تقدير موقف | تكتيكية متدحرجة ومفتوحة الخيارات – أطلس للدراسات
تقدير موقف | تكتيكية متدحرجة ومفتوحة الخيارات – أطلس للدراسات
((“يتسوك ايتان” الاسم الذي أطلقته اسرائيل على عدوانها على القطاع، وسواء كانت ترجمته جلمود صخر أو جرف صلب أو صخرة صماء فكلها ترجمات صحيحة، وهي جميعاً تحمل نفس المعنى، وتكشف عن جوهر رسالتها التي تتلخص في صلابة الجبهة الداخلية الاسرائيلية وصلابة الموقف الاسرائيلي في مواجهة التهديدات الصاروخية للمقاومة؛ أي أن الاسم ينطوي توقع نتائج قرار اسرائيلي بالحرب الذي سيؤدي الى إطلاق مئات الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، مثلما حذر من ذلك عاموس يادلين قبل يومين من العدوان.
تصريح نتنياهو المتلفز الأول بعد اعلان العدوان وجه للرأي العام الغربي وللداخل الاسرائيلي وحمل رسائل عدة:
– ان اسرائيل ضبطت نفسها بما يكفي، ومنحت حماس فرصة لوقف إطلاق النار، وأنها لا تسعى للحرب ولا ترغب بها.
– الحرب فرضت على إسرائيل؛ لأن حماس رفضت وقف إطلاق الصواريخ على المدن الاسرائيلية.
– اسرائيل مضطرة للخروج للحرب لحماية مواطنيها وتوفير الأمن لهم.
– هدف العملية إعادة الأمن والهدوء.
– الحكومة أطلقت يد الجيش لاستخدام كل ما يلزم لتوفير الأمن واعادة الهدوء، وان العملية قد تستغرق وقتاً طويلاً، مطالباً الاسرائيليين بإظهار الصبر وطول النفس.
– نتنياهو غسل يديه مسبقاً من دماء الضحايا المدنيين، وحمل المقاومة مسؤولية سقوط الضحايا من المدنيين.
هدف الحرب
بخلاف أولمرت في حرب 2008، الذي ارتبك في تحديد أهداف عدوانه، وغيّرها وبدلها وأضاف عليها أكثر من مرة؛ فإن نتنياهو حدد بذكاء ولؤم هدفاً محدوداً ومتواضعاً لعدوانه، وهو العودة للتهدئة، لكن ما يخفيه انه يترك أهدافها الأخرى لمجريات ونتائج المعركة، في كل الأحوال ستنتهي المعركة بتهدئة وهو هدف مضمون التحقيق، لكن نوعية التهدئة وشروطها هي الأمر الذي سيبقى مفتوحاً، وسيتناسب مع نتائج المعركة.
تكتيك العدوان
أيضاً على خلاف الحربين السابقتين؛ فإن تكتيك العدوان هذه المرة جاء مغايراً، ففي الحربين السابقتين امتلكت اسرائيل عنصر المباغتة والمبادرة، ومنذ الضربة الأولى كانت قد حققت انجازاً يمكنها بعده ان تذهب لوقف إطلاق نار، في الحرب الاولى بدأتها بقصف مكثف على مواقع الأجهزة الأمنية، حيث أدى الى ارتقاء أكثر من ثلاثمائة شهيد في الضربة الأولى، وكذلك بدأت حربها الثانية في نوفمبر 2012 باغتيال قائد القسام الشهيد أحمد الجعبري، وقصفت عدداً من مواقع إطلاق الصواريخ، مما جعلها مستعدة بعد اليوم الأول للموافقة على تجديد التهدئة.
بينما في هذا العدوان؛ فقد افتقرت اسرائيل فيه لعنصر المباغتة، ويبدو ان نتنياهو اضطر اليه، وكان يخشى الدخول في جولة تصعيد كبيرة، ويبدو انه كان يراهن على ان المقاومة أيضاً تخشى التصعيد ولن تبادر اليه وستضبط رد فعلها، وستتوخى الحذر الشديد في كسر قواعد المعادلة؛ الأمر الذي ربما جعل عدوانهم يبني على التكتيك التصاعدي، حيث اعتقدوا ان المقاومة ستقبل بالتهدئة، وبالتالي لن تضطرهم للانتقال المرحلة التالية في تصعيدهم.
الآن وقد فاجأتهم المقاومة بردها العنيف والنوعي وبكثافتها النيرانية، بل وفاجأت تقديراتهم الاستخبارية المتعلقة بمدى الصواريخ ونوعيتها وكميتها وبامتلاك إرادة إطلاقها، وأحرجتهم حكومة وجيشاً ومنظومة أمنية أمام شعبهم وأمام كل من يشاهد المعركة على المستوى الاقليمي والعالمي؛ فإنهم يشعرون بلا ريب أنهم في مأزق حقيقي، فحتى كتابة هذه السطور “صبيحة الاربعاء 9 يوليو” لم تستطيع إسرائيل عبر عدوانها ان تحقق أي انجاز حقيقي، فلم تنجح في اغتيال شخصية قيادية هامة، كما أنها لا تستطيع ان تزعم انها وجهت ضربة قوية للمقاومة وبنيتها الصاروخية، والشارع الاسرائيلي يرى بأم عينه كيف تنهال عليهم الصواريخ كالمطر، وتغطي معظم دولتهم، وتشل حياتهم؛ بل وبدأوا في الاشتكاء من قدرة المقاومة على الاطلاق الصاروخي بكثافة كبيرة تحت القصف.
نتنياهو حقيقة في أزمة، فهو لا يستطيع الآن بعد هذا القصف الكبير الذي وصل الخضيرة (120 كم تبعد عن غزة) وبدون إنجازات، أن يعود للصيغة القديمة “هدوء مقابل هدوء”.
عامل الوقت
لكنه يدرك من جهة أخرى ان عامل الوقت ليس لصالحه، وان ساعة التوقف بدأت التكتكة، وان الضوء الأخضر الأمريكي والغربي وقدرة المتواطئين على استمرار صمتهم وتجاهلهم لعدوانه على غزة محدودة بوقت محدود، فهو في صراع مع الوقت، كما ان حجم وحشية العدوان وحجم الدماء المسفوكة ستقصر من الوقت الممنوح لحملته العدوانية؛ الأمر الذي جعل عدداً من الأمنيين الاسرائيليين يطالبون الجيش بالقفز عن بعض المراحل أو عدم استنفاذ بعضها للوصول السريع الى مراحل أكثر قسوة وعدوانية.
صورة النصر
لقد حصلت المقاومة على أكثر من صورة للنصر، ربما من أهمها من وجهة نظرنا صورة الضفادع البشرية الفلسطينية التي نجحت في التعمية على العدو واخترقت تحصيناته الأمنية وامتلكت جرأة السعي لقتاله ومواجهته، وذلك على الرغم من اكتشافهم في وقت مبكر وقصفهم عن بعد.
أما اسرائيل فلا زالت تبحث عن صورة نصرها، هذا عدا عن انها تحمل منذ الحرب السابقة وعداً بأن يمتلك الجميع اجابة واضحة لا لبس فيها عن سؤال من المنتصر؟
يعلون الذي كان يتفقد جنود الاحتياط حدد ساعة نهاية العدوان، بالوقت الذي سيفهم فيه من يوجد على الطرف الآخر من الحدود انه ملزم باحترام وقف إطلاق النار، والتصريح يحمل نية التصعيد حتى تذعن المقاومة، أو حتى يلتقطوا صورة النصر خاصتهم؛ عندها يتمكنون من تسويق أي اتفاق على انه نصر.
والسؤال هو ما الذي سيمنحهم صورة النصر؟ هل هي الاغتيالات المركزة؟ أم قتل المئات من الأطفال والنساء وتدمير البيوت؟ أم الدخول البري الى أطراف الحدود؟ أم جميعها معا؟
متدحرجة وتكتيكية
فهو عدوان متدحرج لأنه بدأ التصعيد تدريجياً، فبدأ بمرحلة قصف الأراضي الزراعية ومواقع المقاومة، ثم مرحلة قصف المنازل والاغتيالات والتوغل في قتل المدنيين والمزيد من التصعيد الإسرائيلي، والانتقال الى المرحلة التالية في العدوان بات اضطرارياً، لأن نتيجة المراحل السابقة هي خروجهم مهزومين ومجروحين وبدون إنجازات، ولأن ظروف الإقليم لا زالت تخدم استمرار عدوانهم فإنهم سيصعدون درجات أخرى في عدوانهم.
وهي تكتيكية لأن العدوان الاسرائيلي لا يحمل أهدافاً استراتيجية مباشرة، لا على المستوى الأمني، ولا على المستوى السياسي، كما ان المقاومة لا تهدف من خلف تصعيدها إلا لتحسين شروط التهدئة وتحسين موقعها، وكل من المقاومة والاحتلال يقصفون وعيونهم ترنو الى الوسيط، عندما يحين الوقت المناسب للسماح له بالتوسط، سيمنح الضوء الاخضر للتوسط.))
وفي مواجهة تصعيد العدوان؛ فإن المقاومة بتقديرنا تحتاج الى إدارة المعركة بنفس طويل، وهي ليست مضطرة لأن ترمي بكل ما تملك من امكانيات في الأيام الأولى، حتى تتمكن من الخروج في اليوم الأخير ويدها هي العليا، فمقاومة الاستنزاف ربما هي الشكل الأكثر ملاءمة مع طبيعة المعركة.