تطورات الوضع الدولي 2015 – الطاهر المعز
سبق أن نشرت مقالا، منتصف 2012، عن “الاستراتيجيا العسكرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادي”، ويمكن اعتبار هذا المقال تكملة أو متابعة وتحديث لما ورد في النص الأول.
هناك جدل حول حقيقة أو درجة القوة الأمريكية، في ظل الأزمة الإقتصادية وفي ظل صعود قوة الصين وقدرتها على المناورة، فالبعض يرى أن الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة قد تأقلمت وتكيفت مع الوضع الجديد والأزمات، في حين يعتقد البعض ان الولايات المتحدة الأمريكية فقدت الكثير من نفوذها، وهي في طريقها إلى الضعف والهوان… في كلتا الحالتين، لن تتغير أحوالنا كمواطين عرب، أو كشعوب مضطهدة وكبلدان مستعمرة (بفتح الميم)، ما لم نقاوم، من أجل افتكاك نصيبنا من هذا العالم وتحرير أراضينا وشعوبنا من الهيمنة، سواء كانت هذه الهيمنة أمريكية أو من القوى التي سترثها إذا انهارت القوة الإمبريالية الأمريكية… من جهة أخرى يعتبر بعض الكتاب والمفكرين والباحثين ان الصين وروسيا تمثلان قوى امبريالية وخطورتها علينا نحن بالذات كشعوب عربية، ليست أقل من الولايات المتحدة، بل هي أخطر من دول الإتحاد الأوروبي… هذه محاولة لسرد بعض المعطيات وللإجابة، من خلالها، على بعض التساؤلات
بديهيات تاريخية:
اعتمدت الولايات المتحدة منذ تأسيسها على القوة العسكرية (البحرية بالأخص) وعلى النهب والإستغلال، من نهب وطن السكان الأصلانيين، إلى استغلال السود الذي من ازدهار الزراعة ثم الصناعة، وتراكم رأس المال والأرباح، واستخدمت الولايات المتحدة القوة العسكرية لضم أكثر من نصف مساحة المكسيك إلى أراضيها (المغتصبة أصلا من السكان الأصلانيين) واحتلال جزر ومناطق عديدة تطل على المحيطين الهادئ والأطلسي، ويفوق عدد الحروب التي شنتها أمريكا عدد السنوات التي انقضت منذ استقلالها عن بريطانيا، واعتدت السفن الحربية الأمريكية على ليبيا والجزائر في بداية القرن التاسع عشر، بتعلة مكافحة القرصنة البحرية، أي “الإرهاب” بلغة اليوم (1810 و 1815) وازدادت قوة الولايات المتحدة العسكرية والإقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية التي أنهكت القوتين الإمبرياليتين الرئيسيتين (بريطانيا وفرنسا)، وأسست نظاما عالميا جديدا على مقاسها، بعد اجتماع “بريتن وودز” (1944)، قبل انتهاء الحرب، وتأسيس صندوق النقد الدولي وبنك الإنشاء والتعمير (البنك العالمي) وما أصبح يسمى بمنظمة التجارة العالمية، وكان الدولار يهيمن على المبادلات التجارية العالمية وعلى الإحتياطي العالمي، بسبب معادلته بالذهب، حتى 1970، غير ان الهيمنة الأمريكية كانت منقوصة بفعل وجود الإتحاد السوفياتي، القوة المنتصرة الأخرى بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تطرح نظامها كبديل للنظام الرأسمالي العالمي، إلى حين انهيار الإتحاد السوفياتي وكتلته، بانهيار جدار برلين (أواخر 1989)، بعد هزيمته عسكريا في أفغانستان، وسياسيا في المجر وتشيكوسلوفاكيا وبولندا، وغيرها من بلدان شرق ووسط أوروبا…
المنعطف:
في أوج الحرب العدوانية الأمريكية على فيتنام، بدأت الولايات المتحدة تواجه (منذ 1970) ضعف النمو الإقتصادي وارتفاع عجز الموازنة وانخفضت حصة الإنتاج الأمريكي من الثروة العالمية، من 40% قبل الحرب العالمية الثانية إلى25% في عقد الثمانيات قبل أن يرتفع خلال عقد التسعينات إلى نحو 33% وانخفضت حصة الولايات المتحدة من التجارة العالمية بين1970 و 1990وأصبح حلفاؤها (أوروبا واليابان) ينافسونها في مجالات التقنية والتجهيزات والسيارات، وارتفع العجز التجاري الأمريكي تدريجيا (حوالي 450 مليار دولارا سنة 2012)، كما ارتفع عجز الموازنة إلى 1,8 تريليون دولارا حاليا، وبلغت قيمة الدين الخارجي 15,104 تريليون دولارا سنة 2011 ونسبة الدين الحكومي 67% من الناتج الإجمالي المحلي خلال نفس السنة، في حين يحقق حلفاؤها، مثل اليابان وألمانيا، فوائض في الموازنة وفي الميزان التجاري… دأبت الولايات المتحدة على تصدير أزماتها (بفعل هيمنتها على النظام الإمبريالي العالمي) مثل أزمة “الرهن العقاري” التي انطلقت منها لتصبح أزمة مالية ثم اقتصادية عالمية، وكلما كان ارتباط اقتصاد البلدان بامريكا وثيقا، كانت الأزمة أعمق، ولم تسلم منها سوى البلدان ضعيفة الإرتباط بالإقتصاد الأمريكي، الذي تحول من “ضامن لاستقرار الإقتصاد العالمي” (بحسب تعبير مؤسسات العولمة الرأسمالية) إلى ناقل لفيروس الأزمات، أو منتج لها، وأصبحت أمريكا أكبر دولة مستدينة في العالم، غير أنها لا تكترث بذلك، نظرا لاستمرار هيمنة الدولار على المبادلات التجارية وعلى احتياطيات الدول وعلى النظام المالي بشكل عام، ولأن معظم أسعار السلع والمبادلات مقومة بالدولار، غير أن هناك مؤشرات عديدة على انطلاق مسار الإنحدار، الذي قد يستمر عقودا، وهو ما بدأت بعض القوى مثل مجموعة “بريكس” أو الصين أو روسيا أو إيران استغلاله لصالحها، رغم الرد الأمريكي العدواني والعنيف
القوة الصاعدة:
بدأت الصين، منذ عقد سبعينات القرن العشرين تتبني الرأسمالية صراحة، لكن بإشراف جهاز الدولة، وبقيادة بيروقراطية الحزب المسمى زورا “شيوعي”، ونمت الرأسمالية على حساب الفلاحين الفقراء الذين نزح منهم حوالي 220 مليون من الريف إلى ضواحي المدن الصناعية، يعملون حوالي 12 ساعة يوميا، دون حقوق او تغطية صحية واجتماعية، هذا على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي فقد تمدد الرأسمال الصيني في البلدان الفقيرة، بسرقة الصناعات التقليدية المحلية وإنتاج بدائل رديئة لها بكميات هائلة وبأسعار زهيدة، وسرق رأس المال الصيني واختلس حتى الكوفية الفلسطينية، التي أصبحت تباع منها الملايين من كل الألوان من صنع الصين، وساهم رأس المال الصيني (والهندي) في القضاء على زراعة القطن في افريقيا وبعض البلدان العربية، وعلى صناعات النسيج التقليدية في عدد هام من البلدان…
على الصعيد الدولي تحاول الصين وروسيا احتواء الحصار العسكري الأمريكي لهما، بعد توسيع حلف شمال الأطلسي إلى حدودهما، بعد انهيار “حلف وارسو” بانهيار الإتحاد السوفياتي، وبدأت الصين في إنشاء تجمعات اقتصادية إقليمية، منها “مجموعة شنغهاي للتعاون” التي انطلقت منذ سنة 1996 بمشاركة الصين وروسيا وكازاخستان وطاجيكستان وكيرغيستان، قبل أن تلتحق بها دول أخرى بصفة “ملاحظ” (مثل إيران) أو “عضو مشارك” مثل الهند واندونيسيا انطلاقا من 2001 وانطلقت مفاوضات لضم عدد من الدول الأخرى منها باكستان ومنغوليا وأفغانستان وبيلاروسيا وسريلنكا وتركيا… وتتخوف موسكو وبيكين من قدرة امريكا على استخدام قضايا “حق أريد بها باطل” مثل حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، لذلك حاولت اجتذاب جمهوريات آسيا الوسطى “المسلمة” إلى صفها، كما أسست الصين “بنك الإستثمار الآسيوي للبنية التحتية”، الذي اعترضت عليه أمريكا وقاومت فكرة تأسيسه في البداية، ثم أذعنت بعد إعلان حلفائها الإنضمام إليه (بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأستراليا وإيطاليا) وجميعها حليفة أمريكا، وبعد مساندة صندوق النقد الدولي لهذه المؤسسة المالية الجديدة، وقد يكون هذا الإذعان الأمريكي بداية الوعي بانهيار القوة الأمريكية، وهو أحد البراهين التي يقدمها من يعتقدون ان الولايات المتحدة في طريق الإنهيار…
تحديات هامة:
كانت الولايات المتحدة (ولا تزال) تعتبر جنوب القارة الأمريكية باحتها الخلفية، واعتبرتها رقعة شطرنج، ونظمت الإنقلابات والحروب الأهلية ونصبت الجنرالات بالقوة، ولكن هذه المنطقة أصبحت في طليعة القوى المقاومة للهيمنة الإمبريالية الأمريكية، مقتدية بجزيرة كوبا التي صمدت طيلة خمسة عقود إلى أن قررت أمريكا تخفيف القيود والحظر، قبل فتح الحدود التجارية (بشروط)، ولازالت فنزويلا تمثل تحديا للهيمنة الأمريكية، بالإضافة إلى بوليفيا وأورغواي والأرجنتين والبرازيل، وتنتمي هذه الدولة الأخيرة إلى مجموعة “بريكس” (البرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب افريقيا) التي قررت إنشاء مصرف لمساعدة الدول الأعضاء على الإستثمار في مشاريع البنية التحتية والتنمية، دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، الواقعين تحت الهيمنة الأمريكية، منذ سبعة عقود، وقد تمثل هذه المصارف (المصرف الآسيوي للتنمية ومصرف بريكس) بديلا جديا لمؤسسات “بريتن وودز” التي كرست هيمنة الإمبريالية بزعامة الولايات المتحدة، وقد تساهم هذه الكيانات في الحد من سيطرة الدولار على الإقتصاد العالمي، ما قد يسرع بانهيار اقتصاد الولايات المتحدة، خصوصا بعد محاولات روسيا والصين عقد اتفاقيات تبادل تجاري بينهما أو مع بلدان أخرى، باستخدام العملات المحلية، وستخسر بذلك الولايات المتحدة أحد وسائل هيمنتها على المبادلات التجارية العالمية المقومة بالدولار، ولجوءها إلى طبع ما أرادت من دولارات (دون أن يتسبب ذلك في ارتفاع نسبة التضخم) ومقايضة ديونها الخارجية بهذه الأوراق المالية (الدولار) التي تباع وتشترى كأي سلعة أخرى
موقع روسيا والصين:
رغم بعض مواطن الضعف، لم تفقد الإمبريالية الأمريكية عدوانيتها، بل ازدادت شراسة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، ودفعنا نحن العرب ثمنا باهضا، بداية من العراق (منذ 1991) إلى ليبيا وسوريا، بالإضافة إلى فلسطين، فلم تعد “الصهيونية أحد أشكال العنصرية” وأصبح “صراع الحضارات”، بل صراع الأديان والمذاهب والطوائف، بديلا للصراع القومي والطبقي، وأصبح الكيان الصهيوني حليفا لمشيخات الخليج، ضد إيران، وأصبحت تركيا الأطلسية حليفا ضد دولة عربية أخرى (سوريا)، لذا لا تزال الإمبريالية الأمريكية تتسم بقدر هام من العدوانية وزادت من عدد قواعدها وعدة جيوشها في الصحراء الكبرى المتاخمة للمغرب العربي (قبل وبعد تخريب ليبيا)، وفي المغرب وموريتانيا، وربما في تونس، عبر برنامجها العسكري “أفريكوم”، وفي القرن الافريقي وفي الخليج، لمراقبة منابع النفط والممرات البحرية، ثم بدأت منذ بضع سنوات تطبيق حصار سياسي واقتصادي وعسكري على روسيا في عقر دارها، منذ الثورات الملونة في جورجيا وأوكرانيا، وعززت من تواجد قواتها (بغطاء الحلف الأطلسي) في دويلات البلطيق وفي بولندا ورومانيا وأوكرانيا وغيرها من البلدان الواقعة على حدود روسيا، وفي آسيا، أعلنت الولايات المتحدة نقل ثقل قواتها البحرية (60% منها) إلى حدود الصين بحلول 2020، إضافة إلى بناء قواعد ضخمة شمال استراليا وفي اليابان وكوريا الجنوبية وعودة أسطولها البحري العسكري إلى ميناء “هايفونغ” في فيتنام، وتكثيف المناورات العسكرية مع حلفائها (الفلبين واليابان وكوريا الجنوبية) وغيرها، بهدف “حماية المصالح الأمريكية الإقتصادية والسياسية في وجه التوسع الصيني”، وأنشأ حلفاء أمريكا (ألمانيا وفرنسا واسبانيا) نظاما للمراقبة العسكرية والتجسس بواسطة الأقمار الصناعية (من صنع إيرباص) حول الصين، في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأرسلت فرنسا حاملة طائرات إلى منطقة الخليج لمعاضدة القوات الأمريكية… أما المناورات التي تقوم بها روسيا والصين فهي من باب الدفاع على سيادتها وحدودها ومصالحها، ولم ترتقي إلى مستوى الهجوم، كما تفعل الولايات المتحدة إما مباشرة أو بواسطة الحلفاء (خصوصا فرنسا التي عوضت بريطانيا في درجة الولاء لأمريكا) والحلف الأطلسي، على حدود روسيا والصين، على بعد آلاف الأميال من حدود الولايات المتحدة، ولقد جمدت الصين إنفاقها العسكري لفترة ثلاثة عقود تقريبا وتفرغت لتعزيز مكانتها الإقتصادية في ظل العولمة، كما لم تطور روسيا تجهيزاتها العسكرية لفترة عقدين من الزمن، قبل أن تجد حدودها محاصرة بقوات حلف شمال الأطلسي…
إن السياسة العدوانية الأمريكية هي التي دفعت دول “بريكس” إلى التجمع والبحث عن بدائل لمؤسسات “بريتن وودز”، ودفعت نفس هذه السياسات العدوانية روسيا والصين إلى تعزيز التعاون بينهما، ما يفند ادعاء بعض الكتاب والمفكرين العرب بان الصين وروسيا امبرياليتان، في نفس المرتبة مع الإمبريالية الأمريكية وبنفس العدوانية… من ناحية أخرى فإننا ننطلق من مصالحنا الوطنية والقومية (ثم الأممية) لنحدد من هو العدو ومن هو الصديق ومن هو المحايد، ولا زالت الإمبريالية الأمريكية هي السند الأساسي للعدو الصهيوني، وهي التي تتدخل عسكريا للإطاحة بالأنظمة التي لا ترضى عنها، لسبب أو لآخر، وهي التي تساند الإخوان المسلمين وفروعهم… أما بالنسبة لسوريا، فإن روسيا ساندت النظام كحليف، بعد أن راوغتها أمريكا في ليبيا، وبقطع النظر عن موقف كل منا من النظام السوري، فإن المستهدف هي الدولة والبلد ككل (كوطن وشعب)، وهو ما حصل ويحصل للعراق وليبيا والسودان، وإذا كان هدف “الثورة” في سوريا تحرير الجولان وفلسطين المحتلين وإقامة نظام أكثر عدلا وإنصافا للعمال والكادحين والمزارعين، فأنا أول من يصفق له ويسانده، لكنني لن أثق في من يستعين بالكيان الصهيوني وبحلف شمال الأطلسي وبالإمبريالية الأمريكية، ويدعوها لاحتلال البلاد، ولنا في العراق وليبيا مثال حي عن مآل هذه الدعوات…
ما الحل؟
إن الحل الأسلم والأنجع يكمن في الإعتماد على القوى الذاتية، وعدم الإعتماد على أي قوة خارجية، لأنها جميعا ترمي إلى تحقيق مصالحها، وهذا طبيعي…
تجمعت لدى الحكام العرب ثروات طائلة من الريع النفطي، فاشتروا بها سلعا استهلاكية وعقارات وسلاحا سيحاربون به شعوبا وأنظمة عربية أخرى وربما إيران (إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا)، ولكنهم لن يوجهوه نحو فلسطين، وأهدرت الأنظمة هذه الأموال، وهي ملك لشعوب الخليج (قليلة العدد) ولباقي الشعوب العربية، ومنها الشعب اليمني الفقير والشعب المصري والشعب الفلسطيني…
من حقنا، بل من واجبنا محاسبة الحكام العرب والمطالبة بإنفاق هذه الأموال الطائلة في برامج التنمية والتشغيل والزراعة والصناعات ذات القيمة الإضافية المرتفعة، لنصبح أمة لا تتطاول عليها القوى الخارجية ولا يموت أبناؤها في البحر المتوسط هربا من الحروب ومن الإحتلال والجوع وجور الحكام… لكن هؤلاء الحكام دمى تحركها الإمبريالية وأهمها الإمبريالية الأمريكية، لذا فإن المسألة الديمقراطية (الحريات الفردية والجماعية) مرتبطة في حالتنا العربية بالمسألة الوطنية والقومية (التحرر من الإحتلال والهيمنة)، ومن أسباب فشل الإنتفاضات العربية في مصر وتونس، غياب تيارات ثورية منظمة تثق بها الجماهير المنتفضة، وغياب الربط بين المحلي والإقليمي وبين الحاجة إلى الحرية والكرامة والشغل، وواقع الهيمنة، فلا يمكن تحقيق الرفاهية والشغل والسكن والصحة والتعليم في ظل نظام يرتهن إلى الدائنين، دولا ومؤسسات، ولا يمتلك حرية القرار، ولا يستطيع إعداد ميزانية الدولة دون تدخل صندوق النقد الدولي، لذا وجب إلغاء هذه الديون المكبلة التي سددنا أضعاف قيمتها الأصلية (كشعوب وكأفراد كادحين)، وكانت هذه الديون من أهم الوسائل التي هيمنت وتهيمن من خلالها الإمبريالية على مقدرات الشعوب ومستقبلها، وتوجيه الإقتصاد والإنتاج نحو تلبية حاجات المواطنين، قبل التصدير والسياحة والصناعات الملوثة وذات القيمة الإضافية الضعيفة التابعة للشركات متعددة الجنسية (مثل النسيج وتركيب قطع الغيار وبعض الصناعات الكيماوية…)، وإعادة النظر في نظام الضريبة ومكافحة التهرب الجبائي والفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، والإعتماد على القوى الذاتية والإقتراض الداخلي، بدل التداين الخارجي الذي يؤدي إلى الهيمنة والإحتلال، كما حصل في مصر وتونس، أواخر القرن التاسع عشر… لقد برهنت كوبا وإيران (رغم اختلاف طبيعة الأنظمة) ان الدول التي تدافع عن مشروع وطني، تتمكن من الصمود أمام أعتى قوة امبريالية، وهي مرحلة ضرورية لبناء مجتمع قوي ومتماسك، يشعر فيه المواطن بالحرية والكرامة.