حصار قطر وتداعياته – منير شفيق
لا شك في أن قرار السعودية ومصر والإمارات والبحرين في ضرب حصار بري وبري/جوي على دولة قطر، مع إبقاء، منفذ بري، وبري جوي، فقط، جاء مفاجأة وقلب ما كان قبله من معادلة خليجية، وراح يحمل تداعيات عربية وإقليمية ودولية. ومن ثم كان لا بد أن تندلع الأسئلة حول التوقيت والأسباب والهدف. أما الأهم حول تقدير الموقف من بعده، والاحتمالات والتداعيات. وهذا يتطلب تحليلاً موضوعياً بعيداً عن الانحيازات والموقف السياسي والتحريضي.
ولهذا يتوجب قبل محاولة التقدم بقراءة تحليلية وبتقدير للموقف أن يصار إلى التأكيد على موضوعتين استباقاً لكل تأويل أو سوء فهم: الأولى أن كل حصار لمدينة أو دولة هو عمل من أعمال الحرب، وكذلك كل إجراء يتضمن عقوبات اقتصادية ومالية في العلاقات بين الدول يحمل مخالفة للقانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة. ويؤدي إلى تسميم الأجواء والتأزيم. فهو من سياسة القوّة، وفرض الحلول من خلال القوّة.
أما الموضوعة الثانية فتتعلق بما صحب ذلك القرار من سياسة تربط بين المقاومة والإرهاب، ولا سيما إذا تعلق الأمر بالمقاومة الفلسطينية أو اللبنانية ضد العدو الصهيوني، لأنه يشكل طعناً للقضية الفلسطينية وتوطؤاً مع العدو الذي اغتصب فلسطين. مما يوجه إدانة تجريمية مسبقة لمتبنيه.
كان من بين الأخبار الكثيرة التي تلت ضرب الحصار على قطر أن وزيري الدفاع والخارجية جايمس ماتيس وريكس تيلرسون أعربا في 8/6/2017 عن مخاوفهما من انعكاسات سلبية للخلافات بين السعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة ثانية على الولايات المتحدة ووجها انتقادات إلى إدارة ترامب بسبب سوء التنسيق بين المسؤولين والتأخر في إطلاق أي مبادرة.
ويتابع الخبر بأن البيت الأبيض أعلن أن ترامب تحدث هاتفياً في وقت متأخر أول من أمس مع ولي عهد أبو ظبي وأكد على أهمية الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الأمن الإقليمي. “على أن لا يكون ذلك أبداً على حساب القضاء على تمويل التطرف أو هزيمة الإرهاب”.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد كشفت عن جدل داخل البيت الأبيض حول كيفية التعاطي مع الأزمة. وأشارت الصحيفة إلى عدة اتصالات واستفسارات أجراها ترامب، كما وزيرا الخارجية والدفاع تيلرسون وماتيس، مع الأطراف المعنية المختلفة. وتم التأكيد على “أن الولايات المتحدة لا تحتمل صدعاً في العلاقة بين السعودية وقطر”. وذلك لأسباب تتعلق بقاعدة العيديد أو بالسياسات الأمريكية ما بعد قمم الرياض.
إن من يقرأ ما تقدم لا بد له من أن يستنتج بأن الخطوة السعودية- الإماراتية- المصرية بفتح معركة مع قطر، ليست قراراً أمريكياً، وإنما قرار اتخذ بالدرجة الأولى من قبل السعودية. وقد جاء توقيته والتشجيع عليه، بعد مؤتمر قمم الرياض الثلاث مع دونالد ترامب. أما مدى التوافق مع أمريكا عليه فإن مسلسل ردود الأفعال الأمريكية شبه المتناقضة حوله يدل على اختلاف في الدرجة حول كيفية التعامل معه. بل يمكن اعتباره خاضعاً للضغوط اللاحقة في أثناء الأزمة. الأمر الذي يفترض بأن تنتهي تلك المسلمات التي تفترض التبعية بكل خطوة، وبالصغيرة أو الكبيرة على حد سواء. ومن ثم تبدأ قراءة سياسات الدول المتحالفة مع أمريكا تقليدياً ضمن هوامش أوسع بكثير مما تفترضه تلك المسلمات من حيث مدى تفرد كل طرف بقراره بعيداً من استخدام عبارة “الاستقلالية”. وهيظاهرة تجعل من غير الممكن قراءة السياسة لا سيما خلال السبع سنوات الأخيرة في إطار نظرية “المايسترو” المسيطر على كل أطراف اللعبة، أو معظمها. فالهوامش التي تتحرك فيها تلك الدول أصبحت واسعة إلى مستوى فتح معارك كبيرة. وما بين أيدينا من مثال صارخ يؤكد هذه الموضوعة.
بل عندما يعتبر وزيرا الخارجية والدفاع في إدارة ترامب بأن أمريكا لا تستطيع أن تحتمل صدعاً في العلاقة بين السعودية وقطر، فإن الأزمة القطرية مع السعودية ومصر والإمارات والبحرين قد تتطور إلى ما هوأبعد من مجرد صدع. وهذا يتوقف على مدى ما يمكن أن تذهب إليه قطر في تحديها له. ومن ثم اللجوء إلى استخدامها كل الأوراق المتاحة، لا سيما تركيا وإيران.
وبهذا يكون القرار الذي اتخذ بقطع العلاقات مع قطر وضرب الحصار البري، والجوي البري عليها قد أخطأ في احتساب موقف قطر، كما في تقدير الموقف عموماً، وما سينجم عنه من نتائج وتداعيات. لأن عدم استسلام قطر أمام هذا الضغط/التحدي الشديد سيحمل في طياته إعادة لترتيب الأوراق في المنطقة ما لم يسارع ترامب بما له من نفوذ لإيجاد تسوية سريعة تتضمن تراجع السعودية عن جزء أساسي من شروطها التي حملها أمير الكويت إلى قطر وذلك للحيلولة دون لجوء قطر إلى استدعاء قوات عسكرية تركية، وفتح علاقات تعاون قوية ومتعددة مع إيران. أما الأسوأ على أمريكا والسعودية إذا ما نجحت المبادرة الإيرانية التي حملها وزير خارجيتها ظريف إلى أنقرة.وأسفرت عن ذوبان الجليد في العلاقات بين إيران وتركيا وعن بدء مرحلة جديدة من التعاون انطلاقاً من أزمة الخليج الراهنة. إذا لم تبلور أمريكا موقفاً واحداً ومتماسكاً فيمعالجة الأزمة، ولم تتقدم بمبادرة لفرض حل لها. ومن ثم ضاعت بين إدانة ترامب لقطر بسبب “تاريخها في دعم الإرهاب” من جهة وبين موقفيْ وزيري الدفاع والخارجية ماتيس وتيلرسون الداعي للحوار والتسوية والمُحذر من أن الأزمة تضر بمصالح أمريكا، فإن الأزمة ستطول وتتعقد وتتفاقم تداعياتها. فما دامت السعودية وشركاؤها مصممين على فرض ما وضعوه من شروط على قطر، وما دامت أمريكا بلا سياسة مبلورة وموحدة، وبلا خطوة عملية حاسمة، سيكون أمام السعودية مواصلة العناد الخاسر، أو التصعيد لإنهاء الأزمة عبر مغامرة خطرة على وضع الخليج كله. فالعقل الذي اتخذ هذا القرار أقام حسابه على خضوع قطر له، وأن الرياح أصبحت تهب في مصلحته بعد ترؤس دونالد ترامب لقمم الرياض وما لوّح من عصا غليظة. ولهذا لم يحسب ما سيترتب من تداعيات إذا لم يحدث هذا الخضوع. ولم يحسب مواقف مختلف الدول إذا ما انتقلت الأزمة إلى المواجهة ولا سيما تركيا وإيران، وحتى ألمانيا. بل لم يحسب جيداً كيف ستتصرف أمريكا بالرغم من رهانه عليها.
وبكلمة، ما فعله هذا الحصار حتى الآن كان انتقالاً ببوصلة الصراع الذي أُريدَ من القمم الثلاث في الرياض بلورته إلى أولوية أخرى: “أزمة قطر” وتداعياتها أي بدلاً من إيران وحزب الله وحماس.