حرب تموزوالشرق الأوسط الجديد – د. غازي حسين
تصريحات الرئيس بوش ووزيرة الخارجية رايس عن ولادة الشرق الأوسط الجديد في خضم الحرب العدوانية (الإسرائيلية) – الأميركية على لبنان في تموز 2006لم تولد فجأة وإنما هي تخطيط استعماري صهيوني قديم ومتجدد لإعادة صياغة الوطن العربي ورسم خريطة جديدة له أسوأ من خريطة سايكس – بيكو الاستعمارية لتدميره وتفتيته وإعادة صياغته باقامة (اسرائيل) العظمى الاقتصاديةمن خلال مشروع الشرق الاوسط الجديد وبالتعاون مع السعودية وبقية دول الخليج .
كعادة رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية بالكذب، وبوقاحة وغباء منقطعي النظير، واستخفاف بالعرب والعالم لا مثيل له على الإطلاق حمَّل بوش حزب الله وسورية وإيران مسؤولية الحرب العدوانية التي أشعلتها «إسرائيل» في تموز 2006كأول حرب في العالم ضد المدنيين لتصفية المقاومة وكسر إرادة الشعب اللبناني وإدخاله في الفلك الأميركي وفرض الهيمنتين الأميركية و(الإسرائيلية) على المنطقة لتهويد القدس ولتصفية قضية فلسطين وتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني.
فكيف ظهر مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير والذي من أجله أقامت «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية العديد من الحروب العدوانية باسم الحروب الوقائية والاستباقية وباستغلال الدفاع الكاذب عن النفس؟
يهدف نظام الشرق الأوسط الجديد أو الكبير إلى إعادة صياغة الوطن العربي والمنطقة العربية والإسلامية سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وإقامة ترتيبات أمنية واقتصادية إقليمية مشتركةوإقامة الناتو العربي لخدمة الأهداف والمصالح والمخططات الأميركية والصهيونية في المنطقة. فالنظام المطروح هو البديل عن النظام العربي والوحدة العربية، والتكامل الاقتصادي العربي، والوحدة الاقتصادية والسوق العربية المشتركة.
جرى التخطيط لنظام الشرق الأوسط الجديد في مراكز البحوث والدراسات اليهودية في «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية. وتبناها الرئيس الأميركي بوش وأشعل الحرب العدوانية على العراق لجعله البوابة لإقامة نظام الشرق الأوسط الكبير. وطرح المشروع على العلن في آذار 2004 ولكن المقاومة العراقية أغرقت الولايات المتحدة الأميركية في أوحال دجلة والفرات وفشلت الإدارة الأميركية في إخضاع الشعب العراقي الشقيق، وأجبرتها المقاومة على الانسحاب من العراق.
خطط الرئيس الأميركي بوش مع العدو (الإسرائيلي) للحرب العدوانية السادسة على لبنان وأعلن خلال الحرب ولادة الشرق الأوسط الجديد إبان ارتكاب «إسرائيل» لمجزرة قانا الثانية ومجازر مروحين والقاع والنبطية وفي الضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت فالمشروع جرى تخطيطه من خارج المنطقة، وأعلنه الرئيس بوش بعد حربه العدوانية على العراق، وعاد وجدد الإعلان عنه إبان حرب الإبادة والتدمير الأميركية و(الإسرائيلية) في تموز 2006 على لبنان، لإعادة صياغة الوطن العربي والمنطقة الإسلامية انطلاقاً من ميزان القوى الجديد وبحسب أسس جديدة تخدم المصالح الأميركية والصهيونية في المنطقة وفي العالم.
ومن المؤلم حقاً أن يساهم بعض الحكام العرب في الخليج ومنهم آل سعود وثاني ونهيان والحكام العرب الذين يتلقون المساعدات الأميركية ويخشون على مناصبهم في العمل على إنجاحه وإنقاذ الولايات المتحدة و«إسرائيل» من مأزقيهما وعلى حساب قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني المضطهد والمظلوم من العدو ومعظم الاشقاء العرب وشعوب المنطقة.
احتاجت الولايات المتحدة بعد انهيار الأنظمة الشيوعية إلى عدو جديد. فقام يهود الإدارة الأميركية بتسويق العروبة والإسلام كعدو للغرب والحضارة والمصالح الغربية. فأعلنت إدارة بوش الحرب الصليبية على العروبة والإسلام والهيمنة على النفط في المنطقة وأمركتها وصهَينتها وتغيير هويتها الثقافية العربية والإسلامية، والقضاء على حركات المقاومة واستغلال ثروات المنطقة في الصراع الاقتصادي الأميركي مع أوروبا واليابان وتفتيت البلدان العربية على أسس طائفية وعرقية، وإعادة تشكيلها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد لإقامة (اسرائيل) العظمى الاقتصادية وتصفية قضية فلسطين وتهويد القدس العربية بشطريها المحتلين.
لقد وفّرت الولايات المتحدة الغطاء العربي والدولي للحرب العدوانية وغير الشرعية على لبنان في مجلس الأمن ولدى بعض الحكام العرب، مما ساعد العدو (الإسرائيلي) على تصعيد الإبادة والتدمير وسياسة الأرض المحروقة ايضاًفي الضفة والقطاع.
وجاء الوسطاء والسماسرة لفرض الإملاءات (الإسرائيلية) والأميركية لإخراج لبنان من هويته العربية وإعادته إلى «إسرائيل» ليدور في الفلك (الإسرائيلي) تماماً كما حصل في الحرب الأميركية ـ (الإسرائيلية) على لبنان عام 1982 وتحريك القوى اللبنانية العميلة وتوقيع اتفاق الإذعان في 17 أيار.
حققت المقاومة الإسلامية إنجازات هائلة في ساحة الحرب وفي المعارك الطاحنة ورفضت القبول بشروط العدو، ووضعت المصالح الوطنية والاستقلال والسيادة والانسحاب الكامل كخطوط حمراء.
وكانت تصريحات بوش ورايس تعني أن مرحلة الاستقلال الوطني قد انتهت بإسقاط اتفاقية سايكس ـ بيكو الاستعمارية ورسم خريطة للمنطقة أكثر سوءاً منها، لتطبيق السياسة الخارجية الأميركية التي تنبت المخططات (الإسرائيلية)، وفي ظل هيمنة الليكودي المتوحش جون بولتون على مجلس الأمن وقرارات وزارة الخارجية الأميركية تماماً كما هو الحال في عهد المسيحي الصهيوني ترامب وادارته اليهودية.
إن حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق هي التي تصدت لنظام الشرق الأوسط الجديد، وجعلت لبنان وفلسطين والعراق عائق أساسي في تحقيقه رغم الإبادة الجماعية والتدمير الذي قامت وتقوم به «إسرائيل» وأميركا في هذه البلدان وبدعم من الامراء والملوك في الخليج.
لقد أعلن الرئيس بوش أنّ «إسرائيل» المعتدية في حالة الدفاع المشروع عن النفس في حربها ضد المدنيين في العاصمة بيروت وفي جميع قرى ومدن الجنوب والبقاع وعكار وفي تدمير جميع البنى التحتية في لبنان.
وكشفت رايس عن المخطط معلنة أن «إسرائيل» ستحتل الأرض اللبنانية كي تسلمها للقوات الدولية لتجريد حزب الله من السلاح. وقالت في مؤتمرها الصحفي في بيروت إبان الحرب «حان الوقت لشرق أوسط جديد، ولنقول لمن لا يريد شرق أوسط مماثلاً أننا سننتصر». وقالت بعنجهية: «قلبنا وفكرنا مع الشعب (الإسرائيلي) الذي يعاني من الاعتداءات الإرهابية والصواريخ التي تطلق عليها». يا لها من حقارة ووحشية أمريكية منقطعة النظير في قلب الحقائق والانحياز الاعمى الحقير ل(اسرائيل) أخطر واوحش دولة على كوكب الارض.
لقد عملت إدارة الرئيس بوش على: إشعال الحروب العدوانية لتفتيت الدول العربية الكبيرة وإقامة الشرق الأوسط الجديد واستخدام «إسرائيل» كأداة عسكرية لحمل الحكومات العربية على الموافقة عليه والمساهمة في تحقيقه بدعم من آل سعود والطاغية المخلوع حسني مبارك.
ووضعت الإدارات الأمريكية «إسرائيل» فوق الأمم المتحدة وفوق القانون الدولي وفوق الشعوب العربية والإسلامية للهيمنة على النفط ومنابعه وأمواله وتصفية قضية فلسطين بدعم وتأييد كاملين من آل سعود وثاني ونهيان .
ودعمت امريكا النظم الاستبدادية المعادية للديمقراطية ولشعوبها بأكذوبة نشر الديمقراطية لتضليل الشعب الأمريكي وشعوب المنطقة والعالم.
أدى استخدام منطق القوة والحروب والإبادة والإرهاب والاغتيالات إلى زيادة الكراهية والبغضاء ل(اسرائيل) ولأميركا وولّد أجيالاً عربية ترفض القبول ب(اسرائيل) والتعايش معها كدولة دخيلة على المنطقة، غريبة عنها ومغتصبة للأرض والحقوق الفلسطينية والعربية. وأدت الحرب السادسة على لبنان إلى ردة فعل عنيفة لدى الشعوب العربية والإسلامية. طالبت وتطالب بوجوب القضاء على الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني وعنصري وإرهابي وإحلالي وإجلائي أعاد العمل بقانون شريعة الغاب في العلاقات الدولية وتسخير الحروب لكسر إرادة الشعوب والبلدان العربية وإجبارها على التنازل عن فلسطين العربية والقبول بنظام الشرق الأوسط الجديد الذي وضع أسسه سفاح قانا وأبو مفاعل ديمونا الذري شمعون بيرس في كتابه الذي ظهر عام 1993والجاسوس اليهودي برنارد لويس.
إن حرب تموز العدوانية السادسة على لبنان كانت معدة سلفاً وليست بسبب أسر الجنديين والهدف منها تدمير لبنان والقضاء على مقاومته، وجعله البوابة لبناء الشرق الأوسط الجديد: ولكن بطولات المقاومة اللبنانية الأسطورية وشعوب المنطقة وبدعم وتأييد كاملين من سورية وإيران نجحت في وأد المشروع الأميركي الصهيوني وافشال الهدف من حرب تموز واكدت أنه يستحيل التعايش مع الكيان الصهيوني ومصيره إلى الزوال.