جريمة تجويع شعب فلسطين – الدكتور عادل عامر
أن تجويع شعب بأكمله، ومنع الغذاء والدواء عنه، ومنع الوقود عن المستشفيات، يشكّل جريمة إبادة جماعية، وهى تنتهك على نحو واضح المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على أن “من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا ما كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية.
ولا يجوز لدولة الاحتلال أن تستولى على أغذية أو إمدادات أو مهمات طبية مما هو موجود في الأراضي المحتلة، وعليها أن تراعى احتياجات السكان المدنيين”. كما أن الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، فضلا عن إغلاقه المستمر منذ 16 عاما، يرقيان إلى مصاف العقاب الجماعي للسكان المدنيين، وهو جريمة حرب. وباعتبارها القوة المحتلة في غزة بموجب “اتفاقية جنيف الرابعة”، من واجب إسرائيل ضمان حصول السكان المدنيين على الغذاء والإمدادات الطبية.
تشكّل الممارسات “الإسرائيلية” جرائم حرب موصوفة بدقة ضمن قائمة جرائم الحرب التي تضمنها نظام روما الأساسي لعام 1998 والمنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، ومن بينها إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك، وتعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم تلك، أو ضد منشآت مدنية لا تشكل أهدافا عسكرية، ومهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني التي لا تكون أهدافا عسكرية بأي وسيلة كانت، وتعمّد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، عبر حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما فى ذلك تعمّد عرقلة الإمدادات الإغاثية.
ووفقا للمادة الـ147 من اتفاقية جنيف الرابعة، تتضمن المخالفات الجسيمة للاتفاقية أفعالا معينة إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية، مثل: القتل العمد، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة، وتدمير الممتلكات واغتصابها على نحو لا تبرره ضرورات حربية، وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية.
وتحظر المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقات جنيف لعام 1977 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية الهجمات العشوائية؛ حيث يعد قصف منطقة بأكملها شكلا من أشكال الهجمات العشوائية المحظورة. فكل هجوم، سواء عن طريق القصف الجوى أو غيره من الوسائل، يعامل عددا من الأهداف العسكرية المنفصلة المتمايزة على نحو واضح، والموجودة داخل مدينة أو بلدة أو قرية، أو غير ذلك من الأماكن التى تضم تمركزا مماثلا للمدنيين، بصفتها هدفا عسكريا واحدا، يُعَدّ هجوما عشوائيا محظورا.
وتؤكد المادة 13 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقات جنيف لعام 1977 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، تمتُّع السكان المدنيين والأشخاص المدنيين بحماية عامة من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، وضرورة إضفاء فاعلية على هذه الحماية ومراعاة القواعد التالية دوما.ولا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا ولا الأشخاص المدنيون محلا للهجوم، وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسا إلى بث الذعر بين السكان المدنيين.
صدقت “إسرائيل” على اتفاقية جنيف الرابعة فى يوليو 1951، لذا تنطبق هذه الاتفاقات وبنودها على الأراضى التى احتلتها “إسرائيل” بعد حرب يونيو 1967. بالإضافة إلى ذلك، أقرَّت محكمة العدل العليا الإسرائيلية، فى قرارها الصادر فى 30 مايو 2004 رسميا، انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضى الفلسطينية المحتلة.
وتنصلًا من مسئوليتها، تزعم “إسرائيل” أنها لم تعد قوة احتلال منذ أن انسحبت من قطاع غزة فى سبتمبر 2005، غير أن هذا المبرر لا يستند إلى أى أسس قانونية أو موضوعية. ف”إسرائيل” تفرض سيطرتها الفعلية على القطاع من خلال التحكم فى معابره وحدوده ومجاله الجوى ومياهه الإقليمية. كما أن قواتها تقوم، بين فترة وأخرى، بتنفيذ عمليات عسكرية واسعة فى أراضيه.
بناءً عليه، فإن حالة الاحتلال “الإسرائيلي” لا تزال قائمة، وهو ما يفرض ضرورة مراعاة الواجبات التى يفرضها عليها القانون الدولي الإنساني كدولة احتلال، وإيقاف جرائم الحرب المستمرة التى ترتكبها بحق الفلسطينيين. أن الجيش “الإسرائيلي” يستغل الثغرات والتفسيرات بالقانون الدولي الإنساني لتنفيذ هجماته على المناطق المأهولة والمنشآت المدنية والمشافي في غزة، كونه لا يوجد محددات بالنسبية وبالأرقام بين ما هو مدني وما هو عسكري، ومتى مسموح ومتى يحظر القصف والغارات وفقا لمعيار النسبية. أن “إسرائيل” تقوم بعملياتها الجوية والبرية في المناطق المدنية في القطاع تحت ذريعة الاحتياجات العسكرية.
وفي سياق نهج الجيش “الإسرائيلي” بالتحايل على القانوني الدولي وميثاق روما من العام 1998 خلال الحرب والمعارك، ولتبرير مواصلة استهداف المنشآت المدنية، يقول إن “إسرائيل” تروج بأن لديها إثباتات وأدلة “مشكوك بصحتها ومصداقيتها أصلا”. أن ميثاق روما يُعد بمثابة الكتاب المقدس الذي تعتمده المحكمة الجنائية الدولية في منح صلاحيات للمدعي العام لفتح تحقيقات ضد أي دولة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وفي سياق نهج الجيش “الإسرائيلي” بالتحايل على القانوني الدولي وميثاق روما من العام 1998 خلال الحرب والمعارك، ولتبرير مواصلة استهداف المنشآت المدنية، يقول إن “إسرائيل” تروج بأن لديها إثباتات وأدلة “مشكوك بصحتها ومصداقيتها أصلا”.
أن ميثاق روما يُعد بمثابة الكتاب المقدس الذي تعتمده المحكمة الجنائية الدولية في منح صلاحيات للمدعي العام لفتح تحقيقات ضد أي دولة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أن “إسرائيل” تسعى للتحايل والالتفاف على هذه المواثيق عبر الادعاء أن هذه المنشآت فقدت صفتها المدنية وتُستعمل لأغراض عسكرية وحُولت لمقرات لحركة المقاومة الإسلامية (حماس(
في الحرب على غزة ، “سيكون على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق ضد”إسرائيل” لارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية للفلسطينيين بغزة، حيث اتضح من خلال العمليات العسكرية وجود نيات مبيته لدى “إسرائيل” للقضاء على جزء من أهالي القطاع”.
واستباقا لسيناريو فتح تحقيقات دولية وتجنب المحاكمة والمساءلة الدولية، كشف ضرغام سيف النقاب عن تشكيل “إسرائيل” وحدات قضائية عسكرية خاصة ترافق قوات الجيش خلال سير وتطورات الحرب على غزة. وعزا هذا الإجراء إلى أن “إسرائيل” تسعى لتحصين قواتها التي تشارك بالحرب عبر توفير الغطاء القانوني المحلي لها وتجنبها المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، من خلال الزعم أنها ستحقق وستحاكم أي جندي ارتكب أي جريمة في غزة”. وإلى جانب الحصار الساحق، ألحقت غارات الجيش “الإسرائيلي” الجوية المكثفة على القطاع أضرارا واسعة أو دمرت المواد الضرورية لبقاء السكان المدنيين.
كانت نحو 200 شاحنة، بينها أربعة صهاريج تحمل ما يصل إلى 130 ألف لتر من الوقود وأربعة صهاريج تحمل غاز الطهي، تدخل إلى غزة في كل يوم من أيام وقف إطلاق النار. بالمقارنة مع ذلك، كان يدخل غزة ما متوسطه 500 شاحنة من المواد الغذائية والسلع كل يوم قبل النزاع، وهناك حاجة إلى 600 ألف لتر من الوقود في غزة يوميا فقط لتشغيل محطات ضخ المياه وتحليتها. مع استئناف القصف وتقدم القوات “الإسرائيلية” جنوبا، تعّرض وصول المساعدات لعقبات ضخمة مرة أخرى. في 5 ديسمبر/كانون الأول، ولليوم الثالث على التوالي أن محافظة رفح في غزة هي الوحيدة التي توزعت فيها كميات محدودة من المساعدات، وإن توزيع المساعدات في محافظة خان يونس المجاورة توقف إلى حد كبير بسبب شدة القتال.
تجويع المدنيين كأسلوب الحرب محظور بموجب المادة 54 (1) من “البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف” والمادة 14 من “البروتوكول الإضافي الثاني”. رغم أن “إسرائيل” ليست طرفا في البروتوكولين الأول والثاني، إلا أن الحظر معترف به باعتباره يمثّل القانون الإنساني الدولي العرفي في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
لا يجوز لأطراف النزاع “التسبب عمدا [بالتجويع]” أو التسبب عمدا في “معاناة السكان من الجوع، ولا سيما عبر حرمانهم من مصادر الغذاء أو الإمدادات”.
يُحظر على الأطراف المتحاربة أيضا مهاجمة الأهداف التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، مثل الإمدادات الغذائية والطبية، والمناطق الزراعية، ومنشآت مياه الشرب.
الأطراف ملزمة بتسهيل تقديم المساعدة الإنسانية السريعة ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين، وعدم عرقلة المساعدات الإنسانية عمدا أو تقييد حرية حركة موظفي الإغاثة الإنسانية. في جميع حروبها الأربع السابقة في غزة منذ 2008، أبقت “إسرائيل” تدفق مياه الشرب والكهرباء إلى غزة وفتحت المعابر “الإسرائيلية” لتوصيل المساعدات الإنسانية.
الدليل على نية استخدام التجويع عمدا كوسيلة حرب يمكن إظهاره من خلال التصريحات العلنية للمسؤولين المشاركين في العمليات العسكرية. من المتوقع أن يلعب المسؤولون “الإسرائيليون” الكبار المذكورون أدناه دورا مهما في تحديد السياسة بشأن السماح بوصول الغذاء والضروريات الأخرى إلى السكان المدنيين أو منعه.–
الدكتور عادل عامر
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير أمن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان