حتمية الحماية الشعبية وفك الارتباط لا لرمي العبء على حزب الله وحده! – عادل سماره
صحيح أن السيد نصر الله قد أوصل الموقف إلى أقصاه حيث كرر سنقتلك ثلاثاً. وهذا يعني أن الحزب أخذ كامل الاستعداد للمواجهة إن لم يكن هناك من سبيل آخر. وفي الحقيقة هذا دور حزب مقاتل.
ولكن، حزب الله ليس كل لبنان ولا كل محور المقاومة، ليس هو الشعب، ليس هو المقاول في التصدي والمقاومة وحده على أن يكتفي الجميع بالهتاف.
نقرأ ونسمع خطابات ومقالات متحمسة وتُحمِّس ضد قيصر والكيان والتطبيع، ولكن لا نسمع، بل لم نشاهد في السياسة والاجتماع مواقف ذات مضمون حقيقي مقابل المضمون القتالي لحزب الله.
وللتوضيح، فإن التحديات المفروضة والعدوانات الجارية لا تشير إلى حتمية الحرب، وليس صحيحا الاستنامة لحتمية الحرب بالاعتماد فقط على حزب الله. أي ماذا تعملون؟
ألمح السيد في حديثه إلى التوجه شرقا، ولكن هذا يشترط قرار سيادي دولاني لتنفيذه، هذا مع أنه كان يجب أن يحصل منذ عقود. فتحويل وجهة اقتصاد من جغرافيا إلى أخرى لا يتم بقرار وحسب وإنما بسيرورة مما يجعل هذا القرار، إن تم اتخاذه، رهنا بوقت ليس بالقصير حتى وإن كان في مجال التجارة وليس الإنتاج.
يفتح هذا الحديث على وجوب رفد المقاومة المقاتلة بالظهير الشعبي.
ليس سهلاً كما يبدو أن تقوم السلطات السياسية في محور المقاومة بانتهاج سياسات جذرية تصل التحول الفعلي مثلا نحو الشرق. هذا إضافة إلى أن التوجه شرقاً هو ايضا يجب أن لا يحتوي في أحشائه بذور نمط من التبعية، حتى لو كان رحيماً لأن مشروعنا عروبي لنا ولكل الشركاء من غير العرب.
ليس سهلاً، لأن هذا كان يجب ان يحصل منذ عقود، أو على الأقل منذ بدء الحروب ضد سوريا ومحور المقاومة عموما، ورغم تكرار الدعوات لذلك لم يحصل.
وقد يكون السبب الرئيس وجود قوى في الأنظمة نفسها، قوى طبقية داخل البلد ممسكة بكثير من مفاصله إن لم نقل تلابيبه تعاند هذا التحول وتربح وتضارب.
لذا، نكرر المبنى التالي للتوجه إقليميا والتوجه شرقا، أو للقطيعة مع الغرب بأنه في البدء على الأقل قرار شعبي لا رسمي، هذا معنى حرب الشعب.
فالسلطة في أية دولة هي سلطة طبقية، وغالبا في التشكيلات الإجتماعية الإقتصادية الراسمالية أو الراسمالية المحيطية هي من الطبقة البرجوازية وأحيانا كثيرة من جناحها الكمبرادوري أو جناحها ذي التوجه التنموي بإيديولوجيته القومية.
ولتوضيح هذا الحديث، فإن متاجرة الأنظمة قومية وتنموية الاتجاه في مصر وسوريا والعراق في الفترة ما بعد هزيمة حرب حزيران وحتى تسعينات القرن العشرين كانت بنسبة 70 بالمئة مع الغرب رغم أن الغرب كان هو العدو بينما التبادل مع الشرق كان ضئيلا رغم انه كان حليفنا، ولم تختلف متاجرة إيران الشاه عن متاجرة إيران الثورة في الارتباط بالسوق العالمية.
هذا الارتباط هو الذي مكَّن الغرب وخاصة أمريكا من فر ض العدوان الذي من قبيل استدخال خطاب العدو أن نقبل بتسميته ” العقوبات” فالعدو يعتدي ولا يعاقب لأنه ليس سيدنا بل عدونا.
إذن، نحن اليوم أمام بنية راسخة في علاقات التبعية الاقتصادية/التجارية مع العدو، رغم أننا في صراع سياسي قومي ضده، وهذا يؤكد مجددا، تحريك دور الشعب للضغط على السلطة بالتوجه إقليميا ما أمكن وشرقا ايضا.
يوصلنا هذا إلى المسألة الأساس للحديث وهي وجوب تحريك الشارع وخاصة في سوريا لتبني مسار من درجتين لإنقاذ البلد:
التزام موديل التنمية بالحماية الشعبية اي المقاطعة ميدانياً في السوق للمنتجات الأجنبية وخاصة العدوة وإنتاج واستهلاك المنتجات المحلية اي الاستهلاك الواعي والملتزم، والتركيز على الإنتاج المحلي، تشكيل فرق شعبية لمنع التجار من عرض المنتجات الأجنبية التي لها نظير محلي. ومعروف بأن مقاطعة منتجات تعني قرار إنتاج محلي بديلا لها فالمقاطعة تفترض الشغل التنموي.
وعليه، إذا كان توازن القوى داخل النظام لا يسمح للسلطة بقرار محاصرة الفساد واستلام السلطة للتجارة الخارجية استلاما تحت رقابة مشددة، فإن المقاطعة الشعبية كجزء من موديل التنمية بالحماية الشعبية هو الذي يساعد السلطة على اتخاذ قرار مقاطعة منتجات الأعداء التي تستوردها طبقة أو شريحة الفاسدين والمضاربين على الدولار، أو يجبر السلطة على ذلك. فلا بد للشعب من أن يشعر بأن عليه ان يدخل حرب المقاطعة لا أن يلقي باللائمة على السلطة فقط. انت موجود إذا كنت مبادرا.
إن موديل التنمية بالحماية الشعبية هو إنشغال وتشغيل الشعب في الإنتاج والاستهلاك ضمن بنية اقتصادية غير تابعة لمنطق علاقات الاقتصاد الرسمي الراسمالي، إنه اقتصاد الاعتماد على الذات واقتصاد التعاونيات.
وهذا النهج يحاصر التجار المستورِدين ويدفع اقتصاد السلطة/الدولة لتبني هذا النهج عبر ما أسماه سمير امين فك الارتباط.
أي أن التنمية موديل التنمية بالحماية الشعبية يعمل أساسا كقاعدة عملية مادية دون تبعية للاقتصاد الراسمال الرسمي وبالتالي يمهد لدفع السلطة إلى فك الارتباط.
فك الارتباط هو قرار سياسي سيادي دولاني يمكن للسلطة أن تتخذه بقناعة منها، ويمكن أن تضطر له بضغط القاعدة الشعبية إذا كانت السلطة مؤمنة به لكن تحتاج لدعم او إذا لم تكن مؤمنة به ولكن ضغط الشعب يرغمها على ذلك.
هذا ما نقصد به ردف المقاومة المسلحة بحرب الشعب.
هذا الموديل المزدوج المكون من:
– التنمية بالحماية الشعبية
– وفك الارتباط
موديل لا يصلح لسوريا وإيران ولبنان واليمن فقط بل يصلح لمختلف الاقتصادات التابعة والتي تعاني من التبادل اللامتكافىء من جهة وهو تبادل لصالح أعداء علانيين لهذه البلدان نفسها.
إن البعد الغائب والضروري في هذا الصراع هو القوى الشعبية الثورية، لنقل الحزب الثوري الاشتراكي بالحد الأدنى الذي عليه الترويج للموديل المزدوج وتبني تنفيذه شعبيا، وهو ومضمونه اشتركي فهو وطني قومي بالضرورة.
وهذا يفتح على مسألة هامة وحساسة ايضاً وهي أن هذا الحزب ببرامجه وتحليلاته واستراتيجيته يتجاوز ثرثرة الإعلام التابع والممول، والذي تدور تحليلات مُحلليه حول القضية ولا تضرب عمقها كما قال لينين: “كما يدور القط حول صحن من المرق الساخن”.
يجب أن لا يكتفي أحد بنضال أحد ولا أن يتكىء أحد على مجهود أحد. وإذ كان الحزب غائبا، فتشكيل لجان شعبية لضبط السوق ليس أمرا صعباً، وهذا ما أنجزته اللجان الشعبية في الأرض المحتلة في انتفاضة 1987 رغم عسف العدو.
إن دعوات قوى ومنظمات عربية لرفض الحصار وتسيير قوافل إلى سوريا، لا يكفي، وقد لا يصل وقد يكون مصيره كمصير أكذوبة سفينة مرمرة التركية تجاه غزة، ومع ذلك لا باس بالمحاولة.
ولكن الحقيقي والطبيعي هو ضرب تسويق منتجات الأعداء في الوطن العربي ضربا على نطاق شامل سواء بحرق هذه المنتجات في الشوارع كما حصل في انتفاضة 1987، أو محاسبة المستوردين، إضافة إلى ضرب مؤسسات الأعداء سواء ثقافية اقتصادية دبلوماسية…الخ.
بهذا يصبح ويتم إشراك الشارع العربي في الحرب الضروس هذه.
سيكون كل هذا من الصعوبة بمكان، ولكن المقاومة الشعبية وحدها التي تردف المقاومة المسلحة، وحين تبدأ التجربة سنكتشف السحر الكامن فيها وهو أنها اقل صعوبة مما تخيلنا من بعيد نظراً لعامل التردد.
كنعان-