جنرال التطبيع يهنئ نتنياهو! – رشاد أبوشاور
كان والدي رحمه الله يردد: الجنود السودانيون شجعان مقدامون، وأنا أشهد بما رأيت فقد حضروا عام1948، أي عندما تصاعدت حرب العصابات الصهيونية على الشعب الفلسطيني، وأعلن (الكيان) الصهيوني ( حرب الإستقلال)، أي حرب طرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم التي عاشوا فيها، وزرعوا أرضها، وبنوا بيوتها، على امتداد ألوف السنين، وتوارثوا حضارتها ومدنيتها في قلب وطن كبير تجلّت فيه مدنيات وحضارات هي الأعرق في العالم، في مصر، والعراق، وبلاد الشام وقلبها وصلة الوصل بينها: فلسطين…
ضاعف محبتي للسودان وشعبه العريق شيخ النقّاد العرب الدكتور إحسان عبّاس، الذي علّم في السودان، في الخرطوم، في الجامعة الأمريكية، والذي طالما ردد على مسامعي: عشت أحلى وأجمل سنوات عمري في السودان، مع السودانيين، طيبي المعشر، والشعب السوداني هو الشعب الديمقراطي حقا، فبين أفراده صلات نادرة في وطننا العربي الكبير، فأنت تجد الشيوعيين والإخوان المسلمين والناصريين في جلسات صداقة ومودة ومحبة تجمعهم في نقاشاتهم، ورغم خلافاتهم، والخلافات بينهم لا تنافر فيها ولا حدّة ولا عصبية، ولا حقد، ولا كراهية، ولا مقاطعة عدائية ..وهم يتمتعون بخفة الدم وطيبون.
لمّا كبرت أحببت الغناء السوداني، وكنت أسمعه من إذاعة البي بي سي، ولا أتبيّن الكلمات، لكنني أسرح مع الأنغام بحيث أرتحل معها إلى الغابات في ذلك الركن البعيد من وطننا العربي الكبير.
شاءت الأقدار أن ألتقي في مؤتمر الأدباء والكتّاب العرب عام 1973 في تونس بالروائي الطيب صالح، وأصغي إليه محدثا ساخرا وجادا ومتواضعا، ثم ألتقي به كثيرا فيما بعد، وطبعا كنت قرأت له (موسم الهجرة إلى الشمال) و( عرس الزين) ..وكانت شهرته قد ملأت أرجاء بلاد العرب، فازدادت محبتي للسودان وأهله، وتحسّرت لأنني زرت الصين البعيدة جدا قبل أن ازر السودان البلد العربي الأفريقي…
وزرت السودان، وتحققت أمنيتي، بمناسبة جائزة الطيّب صالح، والتقيت في الفندق بالخرطوم بأصدقاء من الوطن العربي الكبير، وبسودانيين طيبين لم يخيبوا الفكرة عن نبلهم وطيبتهم، وزرت أم درمان، وشاركت في النقاش والجدل في الندوات، وتعرفت بسودانيين مثقفين رائعين، ولقد دعوني بإلحاح للسفر معهم مستضافا إلى ولاياتهم صادقين بكرم لم أستغربه…
في الفندق حضرت صحفية وإعلامية معروفة في السودان كونها تقدم برنامجا تلفزيونيا وبرنامجا إذاعيا، وما أن جلست وهمّت بأن تفتح المسجلة لتبدأ الحوار الموعود معي حتى وقف قربنا شخص طويل عريض ينظر باستعلاء إلى السيدة الإعلامية و..أشار لها بإصبعه أن تلحق به، وعندما لحقت به..أخذ ينظر إليها بعنجهية و..يرمقني بطرف عينه كأنه يقول: انظر كيف اتحكم بهذه المرأة التي حضرت لتحاورك..ثم يستدير ويأخذ في التقصع متباهيا بأنه يفعل ما يريد ( ولا على باله!).
قلت لنفسي: هذا من مخلوقات زمن عسكر جنرالات الاستبداد..ونهضت واقفا عندما أقبلت السيدة عائدة من اللقاء القصير المفتعل، وابتسمت و..أنا أرشقه بنظرة تليق بشخص تافه، وكنت قررت بأن ألقنه درسا لو فتح فمه معي…
لمست حجم المرارة التي يعانيها شعب السودان الطيّب المناضل من (حكم العسكر)، وقهرهم، واستبدادهم، وسمعت عن قسوة استبدادهم…
أنا أحجم عن ذكر أسماء الأصدقاء السودانيين المنخرطين في المقاومة المستمرة الرافضة لاستبداد ( الجنرالات) الذين أجّروا ألوف الجنود وصغار الضبّاط السودانيين لحكّام مملكة آل سعود ليحاربوا بهم في اليمن ..وليموتوا بعيدين عن سودانهم الحبيب، خدمة لعدوانية آل سعود في الحرب التي يشنونها على شعب اليمن العربي العريق..والجنرالات يقبضون الملايين ويرابون ثرواتهم من دماء شعب اليمن و..الجنود السودانيين الذين يزجهم جنرالات لبطش والإرتزاق في حرب ليست حربهم.
أولئك الجنرالات يهربون من مأزقهم، ومن خوفهم ورعبهم مما ينتظرهم من شعب السودان العريق في عشقه للحرية ب..التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومن لهم غيره وغير أميركا؟ و..يمعن( برهانه) في الإستخذاء لنتنياهو فيرسل له تهنئة بفوزه في الانتخابات..هذا في حين تتجاوب هتافات وصيحات شعب السودان المطالبة باستعادة الحكم من جنرالات الاستبداد، والقمع، وتأجير الألوف من جيش السودان..والذي أبناؤه هم أحفاد الجنود الذين حاربوا في فلسطين، ويحفظ له شعب فلسطين أجمل الذكريات..وكانوا آنذاك هم وجنود مصر يشكلون جيشا واحدا يهتف للملك فاروق (ملك مصر والسودان): يعيش فاروق ملك مصر والسودان…
شعب السودان العريق سيكنس التطبيع وجنرالاته..والمطبعون الساقطون المكروهون المحتقرون في بلاد العرب..من ملايين العرب..سيسقطوووون..ولن يحميهم نتنياهو..ولا أمريكا وأدواتها…