حسام خضر .. اعتقال وصمود – جميل سلحوت
عن منشورات الحرية في نابلس أصدرت اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر والأسرى الفلسطينيين في شباط 2005 كُتيّب(الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود) بقلم النائب حسام خضر، ويقع الكُتيّب الذي كتبه مؤلفه أثناء اعتقاله في سجن هداريم عام 2005 في 40 صفحة من الحجم المتوسّط.
وحسام خضر مناضل وقائد وطني بارز غنيّ عن التعريف، اعتقل أكثر من عشرين مرة، وأمضى سنوات في سجون الاحتلال، وكتابه هذا جاء في فترة اعتقاله في العام 2003 وهو عضو مُنتخب في المجلس التشريعي الفلسطيني،على خلفية نشاطاته في انتفاضة الأقصى التي انطلقت في أواخر أيلول عام 2000 بعد اقتحام أرئيل شارون رئيس الحكومة الإسرائلية الأسبق للمسجد الأقصى.
والكتابة عن الاعتقالات والسجون الإسرائيلية ليست جديدة في التاريخ الفلسطيني، فقد سبق وان كتب عنها الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي (يوميّات سجين) كما صدرت مجموعة قصص (ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمّد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و(الزنزانة رقم ..) لجبريل الرجوب، وروايتا (ستائر العتمة ومدفن الأحياء) وحكاية (العمّ عز الدين) لوليد الهودلي، و(تحت السماء الثامنه) لنمر شعبان ومحمود الصفدي، وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسْر وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن، كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة عالمياً أيضاً.
غير أن حسام خضر في كتابته هذه لم يكرّر الآخرين، بل تناول جانباً فلسفه بوعيه وإدراكه كشخصية قيادية، وأخضعه للدراسة والتحليل واستخلاص النتائج والعبر وأعطى فيه دروساً من موقع الخبير المجرّب، فقد خبر الاعتقال والتحقيق والصمود والعذاب والقهر، إنه يتناول قضية الاعتراف والصمود أثناء التحقيق، يشخّص الحالة ويقف عند أسبابها، ويقارن بين الاعتراف وبين الصمود في وجه الجلاّد، يقارن بين النصر والهزيمة، بين الإرادة القوية والإرادة الضعيفة المسلوبة، بين نشوة النجاح وخيبة الفشل، ويأتي كل ذلك في ظروف غاية في الصعوبة يعيشها المُعتقل، وسط تعذيب جسدي ونفسي، وتهديدات لا تنقطع، وزمن العذاب الذي يتعرّض له المُعتقل طويل جداً (فإن الثانية تتّسع لدرجة أنت تسير فيها وتبحر بها، وتتقلى في نار جحيم زيتها رجعاً متواصلاً ينبض بالألم العميق … كل دقيقة هنا هي عمر الآن … وكل دقيقة تجربة.) ص9
وهذا عبارة عن الألم والمعاناة (فلا تشعر إلا بأن كل شيء ضدّك .. المكان بجموده والزمان ببطئه، والشخوص بأحقادهم النازفة) ص10 حتى النوم ممنوع على المُعتقلين في التحقيق (ومن أقرب لحظة انسجام مع النعاس،
يطاردك المحقّق بضربات أو صرخات أو حركات أو ركلات تطير النوم، وتراجع النعاس ليكمن لك من جديد على عتبات صحوك ) ص11
ولا يتبقّى أمام الأسير إلا العناد والصبر والصمود لأن العناد هناك (واحدة من أهم دعامات الانتصار.) ص12
والعناد هنا هو الإرادة القوية التي تلد النصر(والنصر حليف الإرادة المجبولة بالايمان والقوة على الاحتمال ..
والاحتمال ميزة يتّصف بها المؤمنون بقضاياهم أياً كانت.) ص13
ويأخذ حسام خضر على التنظيمات الفلسطينية عدم الاستفادة من التجارب النضالية لشعبنا، ويشير إلى ظاهرتين برزتا في انتفاضة الأقصى هما: (الأولى:انعدام قيمة الصمود وتراجعه في التحقيق … وثانيهما : الاعتراف اليومي في ما يُعرف بغرف العار ممن تساقط على هامش الصراع مع الأعداء، ومن رضي أن يعمل ذليلاً في مهنة الخيانة) ص14 . ويرى حسام خضر أن هاتين الظاهرتين (تشيران إلى تراجع في الوعي والمسؤولية والالتزام، كما تدلان على أننا من دون شك شعب لا يتعلّم من أخطائه، ولا يستفيد من تجاربه، ولا يراكم حصيلة دروسه التي مارسها عبر سنوات كفاحه ونضاله) ص14
كما أنه ينتقد بشدّة سكوت المؤسسة الرسمية الممثّلة بوسائل الإعلام، والأسرى والمُعتقلين والمؤسسات الحقوقية لعدم فضحها لظاهرة المتساقطين أمنياً، والتحذير منها .
ويرى أن (الصمود هو الشكل الأرقى للبطولة) ص16 ، وليس الاعتراف وما يتبعه من أحكام المؤبّد.
ثقافة أوسلو:
يرى حسام خضر أن عدم صمود المُعتقلين في التحقيق هو نتاج لثقافة أوسلو (التي هدمت هياكلنا الشامخة …
وركعت منظومة القيم السامية التي كنا نعتزّ بها ونفتخر .. وباختصار أفسدتنا وأفقرتنا مادياً واجتماعياً) ص17 .
ويتساءل (ما الذي يدفع هذا الثائر المتمرّد العنيد للاعتراف وللانكسار عند لحظة ما؟) ص 18 ، ويجيب (ثقافة أوسلو وحالة اللامبالاة، وغياب التراكم الذي اعترى تجربة العمل الثوري الفلسطيني) ص18 .
الاعتراف: يعرّف حسام خضر الاعتراف أمام المحقّق بأنه (انهيار وانكسار غير مبرّر) ص30 ، ويرفض وصفه بالخيانة .
ما العمل؟
وللخروج من ثقافة الهزيمة فإن حسام خضر يرى عدّة أمور منها:
– تفعيل المؤسسة الرسمية من خلال تطهيرها من رموز الخيانة والولاء للأعداء، وعناصر الفساد والإفساد والنهب والإثراء ص31 .
– إعادة صوغ الرسالة التربوية التعبوية خلقياً ووطنياً للمؤسسة التعليمية.ص31.
– الولاء للوطن وللشعب وليس للقادة كائناً من كانوا. ص37.
– الولاء لتنظيم ما لا يعني نفي الآخرين وتجريدهم من حقّهم في الوجود. ص37.
– سيادة القانون واستقلالية القضاء، وتفعيل الرقابة التشريعية. ص.36
– حرية النقد والنقد الذاتي .
الأسلوب: استعمل الكاتب أسلوب القصّ الروائي في الصفحات الثلاثين الأولى، ما يؤكّد قدرته على كتابة القصة والرواية، مع أنه لم يكتبها حسب علمي، لكن قصّه وروايته هنا واقعية حتى النخاع، لا خيال فيها لأنها لا تحتمل الخيال، وبدا عنصر التشويق واضحاً رغم المرارة والألم في المضمون.
وفي النهاية لا يسعنا الا أن نحييّ الكاتب الذي يؤكّد من جديد أنه قائد يستحق القيادة، وأن شعبنا يدرك ذلك من خلال انتخابه له عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني الأول، وأن محاولات تهميش دوره القيادي لن يُكتب لها النجاح
الميادين نت