جنازة الكندري والهاجري تختصر كل شيىء ..
نضال حمد
من شاهد جنازة تشييع أنس الكندري وجاسم الهاجري لا يختلف مع الآخرين في أن الجنازة كانت عبارة عن تظاهرة تأييد للشهيدين حسب التصنيف الشعبي الكويتي أو للقتيلين حسب التوصيف الرسمي الكويتي والأمريكي.
قد حضرت الحشود الشعبية الكويتية للتنديد بالوجود الأمريكي المرفوض في الكويت وفي كل من خليج العرب وجزيرة العرب ومهد الرسالة الإسلامية، حيث الكعبة وباقي الأماكن الإسلامية المقدسة.
هذا الوجود الذي أخذ منه الشيخ أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة الذي يتزعمه حجة و مبرر لبدء “الجهاد” ضد أمريكا العدو الجديد. بعدما تمت تصفية الوجود السوفيتي في أفغانستان ومن ثم انهيار المعسكر الاشتراكي كاملا. مع العلم أن أسامة ين لادن كان من حلفاء أمريكا الموثوقين والمحبوبين أيام الجهاد الإسلامي في حروب التحرير والتدمير التي عصفت بأفغانستان اثناء الاحتلال السوفيتي وبعده… حتى حرب الخليج الثانية التي أسفرت عن تدمير الكويت والعراق وبقاء القوات الأمريكية في الخليج العربي. بالرغم من حالة الكراهية والعداء التي تكنها الشعوب العربية ومنها الخليجية للوجود الأمريكي هناك وللسياسة الأمريكية المنحازة (لإسرائيل) الصهيونية وضد العرب.
في أعقاب عملية عاصفة الصحراء التي جاءت لتعصف بالجامعة العربية التي ساهم اجتياح العراق للكويت في تمزيقها وتشتيها وتعريتها من ملابسها البالية، ووضعها في حجمها الطبيعي ومكانتها التي لن تجد من يحسدها عليها. أصبح الخليج العربي رسميا تحت ( الاحتلال ) أو لنقل السيطرة الأمريكية غير المعلنة. فأنشأت أمريكا القواعد الكبرى والصغرى في بعض دول المنطقة، التي تصارعت فيما بينها على استضافة القواعد الأمريكية لحماية أنظمة حكمها ولتأمين نفسها، وإعلان شهادة براءتها من الميثاق القومي العربي المشترك، ومن الهم العربي الواحد .. وهل فعلا هو هم واحد؟…
في ظل هكذا وضع عربي مزري ومخجل ومؤلم، وفي ظل حالة العداء التي بدأت أمريكا تعممها وتوسعها ضد الإسلام والتيارات السياسية الإسلامية. التي بدورها لم تخف عداءها لأمريكا وسياستها التي جعلت الإسلام عدو الغرب الأول بعد انهيار منظومة البلدان الاشتراكية. والتي كان فيها للمسلمين أنظمة وأحزاب وجماعات سياسية مسلحة دورا هاما ومميزا.
وجه أسامة بن لادن تحذيره للأمريكان بضرورة مغادرتهم “أرض الإسلام” التي لا يجوز لهم المكوث فيها أو البقاء على ترابها. وهذه الرسالة كانت بحد ذاتها إعلان قطيعة وحتى أكثر من ذلك. فهي إعلان حرب على أمريكا وحلفائها في حصار العراق والهيمنة على بلاد الجزيرة العربية.
لم يمض وقت طويل على ذاك التحذير حتى توالت عمليات القاعدة على القواعد الأمريكية والمنشئات التابعة لقوات التحالف. فتمت مهاجمة الجنود الأمريكان في السعودية بالتحديد. وكذلك المدمرة الأمريكية “كول” التي تمت مهاجمتها في ميناء عدن، وتبعهما هجمات على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا، بالإضافة لهجمات 11 سبتمبر – أيلول 2011.
هذه الهجمات التي عصفت بأمريكا وغيرت طريقة حياتها وكشفت عن ضعف ديمقراطيتها وعن العدوانية اتجاه العرب والمسلمين، وكل ما لا ينسجم مع الفكر الأمريكي المريض، الذي أعد خصيصا لتخريب الناس وتهميش دور الإنسان في المجتمع من خلال جعله أشبه بالآلة التي تديرها المؤسسة التي تفكر نيابة عنه وتؤسس لحياة المجتمع بالإنابة وعبر التغيّيب بالإذابة.
بعد أن اجتاحت القوات الأمريكية وحلفائها أفغانستان ونصبت حكومة جديدة على أنقاض حكومة طالبان المدعومة من قبل تنظيم القاعدة بزعامة بن لادن, استطاعت القوات المتحالفة وبالأخص الأمريكية اعتقال العشرات أو المئات من عناصر القاعدة وطالبان واحتجزتهم في قواعدها العسكرية في جزيرة غوانتينامو، حيث وضعوا في الأقفاص المعدنية وتمت معاملتهم ولازالت كالحيوانات.
هذا كله بالإضافة للعداء الشعبي العربي الواضح لسياسة أمريكا العدوانية في العراق وضد العرب والمسلمين، ولموقفها الدائم المساندة والداعم بلا تحفظ لأعمال (إسرائيل) العدوانية والسادية، من خلال تقديم الدعم المالي والعسكري والديبلوماسي والسياسي المفتوح لتلك القيادة الإجرامية التي تحكم الكيان الصهيوني، وتمارس حملة تدمير وتصفية واباده للشعب الفلسطيني. كل هذه الأمور مجتمعة ساهمت في تكوين الجيل الجديد من المجاهدين المتشددين من العرب والمسلمين، الذين صمموا على أخذ ثأر القدس ( بحسب زعمهم) والتي يتدخل الكونغرس الأمريكي في مصيرها ويعلن بانحياز عنصري واستعلائي واضح أنها عاصمة دولة (إسرائيل) الأبدية. وكأن القضية قضيتهم والبلاد بلادهم والشعب شعبهم والعاصمة عاصمتهم والخلاف مع الكيان الصهيوني هو خلاف معهم.
كما أن مذابح (إسرائيل) المستمرة في فلسطين المستباحة ومشاهد الدم الفلسطيني الذي يراق بلا عقاب للقتلة وبلا حساب ومحاسبة، لأن أمريكا تحمي المجرمين وتدعهم وتساندهم وتمنع يد العدالة الدولية من إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم. كل هذه الأمور ساهمت في تكوين الوعي الجهادي والاستشهادي لدى الشباب العربي والمسلم الذي ينتظر ملاقاة الأعداء ومحاسبتهم على جرائمهم البشعة.
لقد كان للرسالة الصوتية التي بعث بها الشيخ أسامة بن لادن وبثتها قناة الجزيرة القطرية قبل أيام من وقوع الهجوم على جنود المارينز في فيلكا. بغض النظر عن كونها رسالة جديدة أو قديمة، كانت معدة مسبقا من قبل بن لادن وذلك لأحداث إرباك وخلل في تقييمات وتخمينات الأمريكان بالنسبة لمصير قادة القاعدة، وبالذات مصير الشيخ أسامة بن لادن. إذ ساهمت تلك الرسالة بالإضافة لكافة الأسباب الأخرى التي ذكرناها في أيقاظ الروح القتالية والجهادية في الشباب الخليجي والعربي الذي سرعان ما لبى نداء بن لادن وقام بضرب القوات الأمريكية. وإذا كان الهجوم على ناقلة النفط الفرنسية العملاقة في اليمن هو من صنع القاعدة أيضا فهذا دليل آخر على أن هذه العمليات هي بداية ردود منظمة وليس هجمات فردية لأشخاص تصرفوا بمحض ارادتهم وبدون توجيه خارجي أو داخلي.
كما أن حجم المشاركة في الجنازة المهيبة والكبيرة التي أقيمت للكويتيين، فاجأت السلطات الكويتية والقوات الأمريكية والصحافة المحلية والدولية الذين كانوا يراقبون موكب التشييع.
شارك الآلاف من أبناء الكويت في الجنازة التي أقيمت للشابين الكويتيين اللذين هاجما قبل أيام قليلة جنود المارينز الأمريكي في جزيرة فيلكا الكويتية التي تعتبر تحت الهيمنة الأمريكية. وحدث الهجوم حين كانت تلك القوات تقوم بمناورة عسكرية كبيرة في الجزيرة، تحضيرا للهجوم الأمريكي المتوقع على أرض وشعب العراق المحاصر.
من الأشياء الهامة التي حصلت في الجنازة هو عدم قبول غالبية المشيعين بغسل الجثث والصلاة عليها قبل دفنها. لأن ذلك يتعارض وسنة الله ورسوله بالنسبة للمسلمين، بحيث أن الرسول أوصى بعدم غسل الشهيد أو الصلاة عليه ويتم دفنه كما هو.
وبحسب حاكم المطيري الأمين العام للحركة السلفية الإسلامية الكويتية فأن المشاركين في التشيّيع رددوا العبارات المعادية لأمريكا و(إسرائيل) ومنها:
“لا صلح بيننا وبينكم أيها الأميركيون .. شهداؤنا في الجنة وقتلاكم في النار“.
كما نقل عن خطيب آخر قوله “هنيئا لكما الشهادة التي سبقتمونا إليها .. كيف لا والرسول يقول أطردوا المشركين من جزيرة العرب”. حسبما جاء في وكالات الأنباء.
جنازة الكندري والهاجري تختصر كل شيىء ..
نضال حمد
12-10-2002