جزرة عميرام ووعيد هيلي! – عبد اللطيف مهنا
عشية اعلان قرار ترامب إهداء القدس لنتنياهو عاصمةً أبدية لمحتليها، جرت مقابلةً تلفزيونية، لاعلاقة مباشرة لها بالحدث، مع الجنرال عميرام ليفين، احد رموز ما يسمّي نفسه “المعسكر الصهيوني”، أو ما يعتبرونه اليسار المعارض لإتلاف اليمين الحاكم بزعامة نتنياهو، والأكثر عادةً كلاماً عن “السلام” و”حل الدولتين”…وبعد اعلانه، ومن ثم ما تلى من استخدام الولايات المتحدة لحق النقض “الفيتو” ضد مشروع القرار المصري المقدَّم لمجلس الأمن، والقاضي ببطلان القرار الأميركي دون الإشارة لصاحبه أو إدانة متخذه، والذي اجازه المجلس بكامل اعضائه، الدائمين وغير الدائمين، ما خلا الولايات المتحدة، فاستعاضة المجموعة العربية ولإسلامية على الأثر بمشروع بديل بنفس مضمون الأول قدَّمته لاحقاً للجمعية العامة للأمم المتحدة فاقرته بأغلبية الثلثين في اجتماعها الطارىء، ورغم أنه غير ملزم، استبقت نكي هيلي، المندوبة الأميركية لدى الهيئة الدولية، التصويت بتوجيه رسائل تحذير خطية، مردوفة بتغريدات تهديدية على تويتر، لعديد الدول الأعضاء في الجمعية بغية ثنيهم عن التصويت لصالح القرار.
لمؤشرات مواقف الجنرال التي اطلقها في مقابلته ومضامين رسائل الوعيد التي وجهتها المندوبة الأميركية للدول الأعضاء في المحفل الدولي من المعاني ما لا يجدر عدم التوقف عنده، لاسيما، ونحن في لجة من ما يثار حول قرار ترامب وما أثاره، ثم ما له من تداعيات فيما يتعلَّق بكل ما له علاقة بالإستراتيجي في سياقات مستقبل الصراع في فلسطين وعليها، وعلى الأمة العربية والمنطقة بإسرها.
قال عميرام: “أنا لا اتحدث عن السلام. السلام هو أمل”! إذن عن ماذا يتحدث؟ اردف: “يجب إدارة مفاوضات عنيدة وعدم العودة إلى خطوط 1967. وإذا لم يكونوا يرغبون (الفلسطينيين) في التقدُّم مع قيادة ابو مازن، التي يبدو أنها غير قادرة، فلتأت قياداة شابة، قيادة اكلت الوحل، بقيت في السجن ورأت أنه لا يمكن الانتصار علينا، نعطيها جزرة في صورة دولة. وإذا لم ترغب فسنمزّق لها الوجه. أنا أيضاً كنت أريد بلاد اسرائيل الكاملة، ولمرات كثيرة أقول إنهم إذا خرقوا الاتفاقات، ففي المرة التالية التي نقاتلهم فيها لن يبقوا هنا، سنطيّرهم إلى ما وراء الأردن، هكذا ينبغي القتال فقد كنا طيّبين جداً في 1967″… وإذا هذا هو لسان حال اقلية حمائمهم قبيل قرار ترامب، فهل من داع للتعرُّض له عند صقور غالبيتهم، وسواء قبل قراره أو من بعده؟!
هيلي في رسائلها، بالغة الفجاجة والطافحة بالوعيد حد البلطجة، ولاحقاً في تغريداتها على تويتر، انذرت من تهمها المساعدات الأميركية من الدول من مغبة التصويت لصالح مشروع القرار المقدَّم للجمعية العامة في اجتماعها الطارىْ. اخبرتها بإن رئيسها يتعامل مع الأمر “كمسألة شخصية”، وإنه “سيراقب التصويت بشكل دقيق، وطلب أن أبلغه عن البلدان التي ستصوت ضده”…لاحقاً ندد ترامب بنفسة ب”الدول التي تأخذ مالنا ثم تصوّت ضدنا”، متوعّداً: “دعوهم يصوّتون ضدنا، هذا سيوفر علينا الكثير”…وكان التصويت وتمرَّد العالم على البلطجة ورفض الابتزاز!
ما بين المقابلة المتوعّدة ورسائل الوعيد، وعقب هدية ترامب التي قدَّمها لنتنياهو في نفس اليوم من ذات الشهر المصادف لمرور مئة عام لذكرى دخول الجنرال النبي المدينة إثر سقوطها وهزيمة الدولة العثمانية. يومها قال الجنرال البريطاني: اليوم انتهت الحروب الصليبية، والآن يفتي ترامب بأنها “العاصمة الأبدية للدولة اليهودية”…بين المقابلة والرسائل، تم تدشين مدينة تهويدية في الضفة بتوحيد اربع مستعمرات، وقال السفير الأميركي “حل الدولتين فقد معناه”، والمستعمرات “جزء من اسرائيل”، كما اعقب اعلان اعتبار واشنطن لحائط البراق جزءاً من كيان الاحتلال، الإعلان عن افتتاح كنيس “فخم” تحت هذا الحائط استغرق انجازه 12 عاماً.
ما تحدَّث عنه الجنرال عميرام وما تتحرك من اجله هيلي يلتقي في نقطه واحده. من الآن فصاعداً تعالوا لنتحدث فحسب حول مصير ال40% من مساحة الضفة المتبقية مؤقتاً بلا تهويد وانسوا ما عداه، وعن كيفية التوافق على شكل للإدارة الذاتية فيه لا أكثر، مع شرط التطبيع الكامل والشامل مسبقاً مع العرب…أي حل نتنياهو “الإقليمي المسمَّى ترامبوياً “صفقة القرن”!
…اضف إليه الخلاصة التالية: يقتضي التنويه بأنه، وعلى الصعيد الاستراتيجي، ما كان على عربي أن يداخله شك ولو لوهلة من أن قرار ترامب حول القدس لم يناقض، أو يخالف، أو يبدّل، في ثابت تاريخي أميركي ازاء الموقف من الصراع الدائر في بلادنا وعليها. كل ما فعله جديد ترامب هو التذكير، وبفجاجة قياسية طافحة بالعدوانية، كل من جهل أو تجاهل، لوهم كان، أم لانهزامية، أو طائلة تبعية، هذا الثابت، والذي هو كون بلاده كانت وستظل رأساً لجبهة اعداء أمتنا، والمحرك الرئيس لمتعدد أشكال العدوانية التي تواجهها ومتعهّد ادامتها، وأنه لم يعد يجوز للعرب التفريق بين اميركا واسرائيلها…وله حسنتان: اتاح للتسوويين الفلسطينيين فرصةً لاتعوّض، لا يبدو أنهم سيقتنصوها، للتحلل من ربقة اوسلو وخطيئة الاعتراف بعدوهم، ويسَّر لهم الحركة في بيئة دولية شبه مجمعة على رفض فجور العدوانية الأميركية…ومرحلياً، أوقف الاندلاق التطبيعي العربي المتصاعد مؤخراً…والأهم، اسقط منطق المساومة وأذكى فتائل المقاومة.