتَحْتلُّ جزءًا من أراضي سوريا، إضافة إلى لواء الإسكندرونة الذي منحته لها فرنسا أثناء احتلالها سوريا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، وعبرت معظم المجموعات الإرهابية أراضي تركيا لتنفيذ مخططات الإمبريالية في سوريا، ومن جهة أخرى ورغم الخُطب الرّنّانة تد‘ّمت علاقات تركيا الحربية والإقتصادية مع الكيان الصهيوني بعد اعتداء الجنود الصهاينة على مركب تركي وقتل مواطنين من تركيا كانوا باتجاه غزة المُحاصرة… وقعت تركيا والكيان الصهيوني سنة 1996 (خلال حكم الإخوان المسلمين بزعامة نجم الدين إربكان) اتفاقية التجارة الحرة، ومُذَكِّرَة مُكَمِّلَة لها في بداية سنة 2000 أقَرّت إلغاء الضّرائب والرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية، وتخفيضات جمركية على المنتجات الزراعية، وتحتل تركيا المرتبة الأولى في تزود الكيان الصهيوني بالإسمنت والحديد والصلب، وصدّرت ما يزيد على مليون طن من الإسمنت إلى تل أبيب سنة 2017، لبناء المستوطنات الجديدة التي أعلنتها سُلُطات الإحتلال، كما بلغت قيمة الصادرات التركية إلى الكيان الصهيوني نحو 2,7 مليار دولار خلال عشرة أشهر من سنة 2016 بارتفاع نسبته 9,2% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2015، وفق بيانات معهد المعايير التُّرْكيّة، واستورد الإحتلال خلال السنوات الخمسة عشر الأخيرة (سنوات حُكم الإخوان المسلمين في تركيا) نحو 16,9 مليون طن من الإسمنت، منها 9,8 مليون طن من تركيا، أو ما نسبته 57,9 % من إجمالي الواردات، واستوردت حديدًا (للبناء) سنة 2017 بقيمة 1,2 مليار دولار، منها ما قيمته 544 مليون دولارا أو ما نسبته 45,3% من تركيا، وتأتي الصين في المرتبة بقيمة 269 مليون دولارا من الحديد، أو ما نسبته 22,4%، وبشكل عام خفضت تركيا مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب إثر حادثة سفينة “مافي مرمرة” لكنها كثفت علاقتها الاقتصادية (بما في ذلك صفقات السلاح)، وسوف نورد في هذه الفقرة البيانات الخاصة بالصادرات التّركية التي تُساهم مباشرة في بناء المُسْتوطنات الصهيونية، حيث ارتفعت صادرات تركيا من الإسمنت إلى دولة الإحتلال خلال 2009 إلى نحو 590 ألف طن، وإلى 725 ألف طن سنة 2011، بزيادة 22,8%، وفق “دائرة الإحصاء” التركية، وارتفعت قيمة صادرات الحديد والصلب، من 213 مليون دولار سنة 2009 إلى 332 مليون دولار سنة 2010،وإلى 437 مليون دولار سنة 2011، وبلغت قيمتها 544 مليون دولارا سنة 2017، وتُظْهِرُ هذه الأرقام تناقُضَ الخطاب الرسمي التّرْكِي مع الواقائع… تمنع سُلُطات الإحتلال على الفلسطينيين استغلال حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية، ويستحوذ عليها جيش الإحتلال بذريعة إنها “مناطق عسكرية” أو “مناطق خضراء” أو “أراضي دولة”، وتُصبح بعد مدة “أراضي مُسْتوطنات”، تُشَكّل حاليا 42% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، و68% من مساحة المنطقة “ج” التي تضم قرابة 90% من الموارد الطبيعية للضفة الغربية و90% من غاباتها ونحو نصف طرقاتها، بينما يستخدم الفلسطينيون الواقعون تحت الإحتلال أقل من 1% من تلك المنطقة، وخسِر الفلسطينيون (جراء التوسع الاستيطاني الذي تدعمه تركيا) نحو سبعة مليارات دولارا سنويا بسبب الإحتلال وسيطرته على أكثر من 80% من مصادر المياه، ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم ومصادر رزقهم وأماكن عملهم… (راجع فقرة “تركيا، مزايدات وتطبيع حلال”؟ في العدد 431 من نشرة الإقتصاد السّياسي)
عن تقرير “معهد المعايير” (تركيا) حول التجارة الخارجية + التقرير السنوي لدائرة الإحصاء التركية – صحيفة “ميلي غازيتا” التّركية 08/05/18
تُرْكيا، مُزايدات وتطبيع (حلال؟):
بعد ستّة أسابيع من بداية “مسيرات العودة” في غزة وما سبقها وما رافَقَها من المجازر الصهيونية اليومية، دعت حكومة الإخوان المُسْلِمؤين في تركيا إلى عقد “قِمّة إسلامية”، مع التذكير إن منظمات “اللُّوبي” أو “مجموعات الضّغط” الصهيونية منحت رئيس تركيا الإخواني سنة 2005 “وسام الشجاعة السّياسية” الذي منحته وهو رئيس الدّورة الحالية ل”منظمة التّعاون الإسلامي”… دعا إردوغان إلى “ملاحقة إسرائل في محكمة الجنايات الدولية”، لكن المُعارضة الدّاخلية “المُعْتَدِلَة” تتهمه بالكذب والنِّفاق واستغلال القضية الفلسطينية، لأنه أَمَرَ يوم السابع من كانون الأول/ديسمبر 2017 (غداة إعلان الرئيس الأمريكي نقل السفارة من تل أبيب إلى القُدْس) بإسقاط جميع الدعاوى التي أقامتها الدولة التركية بالتنسيق مع منظمة الاغاثة الدولية ضد الكيان الصهيوني الذي قَتَلَ (نهاية أيار/مايو 2009) عشرة من المواطنين الأتراك على متن سفينة “مرمرة”، مقابل عشرين مليون دولارا لأُسَر الضّحايا التي لم تُسْتَشَرْ قبل اتخاذ القرار، ومن جهة أخرى رفض نُواب حزب العدالة والتنمية (الإخوان) وهم يُشكلون أغلبية نواب البرلمان مشروع قانون “إلغاء الاتفاقيات الموقّعة مع إسرائيل، واتفاقية سفينة مرمرة” (الثلاثاء 16 أيار،مايو 2018) وسبق أن رفضت حكومة الإخوان المسلمين استخدام حق النّقْض (فِيتُو) ضدّ انضمام الكيان الصهيوني إلى منظمة التعاون والتنتمية (0ECD) في أيار 2010، أي بعد سنة واحدة من مجزرة “مرمرة”، ولم تستخدم حكومة تركيا حق النّقْض لمعارضة اتفاقية الشراكة المتقدّمة بين الكيان الصهيوني وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في أيّار 2016، ورفضت حكومة الإخوان المُسْلِمين باستمرار الرّد على أسئلة واتهامات المُعارضة التي رَكَّزت خلال فترة “مسيرات العودة” على تآمر الحزب التركي الحاكم، ورئيسه “أردوغان” ضد سوريا وضد الشعب الفلسطيني، بتحالف مع أمريكا واللكيان الصهيوني، ومع الأُسَر الحاكمة في الخليج (رغم بعض الخلافات مع السعودية والإمارات)، وسبق أن اعترض أحد مؤسِّسِي حزب “العدالة والتنمية” عبد اللطيف شنار (وكان نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا المالية حتى سنة 2007) على بيع شواطئ مدينة “إسطنبول” لشركة أمريكية صهيونية، فأجبره جناح إردوغان -المُهَيْمن على الحزب- على الإستقالة، وصَرح “شنار” مؤخرًا “ارتفع حجم وقيمة العلاقات الاقتصادية بين أسْرة إردوغان وإسرائيل وارتفع معها حجم التعامل التجاري بين الدولتين إلى خمسة مليارات دولارا”، وأشار إعلام المُعارضة عديد المرّات إلى الثّراء السريع لأبناء إردوغان وضلوعهم في نقل الثروات المنهوبة من العراق ونفط إقليم كردستان العراق والثروات المنهوبة من سوريا والعراقعبر البر وعبر شركة السّفن التي يملكونها ويتجه بعضها إلى ميناء “أم الرّشراش” في فلسطين المحتلة، ويستورد أبناء إردوغان من الكيان الصهيوني البذور (التي تثصدر تركيا ثمارها فيما بعد إلى البلدان العربية) والمعدات الإلكترونية المتطورة، كما اشترت تركيا طائرات آلية صهيونية، وطورت وزارة الحرب الصهيونية (بإذْنٍ من الولايات المتحدة) طائرات “فانتوم” والدبابات التركية… يتنافسُ النِّظَامَان “الإسلامِيّان” الرّجعيان في تركيا والجزيرة العربية (آل سعود وتوابعهم) على المرتبة الأولى في خدمة مصالح أمريكا والكيان الصهيوني والحلف الأطلسي، وتحاول كل منهما افتكاك صِفَة قيادة “الأمة الإسلامية” (الوَهْمِيّة)، وعقدت السعودية اجتماعًا لوزراء الخارجية في إطار جامعة الدول العربية (العِبْرِيّة؟) في القاهرة، قبل يوم واحد من اجتماع “منظمة التعاون الإسلامي” في إسطنبول (عاصمة الدولة العُثمانية سابقًا)، ولم يُسْفر الإجتماعان عن أي قرار لدعم شعب فلسطين، بل استخدمت كل من السعودية (وتوابعها) وتركيا هذه الإجتماعات لتبرير التطبيع ودعم المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق واليمن وغيرها…
عن مواقع حزب “الجيد” (تركيا) + موقع “حزب الشعب الجمهوري” + الوكالة الرّسمية التّركية “الأناضول” من 15 إلى 19/05/18
تركيا- من “السلطان عَبد الحميد” إلى “السلطان إردوغان”؟
يشمل برنامج حزب الإخوان المسلمين في تركيا إعادة نفوذ تركيا في المناطق التي كانت تحتلُّها الدّولة العُثْمانِيّة باسم الإسلام، منذ القرن الخامس عشر، وتَشْملُ معظم مساحة الوطن العربي الحالي وجُزْءًا كبيرًا من أوروبا الشرقية والوسطى ومنطقة “البلقان”، وبدأت دولة العُثْمانِيِّين بالإنهيار خلال صعود الرأسمالية الأوروبية وتَحَوّلها إلى إمبريالية (لغزو الأسواق الخارجية بعد السيطرة على الأسواق الدّاخلية) واضطرت في القرن التاسع عشر إلى تسليم مُسْتعْمَراتها إلى فرنسا (الجزائر 1830 وتونس 1881) وإلى بريطانيا (مصر 1882)، قبل أن تنهار خلال الحرب العالمية الأولى وتنكفئَ في أراضي تركيا الحالية، لكن كافة الأنظمة التي حكمت تركيا، من الدكتاتور “أتاتورك” المُوالي للإمبريالية الأوروبية إلى الإخوان المسلمين، كانت تُمَجِّدُ “ثقافة” احتقار الشُّعُوب، وتميزت مرحلة حُكْم الإخوان المُسْلِمِين من المغرب إلى تركيا بالجَمْعِ بين الرغبة في التّوسُّع باسم الإسلام، وتبرير العلاقات المتطورة مع حلف شمال الأطلسي الذي يملك قواعد ضخمة في تركيا وزيادة حجم المبادلات الإقتصادية والعسكرية مع الكيان الصّهْيُونِي، ويُبَرِّرُ الإخوان المُسْلِمون في الوطن العربي مخططات تركيا كما يثبَرِّرُون احتلال قبرص (منذ 1974) واحتلال أجزاء من سوريا، بالتزامن مع انتشار المُسلسلات والسِّلَع التّركية والشركات التّركية (التي تجلب معها عُمّالاً من تركيا، كنا تفعل الصّين أيضًا) في أرجاء الوطن العربي، في ظل تسارع خطوات التّطبيع وتَبْرِيرِهِ (قد يكون تطبيعًا “حلالاً”)، ولمّا يئِسَتْ تركيا الإخوانية من قُبُولِها عُضْوًا في الإتحاد الأوروبي، ازداد تركيزها على العلاقات (غير المُتكافئة) مع المُسْتعْمرات القديمة، بما فيها منطقة “البَلْقَان”، باستثناء اليونان، لأن اليونان عضو في الإتحاد الأوروبي، وعَرْقَلَتْ حكوماته قبول طلب تركيا الإنضمام للإتحاد الأوروبي… بدأت محاولات “الغَزْو” التّرْكي “النّاعم للبلقان مع انهيار الإتحاد السوفييتي ومع العُدوان الأطلسي على يوغوسلافيا السابقة، بهدف تفتِيتِها (بالتزامن مع العدوان على العراق في كانون الثاني/يناير 1991)، وأعلن الرئيس التّركي “تورغوت أوزال” سنة 1992 إن تركيا ستفوز بمعركة السّيطرة على “البلقان” التي تحاول أوروبا الغربية، وخصوصًا ألمانيا الهيمنة عليها، لتصبح منطقة البلقان محطة أولى في برنامج تركيا للعودة بقوّة إلى الساحة الدّولية، واستغلّت تركيا الدّمار الذي خلّفَتْهُ حُرُوت عقد التسعينات من القرن العشرين، واحتقار حكومات أوروبا لحكومات ومواطني مستعمرات تركيا سابقًا (يوغسلافيا السابقة وألبانيا) وعدم مساعدتهم بعد تخريب بلدانهم، فكثّفت من اتصالاتها وازدهرت العلاقات السياسية والإقتصادية والتجارية أيضًا، فارتفع حجم الصادرات التركية إلى المنطقة من أقل من ثلاثة مليارات دولارا سنة 2000 إلى إلى 7,53 مليارات دولار سنة 2011، وارتفعت بشكل متسارع بعد ذلك (دون توفّر أرقام موثوقة المصدر) وكان “أحمد داود أُوغلو”، مُنَظِّر الإخوان المسلمين في تركيا، وزير الخارجية بين 2009 و 2014 ورئيس الوزراء بين 2014 و 2016، قد اعتبر في كتابه المذكور “إن منطقة البلقان هي الباب الذي ستُرْغِمُ تركيا من خلاله الإتحاد الأوروبي على القبول بها كقوة عُظْمى لها دوْرُها وثِقَلُها وتأثيرها في السياسة الدولية”، إلى أن جاء العُدْوان على سوريا، فاستخدمتها تركيا الأطلسية لتصبح قُوة إقليمية في منطقتنا العربية، قبل المُساومة مع الإتحاد وابتزازه من خلال مسألة اللاجئين الذين فتحت لهم سوريا حدودها وواستخدام ورقة المنظمات الإرهابية في سوريا التي عَبَرَ سلاحها ومُرْتَزَقَتُها الأراضي التّركية قبل دخول سوريا والعراق، بإشراف ودعم أمريكي- أطلسي، وكان موقع “ويكيليكس” قد نشر وثائق تنسب إلى وزير الخارجية التّركي سنة 2010 (أحمد داود أُوغلو) التّخطيط لاستعادة النفوذ السابق للدولة العثمانية في “البَلْقَان” (الخاصِرة الرّخْوَة لأوروبا)، وجَسّدت الحكومة التّركية آنذاك هذه الخطة بالتركيز منذ 2012 على “صربيا” المُرَشّحَة للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، لتكون بوابة تركيا نحو أوروبا، وكان ردّ الفعل الأوروبي مُتأخِّرًا جِدًّا، وبعد حوالي عقديْن من الإستخفاف عقد مُمَثِّلُون عن الإتحاد الأوروبي لقاءً نع مُمَثِّلِي ست دول من منطقة البلقان (صربيا ومُونْتِينِيغرو وألبانيا ومقدونيا والبوسنة وكوسوفو) منتصف أيار/مايو 2018… تكمن أهمية منطقة البلقان في موقعها وليس في حجم التبادل التجاري، لكن حكومة تركيا تُخَطِّطُ لإنجاز أكثر من 200 مشروع في صربيا التي تجاوز حجم التبادل التجاري التركي معها مليار دولارا سنة 2017 وفق تصريح الرئيس التّركي، ووقّعت تركيا وصربيا ست اتفاقات تعاون أمني، وبلغ حجم التبادل التجاري مع “البوسنة والهرسك” 700حوالي 800 مليون دولارا، وارتفع حجم التبادل التركي مع “كوسوفو”، وكذلك مع “ألبانيا” (420 مليون دولارا)، وتستهدف تركيا الأقليات المسلمة من خلال إعادة ترميم التاريخ العثماني والمساجد والجسور والحمامات الأثرية في المنطقة، كما تعمل على نشر الفكر الإخواني من خلال الأئمة والمدارس القرآنية…
عن موقع صحيفة “إلمَنِفِسْتُو” (إيطاليا) + “إندبندنت” (بريطانيا) + “الأخبار” (لبنان) 17 و18 و19/05/18
كنعان