تعالوا نتأمل موقف مارك لامونت هل – رشاد أبوشاور
اسمه يتردد منذ يوم 29 بعد ظهوره الشجاع على منبر إحدى قاعات مبنى الأمم المتحدة، في اليوم التضامني الأممي مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وصيحته: فلسطين حرّة من النهر إلى البحر.
هو أكاديمي أمريكي أسود، يعني من أصل أفريقي، وهو كمثقف شجاع يعرف ما عاناه الأفريقيون الذين انتزعوا من أحضان أوطانهم وجلبوا إلى أمريكا، ومات الكثير منهم جوعا ومرضا وعطشا في عتمات السفن التي أقلتهم ليعملوا في زراعة وجني القطن للأبيض الأمريكي الجشع والمتوحش الذي أباد أصحاب البلاد الأصليين.
يعمل مارك لامونت هل مستشارا سياسيا في فضائية ال CNN وهو نجم في تلك الفضائية الواسعة الشهرة عالميا.
بالتأكيد هو توقع نتائج خطابه الذي انتوى التصريح به من على منبر الأمم المتحدة، صهيونيا( إسرائيليا)، وفي المقدمة اتهامه باللاسامية!
ولعله توقع أيضا، هو العارف بمدى تأثير الصهاينة وسطوتهم على ال اCNN قرار الاستغناء عن خدماته، فلا يمكن أن يرفع صوته مع فلسطين، مع كامل فلسطين لشعبها، ويمررها الصهاينة وأتباعهم له.
معروف عن مارك لامونت هل انحيازه للمظلومين في كل مكان في العالم، وانحيازه لحريات الشعوب، وهذا ما يمكن أن تبلعه الCNN وحتى الدوائر الصهيونية في أمريكا..أمّا أن يبلغ به ( التطرف) حد الانحياز لفلسطين حرة من نهرها لبحرها لشعبها الفلسطيني ، فهذا ما لن تمرره ، ولذا عاقبته الفضائية التي كان يعمل مستشارا سياسيا لها بالطرد فورا..ولا عجب!
أليس عجيبا أن يضحي مارك لامونت هل بوظيفته الرفيعة، وبنجوميته، ويضع نفسه في موقع المستهدف صهيونيا، وربما( المنبوذ) والمحروم من أي عمل في المؤسسات الإعلامية التي يهيمن عليها الصهاينة، وفي الجامعات التي ستشن عليها حملات تشهير إن هي ضمته إلى هيئاتها التدريسية؟!
نزاهة الضمير: هذا هو دافعه، وهذه النزاهة الضميرية يعززها الوعي بفداحة الظلم والتزوير الذي لحق بفلسطين والفلسطينيين.
كثيرون في أميركا يعرفون فداحة الظلم والتزوير الذي يلاحق القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ولكنهم لا يجرؤون على الإفصاح عن مواقفهم خشية من الأثمان الفادحة التي سيدفعونها، وهذا ما وقع لمؤرخين، وأكاديميين، ورجال سياسة( اقرأوا كتاب: لقد جرأوا على الكلام..وغيره)
ترى: ألا يعرف كتاب فلسطينيون وعربن مفكرون ومثقفون، أن فلسطين هي وطن الشعب العربي الفلسطيني، وأن الاحتلال الصهيوني جريمة شاركت فيها قوى الاستعمار والإمبريالية وفي مقدمتها بريطانيا وأمريكا، ودول أوربية أُخرى؟!
ألا يعرفون أن فلسطين احتلت بالقوة، وبالأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وبالمساعدات – التعويضات الألمانية الهائلة – وبالأموال التي تم ضخها لتوطيد احتلال الصهاينة لفلسطين؟
ألا يعرف مثقفون وكتاب وشعراء وصحفيون وأكاديميون عربا بأن احتلال الصهاينة لفلسطين يمزق تواصل ونهوض الأمة العربية ؟!
كيف لكاتب ومفكر ومثقف وأكاديمي فلسطيني أن يبرر التنازل عن 78% من فلسطين للصهاينة مباركا صفقة أوسلو التي بررت نهب المزيد من أرض فلسطين، وتهويد القدس؟!
كيف لمثقف وكاتب وشاعر وأكاديمي فلسطيني أن يشارك في تزييف الوعي والحقائق، ويغطي تنازلات السياسي العاجز المساوم الخانع بحجة ( الواقعية)، ويدّعي بعد ذلك أنه ( مقاوم) و( مناضل)، بينما هو يشارك في سلطة وهم تضيّع ما تبقّى، وتغطي الحكام العرب ليهرولوا ويطبعوا مع العدو الصهيوني بحجة أنهم ليسوا ملكيين أكثر من الملك؟! وفوق ذلك أنهم إنما يخدمون الفلسطينيين وعملية السلام بوساطات يقومون بها لإنقاذ عملية السلام؟!
ألا يشعر المثقفون الفلسطينيون، وأخوتهم العرب، بالحرج والخجل، بل والخزي، من مواقفهم المتقاعسة، وهم يرون مارك لامونت هل وهو يرفع راية فلسطين على منبر عالمي معلنا: فلسطين حرة من النهر إلى البحر؟!
عندما يرفع بعضنا هذا الشعار المجسّد للحقيقة فإنه يتهم بالمزاودة والتطرف! فهل مارك لامونت الأمريكي المتنعم بالعمل في ال CNN وبالحياة المريحة، والذي بإمكانه الكسب لو انحاز للخطاب الصهيوني فوق ما تتخيلون!
مارك مزاود ومتطرف، أم إنه نزيه الضمير، ثوري صادق، وصاحب موقف شريف مكلف؟!
بعض المثقفين الفلسطينيين أصيبوا بسعار التسابق على المناصب والوجاهة، وأخرسوا ضمائرهم، وأسرعوا الخطى وراء قيادات سياسية أضعفت القضية الفلسطينية، وضيّعت فلسطين بين النهر والبحر، وتصرّفت بشراسة مع كل صوت ينتقدن أو يحذّر وينبه!
صيحة مارك لامونت هل صدمت الصهاينة لأنه أمريكي، وإعلامي، وأكاديمي، وأسود – وهو يعرف ما هو الظلم والاضطهاد والعنصرية – وكم أتمنى أن يهز ضمائر مثقفين فلسطينيين وعربا طال سبات ضمائرهم ووعيهم، وبيعهم للوهم والتبعية للسياسي الفاشل المساوم على فلسطين التي تقع بالضبط بين النهر والبحر..والتي لا تقبل التقسيم والانتقاص والمساومة.
مارك لامونت هل قدم درسا كبيرا في الانحياز للحق، مهما كلفه الثمن، فهل سيستيقظ على صيحته الغافلون من المثقفين الفلسطينيين والعرب، ويعودوا عن غيهم وتيههم..ويرفعوا راية فلسطين الواحدة من النهر على البحر؟!