جَنَى لم تجنِ على أحد… – أعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
في شهر آب – أغسطس اللهاب حيث يمكن للإنسان أن يستحم بعرقه دون أن يخلع ثيابه. فيكفي ما يفرزه من تعرق بسبب شدة الرطوبة والسخونة في درجات الحرارة المرتفعة كي يستحم بصمت وبهدوء.
في ذلك اليوم الحار منذ ساعات الصباح الأولى كنا في منزلنا بمخيم عين الحلوة مجتمعين على مائدة الافطار في ساحة الدار، تحت سماء الله الزرقاء الصافية. والدي المرحوم أبو جمال حمد، والدتي أم جمال، أخي جمال وعائلته مجتمعة، زوجته حيث كنت يومها أقضي آخر أيام إجازتي الصيفية في المخيم، فقد إعتدت في السنوات العشر الأخيرة أن أزور مخيمنا من مرة الى ثلاث مرات في السنة. يبدو أنها رحلاتي وسفراتي لتعويض عشرات السنين من الغياب عن المخيم منذ غزو سنة 1982… ويبدو أيضاً أنه الحنين للمنزل الأول وللحارة الأولى وللطفولة، هذا بعدما كنت قبل أقل من عشر سنين دخلت في الخمسينيات من عمري. أنا الفتى الذي غادرت مخيم عين الحلوة يوم كان لي من العمر 17 عاماً.
في البيت المجاور لبيتنا وهو بيت دار عمي أبو حسين حمد رحمه الله، حيث ولد كل أبناء عمي وبناته، وحيث ولدت حفيداته الثلاث من إبنه الأصغر أحمد. في ذلك اليوم كنت أسمع بين الفينة والأخرى كلمات أو صرخات أو قهقهات تبادلتها الطفلات الثلاث. يومها لم يكن هناك أي من رجال العائلة في بيت دار عمي، فحسين في الولايات المتحدة الأمريكية وطارق في الدنمارك وأحمد في صالون حلاقته، صالون القدس، المعروف والشهير في بستان اليهودي سابقاً بمخيم عين الحلوة، غير بعيد عن بيته وبيت أهله وبيتنا.
كنا نتناول وجبة مناقيش بزعتر وبجبنة بناء على طلبي، حين سمعنا وقع ارتطام شيء بالأرض وصرخات امرأة عمي وزوجة أحمد ابن عمي، والدة الطفلة جَنَى. هرع الجميع جمال وكل عائلته الى دار عمي لمعرفة ما الذي جرى هناك، كان الباب مغلقاً والنسوة في صدمة فأنتظروا قليلا حتى تم فتح الباب… وحين دخلوا الى الدار كانت الطفلة جَنَى غارقة في دمها. تبين أنها كانت تلهو مع شقيقتها حين تمسكت بخزانة فوقعت عليها بطارية سيارة كبيرة تستخدم عادة لأنارة اللمبات “النيون” في لبنان بسبب انقطاع الكهرباء الدائم منذ عشرات السنين. أدى ارتطام البطارية برأس الطفلة إلى تهشيمه وإصابتها بجراح بالغة وخطيرة جداً. لن أنس تلك اللحظات الصعبة والمحزنة، ولا صدمة وذهول أمها وجدتها وشقيقتيها، ولا سرعة تصرف أخي جمال واولاده، حين وضعوا الطفلة في حرام وركضوا بها الى المستشفى. لكنها للأسف لم تعش وتوفيت متأثرة باصابتها تلك.
جنى كانت طفلة صغيرة لم يسعفها القدر أن تكبر قليلا …
رأيتها يوم أمس وأول أمس مثل فراشة تحط على أزهار الحارة.
كانت متحركة، جميلة وتحلم بحياة أفضل في مخيم تختطف فيه حيوات الناس بأبسط الطرق.
رحلت صباحاً دون وداع ودونما كلام.
رأيتها مدرجة بدمها
كانت تنظر في بياض عيناي وهي محمولة بين أيدي أبناء أخي…
ربما كانت تريد أن تقول لي شيئاً ما لكنها لم تستطع…
وداعاً يا صغيرتنا
ما أردت أن يكون وداعي للمخيم حزينا بهذا الشكل.
لكنها مشيئة الله وإنا لله وإنا اليه راجعون.
13-08-2015
نشر في 12-02-2022