جماهير تثور وحكّام يطبعون ويتآمرون على نهوض الأمة العربيّة
رشاد أبوشاور
فتحت معركة (طوفان الأقصى) الطريق واسعا أمام هدفين متداخلين: تحرير فلسطين ، ونهوض الأمة العربية وخروجها من التبعية لأمريكا، وأخذ دور يليق بها بعد زمن امتّد طويلاً وثقيلاً، زمن تمزيق الوطن العربي، وزرع الفُرقة، وبخاصة منذ اكتشاف النفط، وإعلان تشرشل البريطاني: سأزرع علما عند كل بئر نفط، وهذا ما حصل، فقد بلغ تعداد دول العرب ال22، وكانت أثناء نكبة ال48 سبع دول هُزمت جوشها وغادرت فلسطين منكسرة مهانة أمام (عصابات) صهيونية زرعتها بريطانيا المجرمة المنتدبة على فلسطين في قلب الوطن العربي، والتي باتت خنجرا _كما وصفها الصحفي الهندي كارنجيا في كتابه ( خنجر إسرائيل)_ مغروسا في قلب الوطن العربي الكبير، مزّقت وحدة وتواصل مشرق ومغرب الوطن العربي الكبير، لتتكرس تبعية الدول كثيرة العدد التي لا تجمعها أهداف مشتركة، بل تنطوي في عزلة وقلق على مصالح حكامها الخائفين والمحتاجين لحماية رعاتهم الإنقليز، ومن بعد حماية ورعاية أميركا مقابل التمتع بشئ من مردود ثروة النفط الذي رُزقت به فجأة، وبفضل قدرات الشركات التي اكتشفته وتدفق بعد التنقيب في حقولها.
تحوّلت الحقول إلى دل لها (أعلام) حرصها الأساس وشغلها وهمها يتجسّد في ما امتلكت من ثروات نقلتها من البداوة إلى دول، وإن كانت متجاورة وتجمعها وحدة الدم والهوية فقد باعدت بينها الثروات وأطماع من أوجدوها لهم!.
كل دولة أو دويلة آبار نفط ضعيفة وحدها، وترى في ضعفها مبررا لعزلتها، وأنانية حكامها هم غالبا أقارب يرون أن (غيرهم) يحسدهم على النعمة التي تفجرت من (تحتهم) صدفة والفضل يعود لمكتشفيها، ولذا فالولاء لهم وليس للأمة وتاريخها وقضاياها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينيّة التي أوجدتها بريطانيا برعايتها للحركة الصهيونية، وزرعها للكيان الصهيوني الذي بات دولة استباحت أرض فلسطين وانغرست في قلب الوطن العربي، وفصلت المشرق العربي عن المغرب العربي، فتكرّست (قاعدة) عسكرية في قلب الوطن العربي تحارب كل من يرفع رأسه متحديا أمريكا التي ورثت الهيمنة في الوطن العربي من بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تجلّى هذا الأمر في التآمر على جمال عبد الناصر وطموحات مصر الناصرية، والعمل على إفشال وحدة مصر وسورية، أول وحدة عربية في العصر الحديث، وإلحاق الهزيمة بالعرب بقيادة مصر في حرب حزيران 1967.
معركة طوفان الأقصى ليست مجرد معركة كبيرة باغتت العدو الصهيوني وجيشه المتغطرس بجنرالاته المغرورين المنتفخين غرورا، وألحقت به هزيمة ثأراً من هزيمة العرب في حزيران 67 تلك الهزيمة المخزية المرّة التي ألحقها جيش الاحتلال بجيوش مصر والأردن وسورية في ساعات واحتل كامل فلسطين وصحراء سينا حتى قناة السويس والجولان السورية.
طوفان الأقصى احتضن عنوانا كبيرا ستراتيجيا: الثورة الكبرى، وهكذا فالأقصى هو الحافز للفعل الموّحد للعرب في معركة كبرى تجمعهم، لأن الأقصى في خطر حقيقي من وضع يد الصهاينة عليه وتحويله إلى ( الهيكل) الثالث..ولذا انتفضت حماس وذراعها العسكري في هذه العلمية العبقرية عسكريا، وضربت جيش الاحتلال وتجاوزت كل حواجزه الإلكتروني، والحقت به هزيمة أذهلته وأذلته وأصابته في مقتل وقزّمته ووضعت كيانه الصهيوني في حجمه الطبيعي ككيان وظيفي مع اندفاع رموز الإدارة الأمريكية عمليا لإنقاذ (كيانهم) المغروس في قلب الوطن العربي، فحضر وزير خارجية أميركا الذي صرح وهو يرتجف أنا أحضر كيهودي قبل أن أكون وزيرا للخارجية، وتبعه رئيسه الذي يردد باستمرار مباهيا أنا صهيوني، وتبعهم وزير الدفاع الأمريكي، وهكذا افتضح أن الكيان الصهيوني هو بالتأكيد كيان وظيفي يحتاج لحماية من يدعمونه ويرعونه تسليحا وتمويلاً بعد أن تكشّف ضعف جيشه الذي هزمته حركة المقاومة (حماس) بألف ومئتي مقاتل، وتجاوز أبطال( القسّام) التكنولوجيا التي زرعها الاحتلال فوق الأرض وتحتها بحواجز تمنع مجرد التفكير لدى الفلسطينيين بتخطيها، فهي رادعة قاهرة..وكان تاريخ 7 تشرين/ أكتوبر حدثا تاريخيا أذّل المشروع الصهيوني وأفقده دوره ونقله من (بلطجي) الغرب الإمبريالي إلى (محمية) أمريكية!
طوفان الأقصى الذي أذهل العدو والصديق، وابهر العالم، فتح الطريق أمام الأمة العربية، جماهير الأمة العربية، ملايين العرب _ وين الملايين_ و..ها هي الجماهير العربية تستجيب، وها هي الملايين تصرخ بملء الصوت: نحن هنا..ولكن: من الذي يغيب؟ النظام العربي الإقليمي العاجز بإرادته، لأنه في الجوهر يتناقض مع الهم العربي الجامع: القضية الفلسطينية قضية العرب المصيرية، قضية الوجود وليست صراعا افلسطينيا – (إسرائيليا) ، أي تُصغّر القضية وتؤقلم و..يتخلصون منها..ومن بعد يُطبعون، لأن الدول التي اخترعت في زمن النفط لا يُفكّر القائمون عليها المنتفعون بثرواتها..بغير مصالحهم التي تدفعهم للتآمر على القضية الفلسطينية بالتطبيع العلني الوقح المستهتر المحتمي أمريكيا وصهيونيا،وهي التي تآمرت على سورية بتمويلها لعصابات الإرهاب التي اجتاحت سورية وعاثت بها خرابا ودمارا، ولا غرابة أن الإرهابيين عنوا بتدمير المخيمات الفلسطينية في سورية/ مخيم اليرموك، مخيم درعا، مخيمات حلب، وبشكل متعمد..والهدف تحطيم سورية العروبة والقضية الفلسطينيّة التني تُحرج أنظمة التبعيّة والعمالة.
الجماهير العربيّة ترفع علم فلسطين، وتهتف لها، وتعلن انحيازها لمواجهة الكيان الصهيوني، فقد خرجت من حالة اليأس والإحباط فخورة ب 7تشرين / أكتوبر، هادرة بأنها مع طوفان الأقصى والثورة الكبرى، في حين يفجر قطاع غزة الذي بات بؤرة الثورة العربيّة الكبرى، والذي جُنّ الكيان الصهيوني المهزوم والمذّل والمهان وأخذ يصب على أهله العرب الفلسطينيين حمما تزوده بهاأمريكا علنا بجسر جوي لا ينقطع، ويشرف جنرالات أمريكا على إدارة معركته علّهم ينقذونه من هزيمته التي نقلته من حال إلى حال!
(دول) العرب تتفرّج، ويصرّح حكامها، وهي في الحقيقة محرجة ومأزومة، ومرتعبة من إمكانية أن تشتعل الثورة العربيّة الكبرى وليدة طوفان الأقصى وتكتسح كياناتهم الهزيلة التابعة المطبعة علنا والمطبعة سّرا، والتي تتمنى أن تنتهي المعركة بسرعة و..يعود الوضع الفلسطيني ضعيفا ممزقا تائها وتنتهي القضيّة الفلسطينيّة نهائيا، فيغسر المطبعون أيديهم، ويرتاح الحكام التابعون، وتتنفس جامعة ( أبوالغيط) الصعداء…
نحن كأمة عربيّة في وضع مفصلي تاريخي فتحت طريقه لنا معركة طوفان الأقصى_ الثورة الكبرى، فإما أن تتطور التظاهرات الحاشدة وتحاصر المطبعين والتابعين والمتصالحين مع الكيان الصهيوني والمحميين بالهيمنة الأمريكيّة والقواعد الأمريكية التي (تحتل) بلادا نُصبوا عليه، وتشتبك مع الاحتلال الأمريكي حامي الكيان الصهيوني المهيمن في العراق، والمحتل لشمال شرق سورية، والمتآمر على اليمن الثائر العنيد، وبهذا ينفجر الطوفان العربي ويضيف زخما للقوى العالمية التي تشتبك معه، والتي تبشّر بنظام عالمي عادل إنساني يُنهي الهيمنة الأمريكية وقاعدتها الصهيونية في فلسطين..ويأخذ العرب كأمة دورهم في صنع مستقبل إنساني بدون هيمنة واحتلال ونهب، وهكذا تتحقق نبوء المفكر العربي نجيب عازوري في كتابه ( يقظة الأمة العربيّة) الذي نشره في باريس عام 1904 وقال فيه: هناك حركتان تتصارعان في المشرق هما حركة القومية العربية والحركة الصهيونية وعلى ضوء انتصار إحداهما سيتحدد مصير العالم!
هل ستحقق جماهير أمتنا العربيّة انتصارها وانتصار العالم بهزيمتها للمشروع الصهيوني الأمريكي وهيمنته على وطننا العربي الكبير ونهب ثرواته ووضع اليّد على موقعه الاستراتيجي..بانتقالها من تظاهرات الغضب إلى الثورة العربيّة الكبرى؟!
هذا هو دورها وقدرها وبهذا الدور يتحدد مصيرها وموقعها بين الأمم.