حكايات مقهى أبو دياب العلي عن الغاندي الحلقة 19
أبو محمد عبد الرازق يونس “غاندي” يافا ومخيم عين الحلوة
اُطلق على المرحوم أبو محمد عبد الرازق يونس لقب “غاندي” منذ أربعينات القرن الماضي نظرا لشبهه الكبير مع المهاتما غاندي، الزعيم الهندي المعروف، الذي أطاح بالاستعمار البريطاني في بلاده. لقد كان الزعيم الهندوسي نباتياً ولا يأكل اللحوم. كما كانت لديه “عنزة” ماعز يصطحبها معه أينما ذهب، فعندما يجوع كان يقوم بحلبها وشرب لبنها. يعني الزعيم غاندي كان تقريباً هندوسي “بدوي” مثل إخوانا البدو، هم يشربون لبن الإبل وهو يشرب لبن الماعز.
أما بطل حكايتنا غاندي الفلسطيني، أبو محمد عبد الرازق، يونس إبن مدينة يافا الفلسطينية التي تعتبر من أجمل مدن ساحل البحر الأبيض المتوسط وساحل فلسطين المحتلة. فقد اضطرته النكبة أن يفر الى لبنان مثله، مثل مئات آلاف الفلسطيينين الآخرين، الذين فروا باتجاه سوريا ولبنان.
لقد كان غاندي عين الحلوة ويافا أبو محمد عبد الرزاق يونس، رجلاً عصامياً وعاملاً مكافحاً، توفيت زوجته أم محمد في يافا قبل النكبة بقليل، تاركة له ولدين، هما محمد وأحمد وبنتاً سكنت فيما بعد في الأردن.
الغاندي، اليافاوي، الفلسطيني أبو محمد عمل قبل النكبة كسائق قطار في فلسطين وكان عادةً يقود القطارات المتجه الى مصر. كما كان يتقن مهنة الحدادة وعرف عنه أنه كان حداداً ماهراً ومحترفاً. فمنذ اللجوء الى مخيم عين الحلوة في لبنان على إثر النكبة سنة 1948، عمل حداداً في القطاع الخاص، أي عمل لحسابه، فكان يكره العمل عند أي رب عمل. فهو كان يرى في نفسه شخصاً عملياً ومهنياً محترفاً ورب عملِ من خيرة الأرباب. هذا يدل على حبه للحرية وأن يكون حراً وبلا قيود وتوجيهات خارجية..
عن الغاندي وهو كان واحداً من رواد مقهى المرحوم أبو دياب العلي، يقول صديقنا دياب العلي: “كأطفال كنا معجبون بالعم الغاندي، خصوصاً أنه كان يسمح لنا أن نتحلق حوله عندما يُشغل الكور (الكور هو عبارة عن منفاخ يدوي يستعمل للنفخ على النار كي لا تنطفيء)، و بتلك النار يُحمي الحديد، كي يصبح مطواعاً أمام مطرقته.”..
كان يصنع السكاكين وآلات الزراعة البسيطة وأواني القليّ وفي هذا الصدد يذكر دياب أن الغاندي كان صنع لعائلته مقلاة. بالنسبة لتلك المقلاة الغاندية، التاريخية، المخيمية، أكد صالح العلي شقيق دياب “أنها بقيت إلى أن دمر العدو الصهيوني المخيم في غزو صيف سنة 1982.”. فقد صمدت المقلاة الغاندية مدة ثلاثة عقود في المخيم… وأضاف صالح أن الغزو الصهيوني دمر أيضاً راديو الفيليبس الشهير والتاريخي لأبي دياب العلي. فكما أسلفنا في حلقةٍ سابقةٍ اشترى أبو دياب العلي الراديو في يافا سنة 1946. نجا الراديو من النكبة لكن دمرته سنة 1982 قوات الغزو (الاسرائيلي) مع مكوى وصحن صناعة فلسطينية. كان مكتوب عليهما “صنع في فلسطين”. كما أحرق الغزو المذكور بدلة رسمية فصلها المرحوم أبو دياب العلي في صفد لدى الخياط الفلسطيني الشهير توفيق الخوري. كلفت في حينه مبلغاً ضخماً قدر بثلاث جنيهات فلسطينية أي ما يعادل ثلاث حنيهات استرلينية.
الغاندي كان يثير إهتمام الأطفال وإعجابهم الشديد حيث كانوا يتجمهرون ويتحلقون حوله وهو يحضر “الكور” والعدة. كان إعجاب الأطفال به كبيراً. هذا بحسب دياب وصالح وآخرين. إذ قالوا: “كنا ننظر إليه كمخترع عتيد وخصوصاً عندما نتذكر أنه كان (شوفير ترين) يعني سائق قطار”.
يقال أن الرجل أي الغاندي كان رؤوفاً بحال العائلات الفقيرة فيقبل بما يدفعونه له مقابل صنع مقلاة أو سكين إلخ. يذكر دياب أن الغاندي “كان رجلاً عصامياً وأباً حنوناً ومربياً على قدر كبير من الأخلاق والمسؤولية. حيث نجح في تربية نجليه على عزة النفس وقد كان لهم أباً وأماً في ذات الوقت”.
شجع الراحل الغاندي ولديه على ممارسة الرياضة كالعدو (الركض) وكرة القدم (الفوتبول). فأصبح الاخوان الغاندي محمد وأحمد من نجوم فريق الوحدة في عين الحلوة. محمد لعب في مركز المدافع أما أحمد فكان مهاجماً سريعاً وهدافاً. ولو كانا يحملان الجنسية اللبنانية لكانا شقا طريقهما نحو النجومية والعالمية والاحتراف ولو على صعيد الدوري اللبناني والبطولات العربية. هذا التعسف والتمييز كان في ذلك الوقت يطبق أيضا على مجموعة رياضيين ولاعبي كرة قدم من مخيم عين الحلوة، كالكابتن أبو عماد “محمود الحيش” المقلب بالعجينه وعلي صبحة أبو لؤي والإخوة ميعاري وبلعوس والأخوين العبوشي وأبو الجاسر وغيرهم. ذنب هؤلاء أنهم كانوا فلسطينيين ولاجئين، حيث عاملهم القانون اللبناني بعنصرية ولازال يفعل ذلك وإن كان بشكل أقل بكثير من السابق.
هذا أيضاً كان ينطبق على الرياضيين الفلسطينيين الآخرين. تماما كما حصل مع الأخوين خليل وعطا النابلسي، بطلي الثنائي (للمصارعة الحرة للوزن الثقيل). اذ لم يستطيعا المشاركة في بطولات المصارعة خارج لبنان لأنهما كانا فلسطينيين. فالعالم المنافق لم يكن يعترف بفلسطين. في الحلقات القادمة سنتحدث عن رياضيي مخيم عين الحلوة ونجوم كرة القدم والمصارعة الفلسطينية في لبنان.
ختاماً نقول رحم الله العم الغاندي ونجليه محمد واحمد نجما الكرة المخيمية والفلسطينية في لبنان.
يتبع …
في 8-12-2021
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف