حرب السعودية في اليمن والمصالح المشتركة مع (إسرائيل) ترجمة اطيس
بقلم: يوئيل جوزنسكي وأفرايم كام – دارسة صهيونية
ربما ما تزال عملية التحالف العربي في اليمن في بدايتها، ولكن يمكننا من الآن ان نستخلص استنتاجات أولية ونقدر مغازيها، أولاً: منذ سنوات طويلة تجد الدول العربية صعوبة في التوحد من أجل عملية حقيقية، وسيما من أجل القيام بعملية عسكرية تدافع عن مصالحهم، أما اليوم فإن جهود إيران في التسلل إلى جبهات مختلفة في أنحاء الإقليم وتوسيع نفوذها فيها تعتبر التهديد الأخطر، على الأقل على بعض الدول العربية، وبناءً عليه فإن من الممكن حالياً ان نتحدث عن إنجاز تجمع عربي على ضوء قدرته على التواطؤ سريعاً وبفاعلية لا سابق لها في سبيل تبديد التهديد المتأصل في رؤيته وبمضاعفة النفوذ الإيراني الإقليمي، إذا توجت العملية العسكرية ضد الحوثيين ومؤيديهم في اليمن بالنجاح، فربما يكون بمثابة مدخل لعمليات عسكرية مشتركة في المستقبل أيضاً.
ثانياً: التجمع العربي أبدى استعداداً للخروج في عملية عسكرية حقيقية ومن دون قيادة أمريكية، مثلما حدث في الماضي وعندما كان الحديث يدور عن الدفاع عن مصالح عربية، اليوم لا مناص، خرجت حكومات عربية في مقدمة المعسكر الذي تشكل من خلال رؤيتهم للتهديد الحقيقي والخطير على أمن دولها، ومع ذلك نؤكد اننا ما زلنا نتحدث عن تنظيم غير حكومي لا تساوي قوته قوة دولة وعلى ساحة قريبة ومعروفة للسعودية (رغم ان الحوثيين يتمتعون بالدعم الإيراني الكبير غيرانهم بعيدين جداً عن القدرات التي يمتلكها حزب الله مثلاً).
ثالثاً: الولايات المتحدة تراجعت هذه المرة أيضاً الى المقعد الخلفي، ذلك لرغبتها إبعاد المفاوضات الدائرة مع إيران بخصوص برنامجها النووي عن المزيد من الصعوبات والانتهاء منها بأسرع ما يمكن، ولذلك أعلنت الحكومة الأمريكية انها لن تطرح موضوع الأحداث في اليمن وتدخل إيران فيها أمام الإيرانيين أثناء المفاوضات النووية، رغم ذلك يمكننا أن نلمس تدخل حكومة أوباما من وراء كواليس العملية، وسيما بسبب سعيها الى تقليص التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، ولكن تصريحات الحكومة فيما يتعلق بالأحداث الدائرة في اليمن كانت ضعيفة نسبياً وتدخلها العسكري كان “ببصمات صغيرة قليلة”؛ إعطاء مساعدة معلوماتية ولوجستية (التفتيش والانقاذ) للقوات العربية.
على الجانب الآخر، وبعد أن أعلنت الحكومة انها لا تنوي ان تربط بين القضية اليمنية ومحادثات النووي يمكننا ان نفترض ان هذه المفاوضات لن تتأثر فعلاً بالتوترات الإقليمية التي طرأت على إثر تطورات اليمن، وعلى إثر الانتباه المتجدد للتدخل الإيراني في الدول العربية؛ ورغم هذا كله فالحكومة الأمريكية تمر بوضع غير مريح إذ ان عليها ان تشرح جهودها في التقدم سريعاً باتجاه اتفاق في الموضوع النووي، بينما كُشف مرة أخرى التدخل الإيراني المتعمق في دول أخرى، وبينما جزء مهم من العالم العربي يقف في مواجهة إيران.
أضف الى ذلك العملية التي تظهر القوة الاقتصادية والسياسية لدول الخليج على الساحة العربية، ولكنها ما تزال بحاجة الى مساعدة عسكرية وتشجيع سياسي من قبل دول عربية أخرى، وعلى رأسها مصر، من أجل الحصول على الشرعية والدعم العسكري لعملياتها، لكن وزنها في الشرق الأوسط الذي زاد بعد التعقيدات العربية الحالية، ما يزال الجيش المصري هو الجيش الأقوى من بين الجيوش العربية، غير انه وفي أعقاب الهزة التي مرت بها مصر في السنوات الأخيرة؛ فإن نظام السيسي بحاجة الى المساعدة المالية العاجلة المرسلة إليه من دول الخليج، وهي التي لها مصلحة حيوية في إبقاء ممر باب المندب، وهو الممر المائي الاستراتيجي المؤدي الى قناة السويس، مفتوحاً ونظيفاً خالياً من النفوذ الإيراني.
هناك تطور آخر يجب اضافته الى النشاط والتماسك العربي، وهو متعلق بفعالية المملكة العربية السعودية نفسها، فمنذ بداية التطورات الحالية التي أغرقت العالم العربي في السنوات الأخيرة كان بالإمكان ملاحظة حيوية السياسة الخارجية السعودية بعد ان اتسمت على مدار سنوات طويلة بالسلبية النسبية، تبدت هذه الحيوية بين ما تبدت به بدخول قوة سعودية الى البحرين في العام 2011، بالإضافة الى ذلك يجلس حالياً في الرياض ملك جديد أكثر نشاطاً وتحفزاً من سلفه، وهو يحاول بشتى الطرق توحيد الساحة العربية واكتساح دول إسلامية رائدة بهدف كبح انتشار نفوذ إيران على هذه الساحة، الملك حقق انجازات لا بأس بها، وشاهدنا كيف نجح في جلب جهات متشددة من المعسكر السني مثل تركيا ومصر وجعلها تؤيد خطواته في اليمن.
من الناحية الاقتصادية والدبلوماسية؛ اليمن ليست دولة مهمة، ولكن أهميتها تكمن في موقعها؛ قربها من العربية السعودية، والتي لها معها حدود تمتد لحوالي 1800 كم، ومخارج باب المندب (البوابة الجنوبية لقناة السويس ولإسرائيل أيضاً)، اليمن هي واحدة من بين عدة ساحات يدور فيها صراع حول طابع الشرق الأوسط بين إيران ومن يدور في فلكها وبين التجمع السني الملكي، من وجهة نظر السعوديين إذا أسست إيران نفوذاً لها في اليمن فإنهم سيكونون محاصرين من الناحيتين من قبل إيران، والتي قد تحرض بسهولة كبرى الشيعة الزيديين في العربية السعودية نفسها، وأكثر من ذلك فاليمن ساحة كونية للحرب على الإرهاب السني المتطرف بعد ان أنشأت القاعدة محطتها الرئيسية في جزيرة العرب هناك.
وفي النهاية؛ فإن الخروج للحرب الذي أخذته العربية السعودية على عاتقها فيه مقامرة الى حد ما، إذ انها فعلا لا تستطيع الآن ان تسمح لنفسها ان تخرج خاسرة في صراع يطرق بابها، عمليتها العسكرية قد تستدعي رداً إيرانياً مؤلماً من قبل الحوثيين أنفسهم أو من قبل آخرين، لم تتردد إيران في السنوات الأخيرة في محاولة المساس بالممتلكات السعودية في المملكة نفسها أو خارجها (تذكرون بهذا الخصوص محاولة الاغتيال التي تعرض لها السفير السعودي في الولايات المتحدة في العام 2011، وكذلك الهجوم الالكتروني الإيراني الذي شل المنظومة المحوسبة في العام 2012)، بهذه العملية تريد السعودية ان تقطع دابر المساعي الإيرانية على حدودها الجنوبية، وكذلك ردع عمليات إيرانية أخرى.
لا يمكن الانتصار على الحوثيين من الجو، وليس هذا هدفاً أيضاً، الهدف الأساسي للعربية السعودية هو إعادة الحوثيين الى طاولة المفاوضات حول مستقبل اليمن من خلال رافعة الضغط العسكري، وهدف آخر للعربية السعودية هو منع استخدام السلاح المتطور (الطائرات الحربية وصواريخ أرض – أرض) من قبل الحوثيين ضدها، وكذلك منع سقوط مدينة الميناء الاستراتيجية عدن في أيديهم؛ إذ انهم فعلاً بذلك يتموا إسقاط اليمن جميعها. ربما أثار الحوثيون ضدهم في رحلة احتلالاتهم السريعة قوات أقوى منهم سيلحقون الضرر بقدراتهم ويجعلونهم ينسحبون الى الخلف، ربما لو لم يكونوا جشعين جداً لاستطاعوا ان يهضموا اليمن بطريقة أسهل بكثير، الفرص المتاحة أمام السعودية لجعل الحوثيين ينسحبون الى الخلف أكثر من قدرتها للعمل في مواجهة مبعوثي إيران في ساحات أخرى، ولعلاقاتها الوثيقة بعناصر مختلفة من المجتمع والمستوى السياسي اليمني وقربها الجغرافي من اليمن، الاختبار اليمني للعربية السعودية نجمله إذاً بالآتي: إنجاز مكسب عسكري يقود الى ترتيب سياسي تستطيع ان تتعايش معه المملكة، وترتيب وفقه أيضاً يخرج الحوثيون بتحقيق نصف شهوتهم فقط، وستكون هذه ضربة قاسية لإيران، وربما تقدم أيضاً دعماً معنوياً للقوات التي تكافح ضدها على ساحات أخرى.
وفي نهاية المطاف؛ فإن عملية التجمع بقيادة العربية السعودية فيها جانب إيجابي كبير بالنسبة لإسرائيل، العملية تركز الانتباه على التدخل الإيراني في دول شرق أوسطية أخرى، وعلى نفوذها المتزايد في المنطقة، ويستفاد منه ان التهديد النابع من إيران غير مرتبط فقط بجهودها لامتلاك سلاح نووي؛ وإنما أيضاً من سعيها المفضوح للتحول الى قوة عظمى في الإقليم، ومن المحتمل ان تسهم العملية في خلق مصالح مشتركة بين إسرائيل ودول أعضاء في الائتلاف السعودي.
مركز دراسات الأمن القومي