حكاية “أبو الانتفاضة” التونسي ميلود بن ناجح نومة!
بقلم: يوسف الشايب
في صحراء مدنين بالجنوب التونسي، وتحديداً في تلك المقبرة المتاخمة لمزار “سيدي مخلوف” الشهير هناك، يرقد جثمان الشهيد ميلود بن ناجح نومة، بين مئات الجثامين، فيما كتب على الشاهد الذي يحمل علم تونس في جهته اليمنى، وعلم فلسطين في جهته اليسرى ” الشهيد ميلود بن ناجح نومة من مواليد 1955 في محمدية سيدي مخلوف بمدنين، استشهد في عملية الطائرات الشراعية ضد العدو الصهيوني، شمال فلسطين في 25/11/1987″.
في بلدته يطلقون عليه اسم “أبو الانتفاضة”، فيما كان اسمه الحركة “أبو علي التونسي” في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، كما كشف شقيقه الناصر بن ناجح نومة لـ”منصة الاستقلال الثقافية”، لافتاً إلى أن شقيقه ميلود، كان في الحادية والثلاثين من عمره عند استشهاده في عملية الطائرات الشراعية بفلسطين، وكان أعزباً.
وقال نومة: كان ثورياً من صغره، ويكره الظلم، حيث يلجأ إليه الأطفال ممن يتم الاعتداء عليهم من قبل آخرين، أو الاستيلاء على حاجياتهم، ليأخذ لهم حقوقهم .. درس حتى الصف السادس، وغادر تونس في العام 1974، حيث كان في قرابة العشرين من عمره، ليعود بعد ثلاث إلى أربع سنوات لشهرين فقط إلى مدنين، قبل أن يغادرها ثانية .. ما أعرفه أنه في العام 1982، وخلال اجتياح قوات الاحتلال الصهيوني للبنان رفقة مجموعة من الشبان التونسيين والليبيين لنصرة الفدائيين الفلسطينيين، وحين لم يتمكنوا من دخول لبنان بسبب احتلالها، مكثوا في سوريا، وانضموا إلى فصائل فلسطينية، وهناك تدربوا في صفوفها حتى العام 1987، الذي شهد قمة عربية انشغل فيها الزعماء بالقضية العراقية الإيرانية متناسين القضية الفلسطينية، فنفذ ورفاقه العملية الشراعية الشهيرة”.
وكشف أنه مما جاء في وصية شقيقه الشهيد “أنا ميلود نومة من الجنوب التونسي، وإثر الاجتماع الطارئ وتناسي الزعماء العرب للقضية الفلسطينية، قررت ورفاقاً لي القيام بهذه العملية، لأعيد الاعتبار إلى القضية الفلسطينية، التي هي القضية الأم”.
وأشار الناصر، ويصغر شقيقه الشهيد، إلى أن ميلود كان يتواصل معه والعائلة، عبر الرسائل البريدية لا الفاكس الذي كان حديثاً وقتها ويخضع للمراقبة، وذك باسم مستعار هو “أبو علي التونسي”، عبر التاجر حسن، ومنه إلى آمنة إبراهيم في سوريا، خاصة أن الحكومة التونسية وقتها كانت تشدد الرقابة علينا .. وقال: كان وعدني أنه في حال زفافه، فإنه سيرسل لي كي أحضر زفافه حيث يكون في سوريا أو لبنان، لكنه اختار الشهادة، ونفذ العملية كي يلفت انتباه العالم إلى أن ثمة تونسياً وعرباً آخرين يدفعون أرواحهم فداء لفلسطين”.
وكان والدا الشهيد على قيد الحياة عند تلقي نبأ استشهاده، فالأب توفي في العام 1993، أما الأم فتوفيت في العام 2003 .. وتذكر شقيقه الأكبر العمار بن ناجح نومة: شقيق لنا يعمل في السعودية، قرأ النبأ في الصحف، وأبلغنا، وما كان من والدتي إلا أن زغردت فور سماع النبأ، بينما كانت كل نساء المنطقة يزرنها ويقبّلن يديها، بينما كان والدنا يردد على الدوام “الحمد لله أنني دفنت لحماً في فلسطين”.
وأشار العمار نومة إلى أن شقيقه انطلق من مخيم الوافدين في سوريا إلى الجنوب اللبناني الذي كان محتلاً في العام 1987، باتجاه معسكر “غيبور” في شمال فلسطين، وكان برفقته اثنين فلسطينيين لا يزالا مجهولي الهوية، والسوري خالد أكر .. المعسكر استنجد بقوات الصهاينة في تل أبيب، وبدأ إطلاق القنابل المضيئة، وعلى إثر ذلك قرر ميلود أن يشكل درعاً واقياً للفدائيين الفلسطينيين، خاصة بعد استشهاد الفدائي السوري، حتى حلقا كل بطائرته الشراعية، وحين حلق هو كان دون حماية، فأطلق الصهاينة النار باتجاه طائرته الشراعية وأصابوا جانبها الأيمن بصاروخ، فسقط في جبال حلتة بجنوب لبنان، وهي منطقة محتلة، آنذاك، وهناك حدثت مواجهة مسلحة بينه وبين مجموعة من الجنود الصهاينة، واستشهد في صباح الخامس والعشرين من نوفمبر العام 1987″.
وأشار موقع “شبكة فلسطين للحوار” إلى أنه “وبعد اتصالات عاجلة بين نقاط المراقبة الصهيونية بدأت دوريات الاحتلال في مسح الحدود لكشف تواجد مقالتين آخرين، وفي دورية مشتركة مع خونة جيش لبنان الجنوبي، عثر على طائرة ميلود المحطمة، الذي كان يختبئ على مقربة بعد أن التوي كاحله جراء هبوطه العنيف.. لم يستسلم ميلود وقاتل”، واستطاع أن يقتل “خمسة من جنود العدو قبل استشهاده”.
ولفت العمار نومة إلى أن جثمان شقيقه الشهيد ميلود، بقي أسيراً لدى “الصهاينة لواحد وعشرين عاماً، حيث أفرج عن جثمانه في العام 2008، خلال عملية تبادل الأسرى مع حزب الله اللبناني، وكان من بين ثمانية جثامين له ولرفاقه من التوانسة، الذين نقلوا إلى تونس، وكل دفن في منطقته، وهو من شهداء عملية “قبية”، أو عملية “الطائرة الشراعية”.
توجهت رفقة الشقيقين إلى حيث المقبرة، وكانا لا يتوقفان بالحديث عنه، وعن إحياء ذكرى استشهاده الحادية والثلاثين، التي تتوافق وذكرى الانتفاضة الفلسطينية، مؤخراً .. كانا يتحدثان بكل الفخر، قبل أن يرفعا يديهما إلى السماء بقراءة الفاتحة على روحه.
أما موقع قناة “المنار” التابعة لحزب الله اللبناني، فلفت إلى أنه وبعد “عملية ما يسمى سلامة الجليل التي على إثرها اجتاح جيش الاحتلال “الإسرائيلي” بيروت والجنوب اللبناني العام 1982، وقف رئيس حكومة الاحتلال آنذاك، مناحيم بيغن، وقال لسكان المستعمرات شمال فلسطين المحتلة: الآن آن الأوان كي تنعموا بالهدوء والأمن والاستقرار إلى الأبد وإن أي أذى لن يلحق بكم بعد الآن، كانت عملية شهداء قبية (الاسم الثاني لعملية الطائرات الشراعية) النوعية برهاناً لتكذيب مزاعم بيغن وباقي من تبقى من قادة الاحتلال، حيث أن الفوضى والرعب دخل إلى قلب المؤسسة العسكرية (الإسرائيلية)”.
ونقل الموقع ذاته عن وصية الشهيد السوري خالد أكر، قائد العملية قوله إن التسمية جاءت “لأن ذاكرة العربي الفلسطيني المقاتل لا تنسى، ولكي يظل الوطن محفوراً في الوجدان والذاكرة ويظل الشهداء ماثلين أمامنا أطفالاً ورجالاً وشيوخاً ونساءً، وحتى لا ننسى تفاصيل قرانا ومدننا وفلسطين الوطن. حملت عملية الطائرات الشراعية اسم قبية، لتكون قبية تاريخ فجر جديد مشرق بالانتماء لكل فلسطين: الأرض والإنسان، فلسطين هوية الأحرار والمناضلين”.
وفي يوم الأربعاء الرابع عشر من تشرين الثاني (أكتوبر) 1953، تعرضت قرية قبية قضاء رام الله، إلى مجزرة بقيادة ارئيل شارون، خلفت 51 شهيداً من سكانها، و15 جريحاً ومن المدنيين والمواطنين المسالمين المجردين من السلاح، ثم قامت قوات جيش الاحتلال بنسف غالبية منازل القرية الصغيرة.