تعالوا نتصارح قليلاً – رشاد أبو شاور
* كلمة الكاتب في الاحتفالية الجماهيرية التي أقامها الملتقى الوطني المهني دعما لغزة..والمقاومة، مساء الإثنين 8 أيلول الجاري في جبل الحسين
السيدات والسادة الحضور
أترحم على شهداء المقاومة في كل فلسطين، شهدائنا في قطاع غزة، من أبطال المقاومة، ومن أهلنا الذين هدمت بيوتهم على رؤوسهم، وما زالت أشلاء بعضهم تحت الدمار..وعلى الشهيد محمد سنقرط الذي صعدت روحه في سماء فلسطين، وكان قد أصيب بجراح وهو يتظاهر مع شبابنا في واد الجوز قبل أسبوع.
أترحم على أطفالنا الذين قتلهم العدو وهم يلعبون الكرة على شاطئ البحر، وعلى من اختطفت أعمارهم الغضة وهم يطعمون حمامهم على سطوح بيوتهم.
لقد استهدف العدو الصهيوني قطاع غزة لتدمير المقاومة، ولتركيع شعبنا الفلسطيني في كل فلسطين، فهو أراد بحربه على القطاع أن يستكمل حربه التي ابتدأها عام 1948 ولم تنجز له أطماعه…
فوجيء العدو، وجيشه المدجج بآلة عسكرية رهيبة، أرادها مخيفة مدمرة، بما أعدته المقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها في القطاع، سلاحا، وأنفاقا، وأساليب قتال، أذاقته مرارة الخسارات من جنوده وضباطه الذين تقدموا مستهترين، ظنا منهم أن المقاومة لا تتعلم، وأنها ستواجه كما في الحربين السباقتين 2008_ 2009 و2012.
ولأنه عدو مجرم عنصري، وجيشه منحط أخلاقيا فقد استهدف أهلنا المدنيين، حين عجز عن مجابهة مقاومينا وجها لوجه، موقعا ألاف الشهداء والجرحى، ومدمرا ألوف البيوت والأبنية، وشبكة الكهرباء والماء، والمستشفيات، والمساجد، والمدارس…
هذه الحرب التي امتدت 51 يوما، كشفت وفضحت ما يلي:
أولاً: وجود الكيان الصهيوني واستمرار يته منذ العام 48 يعود إلى سبب رئيس هو: خيانة الأنظمة العربية، وتواطؤها وعجزها المزمن..فالنظام الإقليمي غير معني بفلسطين، والصراع مع المشروع الصهيوني، لأنه ينطلق من مصالحه الضيقة، وتبعيته، ومعاداته لكل قضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ثانيا: أكدت أن أمريكا هي عدو، وأنها منحازة بالكامل للكيان الصهيوني، وأن دول الاستعمار الآفلة، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا هي دول عدوة، تواصل تآمرها على أمتنا، وعلى أقدس قضاياها: القضية الفلسطينية.
ثالثا: أن القضية الفلسطينية كسبت عالميا، لا سيما في أمريكا اللاتينية، بانحياز أنظمتها التقدمية، وفي مقدمتها كوبا بقيادة فيدل كاسترو الذي تحامل على نفسه رغم مرضه وكتب مدينا الكيان الصهيوني الفاشي، ومنحازا لشعب فلسطين..ومع كوبا: الأرجنتين، تشيلي، البرازيل، بوليفيا، وطبعا، وكالعادة، فنزويلا بقيادة مادورو خليفة تشافيز ووريث خطه الثوري التقدمي الأممي.
رابعا: غابت الجماهير العربية إلاّ قليلاًَ..ولا بد أن نبحث عن أسباب غيابها، وهذا الغياب يطرح سؤالاً: أين هي القوى القومية التقدمية التي يفترض أن تكون في الميدان لتقود الجماهير؟!
من تحت الدمار، وبين الخرائب كانت الأمهات المكلومات، والآباء المفجوعين، والأطفال الذين فقدوا أخوتهم وأخواتهم، وأصحابهم ..يخرجون من بين الأنقاض وهم يرفعون أصواتهم مطالبين بدك تل أبيب، وكل مدن فلسطين المحتلة بكل ما يتوفر من أنواع الصواريخ..ورغم الجوع، وحرارة الطقس، والتشرد، واللجوء لمدارس الوكالة، ولإقامة بقرب البيوت المهدمة، وافتقاد الطعام، والعلاج..برغم افتقاد أساسيات الحياة تواصل نهوض هذه الروح المقاومة الجبارة التي أبهرت العالم، والتي ميّزت شعبنا عبر تاريخه الكفاحي المجيد.
لقد أعاد أهلنا في قطاع غزة بلحمهم ودمهم، وتعاليهم على ألمهم..الحياة للقضية الفلسطينية، والمهابة اللائقة بشعب فلسطين.
بعد بدء العدو حربه على القطاع، رأيت مثلما رأى غيري، أن الفرصة مؤاتية لكسر خطة العدو، وإلحاق الهزيمة بأهدافه، شريطة أن تتفجر انتفاضة شعبية آن أوانها في الضفة الفلسطينية، خاصة وأرض الضفة نهبت، والقدس هودت، والأوهام بدولة فلسطينية بفضل أوسلو قد سحقتها جرافات العدو، وداستها أقدام المستوطنين الغزاة.
وقعت تحركات مبشرة، ولكنها كتمت، ووأدت، فالمراهنون على أوسلو ما زالوا يراهنون، والخائفون من اشتعال نيران الانتفاضة لا مصلحة لهم في انفجارها، ولذا عملوا على تعطيلها، بل وقمعها بحجة الحرص على دماء شعبنا!.
والآن: توقفت الحرب مؤقتا، وها هو العدو يستأنف مصادرة الأرض الفلسطينية حول بيت لحم، وفي منطقة الخليل قرب يطّا، ويقرر بناء مئات الوحدات السكنية لمزيد من خنق القدس..ويطلق النار على الصيادين الغزيين، ويختطف بعضهم، ويعلن أنه لن يعود للمفاوضات!
ما النتائج التي تحققت مع توقف إطلاق النار؟!
من جديد تحتدم الخلافات، ويستأنف تبادل الاتهامات بين السلطة وحماس، وهذا ما راهن عليه العدو الصهيوني الذي عجز عن انتزاع انتصار بقوة السلاح، وبجيشه الجرار..وهو أيضا ما تريده دول عربية متآمرة، لم تهب لنجدة غزة.
نحن أمام مأزق يتجدد، يضعنا فيه طرفان يتصارعان منذ أيار 2007 ..وهذا المأزق المتفاقم لم تنهه حكومة المصالحة..والمصالحة شيء والوحدة الوطنية شيء آخر كما تعلمون.
الوحدة الوطنية تتحقق بتوحيد الرؤية حول الأهداف الجامعة، والمصالحة تتم مصلحيا ومؤقتا ولا تبنى على أساسات..لذا فهي آيلة للانهيار!
أيها الحضور الكرام:
أمتنا مشرقا ومغربا تغرق في مرحلة مظلمة، يفتك بها إرهاب قوى ظلامية، فرّخت في حواضن إقليمية، في مقدمتها السعودية التي تأسست دولتها الأولى بتحالف خطاب ديني متزمت يكفّر كل المسلمين غير المنضوين في كنفه، ويبرر، بل يحض على قتلهم كونهم كفار، مرورا بالدولة السعودية الثانية، وصولاً إلى الدولة السعودية الثالثة الحالية…
من هناك بدأ التطرف، وانتشر وترعرع…
من يرتجفون اليوم من داعش يتناسون أنها ولدت من خطاب صفقة تأسيس دولتهم بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود..ويتناسون أنهم من موّل، ودعم، وسلّح مجموعات القتل والتكفير في سورية بهدف تدمير سورية التي ما زالت تتحمل وحدها عبء التصدي للإرهاب والخراب، وليبيا، ومصر، والعراق، وتونس، والجزائر، والمغرب…
أيها الحضور:
قبل أيام استمعت لشباب في العشرينات يقولون وهم يرتجفون: الوطن غير مهم..المهم الدين!
نحن أمام عقول ونفوس ممسوحة تماما، وملغاة، وعدمية. فمن يؤمن بهذا الخطاب، لا يرى أي داع لمقاتلة الكيان الصهيوني، لأن فلسطين ليست مهمة، ولأن الوحدة العربية غير مهمة،فالمهم هو الدين..والدين بالنسبة لهم غير واضح سوى أن من ليس معهم هو كافر..ولهذا ترون إلى أي مدى يذبحون بعضهم، وبشدة وقسوة لا تقل عن ذبحهم لأي مختلف معهم، مسلما كان أم مسيحيا…
هناك غياب للقوى القومية، وتقاعس عن القيام بالدور، وعن حشد الطاقات للمواجهة، ولذا فكل أعداء الأمة يفتكون بها، ويخربون أوطانها…
الآن ترتجف الأنظمة الإقليمية، وبعضها يجامل وينافق داعش، بإعلان انه لن يحاربها مع أميركا المجرمة التي غذتها ودعمتها لتدمر سورية..ولكنها بهذا السلوك الانتهازي لن تحمي نفسها، لأن داعش ليست قادمة من خارج حدودها ، فهي في الداخل تكمن كما تكمن فيروسات المرض المستوطن المنتظر لحظة الفتك بالجسد.
ضخوا كل أنواع القتلة عبر الحدود لإسقاط سورية، والآن ها هو الطاعون يزحف حثيثا ليجتاحهم.
هل أطلت؟
كلمتي دعوة أيها الحضور للتفكير، وطرح الأسئلة، والسعي لرص الصفوف قبل فوات الأوان.
التغني بانتصار غزة غير كاف، وهو لا يطعم أهل غزة، ويؤمن لهم العلاج، ويعيد بناء بيوتهم، ويزودهم بالكهرباء والماء..والمدارس لأولادهم وبناتهم…
أمس عممت الجبهة الشعبية بيانا تحذر فيه من هجرة شباب غزة..وأنا بتواصلي مع الأهل والأصدقاء أعرف أن مئات الأسر تغادر غزة، وتبحث عن مهاجر، وهو ما حدث لفلسطينيي لبنان، ويحدث لفلسطينيي سورية…
شعبنا تضيعه قيادات ليست على قد المسؤولية، قيادات عاجزة، تتصارع على الأوهام، وتتحالف مع محور قطر..ومحور السعودية، وتدير الظهر لمحور شعب فلسطين المقاوم المضحي!
فماذا نحن فاعلون؟!
القوى القومية عاجزة عن القيام بدورها، وهي مفككة، متناحرة، أحزابها أحزاب، وتنظيماتها تنظيمات رغم ادعائها بأنها من منشأ واحد، وتنتمي لفكر واحد…
أطلت!
رغم كل شيء سنبقى مع المقاومة فهي خيارنا، ولكن لا بد من مواجهة أعداء المقاومة، وفي مقدمتهم الإرهابيين القتلة حلفاء الكيان الصهيوني…
وسنهتف بالصوت العالي:
عاشت المقاومة الفلسطينية العربية
عاشت فلسطين حرة عربية
العار للمتآمرين في بلاد العرب
اللعنة على أمريكا عدوة فلسطين وعدوة أمتنا العربية
* كلمة الكاتب في الاحتفالية الجماهيرية التي أقامها الملتقى الوطني المهني دعما لغزة..والمقاومة، مساء الإثنين 8 أيلول الجاري في جبل الحسين.
تعالوا نتصارح قليلاً – رشاد أبو شاور