تطبيع ترامب في الشرق الأوسط قائم على أساس التنمر والابتزاز
إعلام “إسرائيلي”: تطبيع ترامب في الشرق الأوسط قائم على أساس التنمر والابتزاز
ريتشارد سيلفرستاين يقول في مدونة “تيكون عولام الإسرائيلية” إن السياسة الخارجية التي ينتهجها ترامب هي معاملات بحتة. لا تقوم على مبادئ أو قيم. من المؤكد أنها لا تستند إلى أي رؤية استراتيجية لتعزيز المصالح الأميركية في المنطقة. وفيما يلي ترجمة المقال.
دونالد ترامب يُدير سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بنفس الطريقة التي أدار بها من دون كوريليون إمبراطوريته المافيا: من خلال السعي وراء المصالح المشتركة حيثما أمكن ذلك، وإذا فشل ذلك، من خلال التنمر والابتزاز.
تشير التقارير الإخبارية إلى أن القليل من دول الشرق الأوسط التي تتفاوض لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، إن وجدت، تفعل ذلك من كل قلبها. بعضها، مثل الإمارات والسعودية، تجد أن لديها مصالح مشتركة مع “إسرائيل” والولايات المتحدة في محاربة نفوذ إيران في المنطقة. ناهيك عن تفاخر ترامب للصحافي بالصحافي وب وودوارد بأنه بعد أن قتل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الصحفي المعارض جمال خاشقجي، “أنقذ مؤخرته”. لم يكن على ترامب أن يفعل الكثير لطلب “الدَيْن” من السعوديين. دول مثل عمان والبحرين، المعروفة بأنها التالية على قائمة التطبيع، هي إما دول تابعة للسعوديين أو تعتمد بشكل كبير على حسن نواياهم.
لكن هناك دولاً أبعد من ذلك أفادت بأنها تفكر في الانضمام إلى المجموعة، وليس لديها مصلحة واضحة في التطبيع، من بينها السودان والمغرب. أطاح السودان مؤخراً بالديكتاتور القوي عمر البشير، واستبدله بتحالف غير مستقر من القادة العسكريين والمدنيين الذين يحاولون شق طريق بعيداً عن تشدد البشير الإسلامي ونحو التعددية الديمقراطية. لكنهم مثقلون بأعباء مرهقة من عهد البشير: تصنيف دولي كدولة إرهابية.
نظراً لماضيه، فإن السودان غير مؤهل للحصول على مساعدات دولية، ومساعدة تنمية الأعمال التجارية، والعلاقات التجارية. وأدى ذلك إلى خنق المحاولات الوليدة للحكومة الجديدة، لبدء الاقتصاد ومنح المواطنين الأمل في إحداث تغيير جذري في حالتهم الاقتصادية والسياسية.
وهنا يأتي دور الولايات المتحدة: نحن المفتاح لإزالة السودان من قائمة الإرهاب الدولي. تحتفظ وزارة الخزانة لدينا بهذه القائمة التي تشمل دولاً مثل إيران وكوريا الشمالية ودول أخرى مشهورة برعاية الإرهاب. في بعض الحالات، ستزيل وزارة الخزانة الدولة التي تخلت بوضوح عن تورطها السابق في مثل هذه الأعمال (ليبيا). في حالات أخرى، يتم الحذف من القائمة بناءً على مقتضيات سياسية بحتة (الجماعة المناهضة لإيران، منظمة مجاهدي خلق). إذا أراد السودان أن يقدم أي أمل لشعبه لتجنب الانهيار الاقتصادي، يجب على الولايات المتحدة إزالة البلد من قائمة الإرهاب وفتح الأبواب أمام المساعدات الإنسانية والتجارة.
على الرغم من عدم وجود سبب شرعي لمواصلة هذا التصنيف، إلا أن إدارة ترامب تعلق إزالته فوق رؤوس قادة السودان، لكن تُبقيه بعيد المنال، بينما تقول لهم: يمكننا عقد صفقة إذا كنت ستفعل شيئًا من أجلي في المقابل. هذا “الشيء” هو تطبيع مع إسرائيل. هذا ليس كل ما هو معروض: الإمارات العربية المتحدة و”إسرائيل” وآخرون قاموا بتحلية الوعاء بمساعدات بقيمة مليار دولار تقريبًا. ولكن بالنظر إلى حقيقة أن السودان في حالة قصوى، فإنه يحتاج من ثلاثة إلى أربعة أضعاف هذا المبلغ للوقوف على قدميه مرة أخرى.
لهذا السبب سوف تسمع قادة الجيش السوداني يتحدثون باستحسان عن هذا الاحتمال. في الواقع، التقى نتنياهو بزعيم الجيش السوداني والحاكم الفعلي، على الرغم من عدم توفر صور للقائهما (لأسباب واضحة). في حين أن قادة السودان المدنيين، الأكثر انسجاماً مع مزاج الشارع، أكثر حذراً. هذا يترك البلاد في طي النسيان. لقد قطعت شوطاً طويلاً في الإطاحة بديكتاتور ووضعت نفسها على طريق الحرية. لكنها رهينة قوى أكبر منها، مستغلة ضعف السودان لصالح مصالحها الخاصة. السخرية ساحقة.
مسؤولون أميركيون و”إسرائيليون” علّقوا أيضاً احتمال انضمام المغرب إلى عربة التطبيع. لديه أيضاً حلية مرغوبة كثيراً تشتهيها. منذ عام 1975، عندما سيطر على الصحراء الغربية من إسبانيا، خاض معركة مستمرة ضد مجموعة من السكان الأصليين تسعى إلى الاستقلال. المغرب يطالب بمنطقة غير معترف بها دولياً (مثلما لم يتم الاعتراف باحتلال “إسرائيل” للأراضي المحتلة). السيطرة المغربية ليست فقط نقطة فخر وطني، فالمنطقة فيها مخزونات هائلة من الموارد القيمة.
مثلما اعترفت الولايات المتحدة بالسيادة “الإسرائيلية” على القدس بأكملها وفعلت ذلك تقريباً فيما يتعلق بالسيطرة “الإسرائيلية” على الضفة الغربية أيضاً، فإن المغرب يطمع في اعترافنا بمطالبته بالصحراء الغربية. هناك سبب لرفض العالم للمطالبة المغربية. لم تتنازل إسبانيا عن المنطقة أبداً للمغرب ولم يوافق سكان الإقليم أبداً على السلطة المغربية. هناك أيضا حركة حرب عصابات تسعى إلى الاستقلال.
هذا لا يعني شيئاً لترامب (أو “إسرائيل”). في الواقع، لديه نقطة ضعف أمام الديكتاتوريين المتوحشين (كيم جونغ أون) والدول القوية التي تتنمر على جيرانها (روسيا والمملكة العربية السعودية). إنه على استعداد لقلب عقود من الإجماع من أجل تشكيل تحالفات قائمة على الجشع والفساد والمصلحة الذاتية. وهكذا، عرضت الولايات المتحدة على المغرب الاعتراف بمطالبته مقابل التطبيع. إنه عرض أفضل من رفضه. في الواقع، كان للمغرب تعاملات سرية مع “إسرائيل” لعقود عديدة، ووكالات الاستخبارات في كلا البلدين قدمت “خدمات” لبعضها البعض. وبالتالي فإن التطبيع ليس اختراق راديكالي كما قد يكون لبلد مثل السودان.
ومع ذلك، فإن الحزب الحاكم وجزء كبير من الشارع المغربي يحتفظان بالولاء القوي للقضية الفلسطينية، ومعارضة قوية لتحسين العلاقات مع “إسرائيل”. على الرغم من أن المسؤولين “الإسرائيليين” ووسائل الإعلام قد روجوا لإعلان وشيك من السلطات المغربية، لم يكن هناك شيء وشيك، بل وصف المسؤولون التقارير بأنها “أخبار مزيفة”.
السياسة الخارجية التي ينتهجها ترامب هي معاملات بحتة. لا تقوم على مبادئ أو قيم. من المؤكد أنها لا تستند إلى أي رؤية استراتيجية لتعزيز المصالح الأميركية طويلة المدى في المنطقة، ليس فقط من أجلنا، ولكن من أجل تحسين أوضاع الشعوب هناك. إنها سياسة تقوم على مصالح قصيرة المدى، تلك التي تتحول مثل رمال الصحراء.
كما كتبت مؤخراً في “ميدل إيست آي”، فإن ترامب صاغ صفقة القرن واتفاقات أبراهام ليس لتعزيز مصالح “إسرائيل” بقدر ما هو لتعزيز فرصه الانتخابية. وهو يعتقد أنه من خلال جعل “إسرائيل” قوية وتحويل أعدائها إلى حلفاء، فإنه سيكسب دعم المسيحيين الإنجيليين الذين يتطلعون إلى خلاصهم، و”هرمجدون” تؤدي إلى المجيء الثاني.
على الرغم من الإنجاز الكبير، إلا أن صفقة التطبيع ليست متجذرة في القيم المشتركة وأي فوائد ستقدمها الآن، كما أتوقع، ستكون قصيرة الأجل.
*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً