حركتنا الشعرية الفلسطينية إلى أين..؟!- شاكر فريد حسن
المراقب والمتابع للحركة الأدبية الفلسطينية في هذه البلاد يلحظ ثمة هبوط وتدنٍ في مستوى الكتابة الشعرية الإبداعية ، خاصة لدى الشعراء الناشئين والجدد.
وعلى الرغم من أن الصحف والمطبوعات والمواقع الالكترونية تحفل بالنصوص الشعرية إلا أننا بالكاد نعثر على قصيدة فنية جميلة تدفعنا إلى إعادة قراءتها مرة أخرى. وهذا يعود إلى انعدام التجربة الشعرية الحقيقية عند هؤلاء الشعراء الشباب، مما يفقد القصيدة مقوماتها الضرورية كقصيدة مكتملة وناضجة شكلاً ومضموناً. وكذلك غياب الرؤيا الشعرية الواضحة لدى البعض منهم ، وتكرارهم للموضوعات نفسها .علاوة على افتقارها للمضامين الجمالية الثورية الملتزمة الصادقة، وهذا نابع من ثقافتهم الضحلة ، وقلة اطلاعهم على تراثنا القديم وعلى تجارب الآخرين.
فالثقافة هي التي تغني التجربة وترفد عملية الإبداع ، وتمد الشاعر بالقوة والاستمرارية والبقاء والتواصل، والشاعر المجدد الأصيل هو الذي ينسج حروف قصيدته من المعاناة والألم والتجربة الحياتية، والشعر الحقيقي هو الذي يوقف شعر الرأس ـ على حد تعبير شاعرنا الراحل الصفوري طه محمد علي.
وفي الواقع، أن الكثير من النصوص والقصائد التي رأت النور هي قصائد ونصوص سطحية غارقة في الذاتية والرومانسية وبعيدة كل البعد عن واقعنا، ولا تعبر عن همومنا وآلامنا وآمالنا وطموحات شعبنا في الحرية والاستقلال الوطني.
فبينما شهدت حركتنا الأدبية في إرهاصاتها الأولى وبدايات تبلورها تدفقاً للشعر الكفاحي الرافض المقاوم للظلم والقهر، الذي فاضت به القرائح والأقلام الشعرية الفلسطينية التي اتخذت من الالتزام منهجاً ومسلكاً وطنياً وثورياً صادقاً، فإننا نرى انحساراً وتراجعاً في مكانة شعر الرفض والمقاومة، هذا الشعر الجميل الذي أثار إعجاب شعوبنا العربية على امتداد الوطن العربي، بكل شرائحها وقواها وتياراتها وأطيافها الثقافية والسياسية والفكرية مما جعل شاعرنا الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش يطلق صرخته المدوية” أنقذونا من هذا الحب القاسي” .
إن الأسباب الكامنة وراء هذا التدني والتراجع وهبوط المستوى الفني هو التراجع السياسي والأيديولوجي ، والحصار الثقافي ، وتلاشي الحلم ، وكذلك حالة الإحباط السائدة ،إذ أن الأدب هو تعبير عن المرحلة السائدة والواقع في صيرورته وتناقضاته وتطوره الثوري، وما دمنا نعيش ونحيا في مرحلة رديئة فأن إفرازاتها ونتائجها تجيء رديئة.
ثم فأن المشرفين على الملاحق والصفحات الأدبية ومواقع الشبكة العنكبوتية يتحملون جزءاً من المسؤولية عن تدني المستوى الإبداعي والفني للقصيدة ، فهم يشرعون الأبواب، وينشرون كل ما هب ودب من النماذج الشعرية التي لا ترقى إلى مستوى الإبداع الحقيقي وذلك من باب تشجيع المواهب والأسماء الجديدة . هذا إلى جانب غياب الناقد الأدبي المتابع والنشيط الذي يمكنه غربلة الأعمال الشعرية وتقديم المتابعة والمراجعة النقدية بروح نقدية علمية وموضوعية نزيهة.
إن حركتنا الأدبية تحتاج إلى الكتابة الشعرية الغاضبة المغايرة ذات المستوى الراقي العميق، وعليه فأن المطلوب من شعرائنا الجدد تعميق ثقافتهم وصلتهم وتفاعلهم مع قضايا الجماهير، وتقديم الأفضل من النصوص الشعرية ذات البساطة والرؤية الثورية المتفائلة ،عبر صور شعرية جديدة وغنية تستمد نسغها من عفوية الأرض بكل صدق وشفافية.