جورج فلويد أخي الفلسطيني – رشاد أبوشاور
عام 1965 وقبل العودة إلى أريحا في الضفة الفلسطينية بعد ثماني سنوات قضيتها مع والدي اللاجئ السياسي في سورية منذ العام 1957 ..وفي شهر نيسان أجرت معنا مقابلة مجلة ( الأسبوع العربي) اللبنانية الواسعة الانتشار آنذاك..ونشرتها بعد أسابيع قليلة.
حضر الصحافيان المخضرمان عباس الحامض وغسان لإجراء المقابلة في مخيم اليرموك، ولم نجد أنسب من بيت صديقنا فتحي رشيد لاستقبالهما.
كنا شبابا في العشرينات، ولم نكن معروفين..ولكننا ( ننوي) أن نكون كتابا معروفين، وننشر قصصا وروايات و..نؤثر..ونكون حاضرين بما سنكتبه، وما كنا نهجس به باستمرار، والذي أردناه مختلفا.
جلس الصحافيان الكبيران، ومع أكواب الشاي عرفناهما بأسمائنا: أكرم شريم – لمع بعد سنوات بمسلسل أيام شامية ..وبقصص كثيرة كتبها ونشرها – وليد دسوقي نشر قصصا قصيرة في الأسبوع العربي. علي إسحق نشر مجموعة قصصية واحدة بعنوان ( ملاحظات متفرج) – فتحي رشيد اتجه للبحث والكتابة السياسية وأصدر عديد الكتب..وأنا رشاد أبوشاور.
وجه الصحافيان لنا أسئلة كثيرة، ومنها سؤال وجهاه لي: كيف تشعر كفلسطيني تعيش لاجئا بعيدا عن فلسطين؟ أجبت: أشعر كأنني زنجي في أميركا..( في هذا الجواب ما فيه من مرارة العيش في وطن عربي يعذّب الفلسطينيين ويحرمهم من الفعل).
نشر اللقاء على أربع صفحات وبمانشيت مثير مناسب: الأدب الفلسطيني يبرز من ظلام المخيمات…
وها قد برز الأدب الفلسطيني من ظلام المخيمات. انظروا إلى عشرات أسماء الشعراء ، والروائيين، والقصاصين، وكتاب السيناريوهات، والمخرجين السينمائيين والتفزيين، والفنانين التشكيليين، والموسيقيين الكبار..وألوف ألوف المقاومين ، ومنهم شهداء يحضرون أحياء في ذاكرتنا وحياتنا.. ومنهم جرحى نباهي بجراحهم التي تمسح جرح غربتنا.
كبرنا وقرأنا روايات ريتشارد رايت الكاتب الأمريكي الأسود، واذهب واعلنها على رأس الجبل لجيمس بولدوين، وقرأنا الجذور لألكس هالي وتألمنا لكونتا كونتي.. وروايات توني موريسون، وقرأنا اللون القرمزي لأليس وولكر وسعدنا برفضها ترجمة روايتها إلى لغة الكيان الصهيوني لانحيازها لآلام الفلسطينيين هي التي زارت قطاع غزة، وتابعنا في زمن مضى حركة الفهود السود، وقرأنا كثيرا عن عذابات أخوتنا السود الذي جلبوا من أفريقيا ورموا في السفن وتركوا للجوع والمرض حنينا وقهرا، واستخدام من نجا منهم عبيدا في جني القطن وفلاحة الأرض للسادة البيض!
وهكذا، بعد أن أباد ( الرجل الأبيض) – الواسب- أهالي تلك البلاد التي سميت أمريكا..وسمي أهلها بالهنود الحمر.. بالجدري، والكوليرا.. والرشاشات التي حصدتهم بأوامر( الآباء) المؤسسين، وفي مقدمتهم جورج واشنطن وشركاؤه في الجرائم رؤساء أميركا.. كان لا بد من استجلاب عبيد لخدمة السادة البيض فانتزع الشباب والشابات السود من أوطانهم..وبدأت محنتهم مع الاضطهاد، والموت، والتفريق بين الزوج وزوجته، والابن ووالده ووالدته..وهتك البنت و..رميها من بعد للموت ذلاً.
يا لها من مسيرة في بلاد الديمقراطية!
أذكركم بأن الأميركيين الأوائل أطلقوا على تلك البلاد اسم : أرض الميعاد، ووصفوا أنفسهم – هم الغزاة- ب(شعب الله المختار!).
أترون العلاقة بين الأساطير المشتركة لتأسيس أميركا والكيان الصهيوني؟!
هناك من وثقوا بأن حكام أميركا وسيط نزيه!!!
يا للسذاجة ..ويا لبؤس الوعي..وانعدام التعلّم من التاريخ!
اقرأوا كتب المفكر والباحث العربي السوري الحلبي الكبير البروفسور منير العكش، الذي يصف نفسه بأن حلبي الولادة فلسطيني الانتماء..اقرأوا كتبه وتعلموا..وتعرّفوا على مذبحة الإبادة لأهالي تلك البلاد، والذين يبلغ عددهم كضحايا حوالي 117 مليونا..ممن يسمون بالهنود الحمر.
قبل أربعة أيام شاهدنا، وما زلنا نشاهد، جريمة قتل ضابط شرطة أمريكي أبيض من سلالة القتلة العنصريين لأمريكي أسود..بالضغط بركبته الثقيلة البيضاء السمينة على عنق المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد..وجورج بالكاد يتنفس..وهو يستغيث: لا أستطيع التنفس..والركبة البيضاء تضغط على العنق السوداء..حتى الموت.
فيديو القتل المتعمد المستهين بحياة إنسان ..لأنه أسود، استفز مواطني ولاية مينيسوتا..فانفجرت التظاهرات الغاضبة، وانتشرت إلى عاصمة أوهايو كولومبس – لعنة الله على صاحب هذا الاسم – ونيويورك..ومنهاتن، وتكساس، وفرجينيا..وبلغت واشنطن حيث البيت الأبيض..الذي يقيم فيه ترامب، ومنه يطلق حملات العداء على الصين ..الأمة العريقة، وروسيا..وإيران، وسورية، وفنزويلا – شكرا لإيران التي أرسلت السفن المحملة بالبنزين ومعدات تشغيل محطات التكرير إلى فنزويلا..والعار لمن أرسلوا طائرة الاتحاد الإماراتية إلى مطار بن غوريون بحجة إرسال أدوية للشعب الفلسطيني! يا للعهر: يريدون أن يواصلوا التطبيع على ظهر الشعب الفلسطيني.
الرفض الفلسطيني لتسلم أدوية التطبيع كان عملا ممتازا.
ترامب! ترامب منح القدس لنتنياهو والصهاينة.
ترامب ( صفقة العرص)!
ترامب البلطجي العنصري وريث عقلية الإبادة والاستعباد الذي ينهب أموال النفط من آل سعود الخانعين، ويمنحهم طائرات وصواريخ لذبح وتدمير اليمن وشعب اليمن العربي الحر الأصيل..المقاوم البطل…
ترامب هذا يتوعد المتظاهرين الغاضبين لمقتل جورج فلويد بالرصاص الحي إذا ما أقدموا على مهاجمة المحال التجارية!
يا لعقلية التاجر والسمسار!
والقضاء الأمريكي يوقف ضابط الشرطة و..يقرر دراسة القضية..هل تحتاج لدراسة عملية القتل خنقا بركبة الضابط الأبيض العنصري..الموثقة صوتا وصورة وشهودا؟!
قضاء أمركي عنصري منحط!
لعل أجمل ما سمعته صبيحة اليوم السبت 30 أيّار..من مراسل الميادين في واشنطن: زوجة ضابط الشرطة القاتل تطلب الطلاق منه!
هناك بشر في أميركا لديهم ضمير..وهؤلاء هم من نراهم..من البيض يتظاهرون مع إخوتهم في الإنسانية: الأفريكانز..ويتنفسون الغازات معهم..ويتعرضون للرصاص المطاطي..وهناك من يرفعون أصواتهم لإنهاء العنصرية..وبلطجة أمريكا على العالم..وعلى الأمريكيين أنفسهم.
( الواسب) حكّام أميركا، أو ( الزنابير) يعني ( الدبابير)..والدبابير تقتل النحل وتأكل العسل..وتواصل الحياة الحلوة إذا لم يوضع لها حد نهائي..بإنهاء سلالتها الطفيلية ناشرة الموت والخراب.
جورج فلويد أنت أخونا..أنت فلسطيني مثلنا..فنتنياهو وجنرالاته..الذي تربّى في نيويورك بعقلية ( الزنابير) هو سليل قتلة ..وهو يواصل برعاية ترامب وإدارته، يوميا، قتل الفلسطينيين إخوانك يا جورج في الإنسانية…
معركتنا واحدة يا جورج..معركتنا واحدة أيها الشهيد والشاهد.