حكاية وشهادة أبو غالب الصالح
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
عند الكتابة عن الصفصاف وناسها ووجهاءها وشخصياتها يجب التعريج الى دارة أبي غالب الصالح في مخيم عين الحلوة. فهذا الرجل رحمه الله كان من الشخصيات المعروفة في المخيم وفي الصفصاف. هو من مواليد قرية الصفصاف قضاء صفد، على سفح جبل الجرمق سنة 1921. توفي في ايار سنة 2013 عن 92 عاماً. كان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني
اسمه محمد خالد الصالح. أبناؤه الأستاذ غالب وأحمد وطالب وجمال ومحمود وخالد. من أحفاده فادي أحمد الصالح، الشاب الذي برز في السنوات الأخيرة في مخيم عين الحلوة، لكنه غرد خارج سرب العائلة المعروفة بانتمائها لحركة فتح، ففادي اختار الاتجاه الاسلامي وانضم الى حركة حماس، نقيض فتح وألذ الذين يواجهونها ويصارعونها للسيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية. مع أن والد فادي هو اللواء أحمد الصالح، الفتحاوي المعروف.
قبل النكبة كان أبي غالب الصالح وعائلته يملكون بقرة حلابة في الصفصاف وكانت تعتبر البقرة ثروة في ذلك الزمان الفلسطيني. حكى لي والدي أنه كان يملك كلباً في الصفصاف وكان كلباً شرساً، يدعى “ريكس” وكان أبي غالب الصالح يشكو الكلب الى والدي. لأن الكلب كان يعترض طريقه عندما يعود ليلاً الى الصفصاف. ذات ليل وبينما كان أبي غالب عائداً هاجمه الكلب ريكس فقام باطلاق النار عليه من بندقيته مما أدى الى مقتله. عندما علم والدي بالأمر جُن جنونه فقد كان يحب الكلب حباً جماً… قرر أن يقتل بقرة أبو غالب، البقرة الحلوب، ثأراً للكلب. لكن بعد مرور أيام وتدخل وسطاء من أهل الصفصاف تصالح والدي هو وأبو غالب. فقد شرح له الأخير قصة ريكس ومهاجمته واضطراره للدفاع عن نفسه واعتذر عن قتله. هذه القصة رواها لي أبي وربما سمعها آخرون منه. لا أدري هل حكاها أبو غالب لأبنائه أم لا.
كان المرحوم خالد الصالح يحب الحديث عن الصفصاف وبحكم سنه 27 سنة يوم خرج من فلسطين لاجئاً الى لبنان، فقد كان يتذكر كل شيء تقريباً. فإن سألته عن حدود الصفصاف وعائلاتها يقول لك بلا تردد وطول تفكير: “ميرون من الجهة الجنوبية، الجش والرأس الأحمر من الجهة الشمالية، من الغرب سعسع، فيما من الشرق طيطبا وقديثا. أما عائلات البلدة فكان أبو غالب يعرفها كلها. ويخدثك عن بيوت البلدة كما لو أنه تركها يوم أمس.
قرأت نقلاً عن لسان أبي غالب الصالح أنها كانت بيوت لعائلات الصفصاف وكانت مثل بناية من البنايات حاليا، كل الجدران متصلة ببعضها البعض كأنها منزل واحد، مبني من التراب والصخور التي كانت تؤخذ من جبل قريب من البلدة. (المقصود على ما يبدو جبل الجرمق واليهود يسمونه جبل ميرون)… يضيف أبو غالب رحمه الله أن كل الطرق في القرية كانت ترابية باستثناء “طريق عام واحد” كان يمر على جانب الصفصاف”. يبدو المقصود الطريق العام حيث خط نقل أوتوبيس صفد – حيفا، الذي كان يتوقف بين الصفصاف والجش. أما الوسيلة التقليدية للنقل فكانت كما في كل قرى فلسطين هي الدواب والخيل.
عندما خرج الحاج أبو غالب الصالح من فلسطين توجه كما غالبية أهالي البلدة والجليل الى جنوبي لبنان. ثم استقر به المطاف في مخيم عين الحلوة كما الغالبية الساحقة من أهل الصفصاف في ذلك الوقت من الزمن الفلسطيني التراجيدي، العجائبي والغرائبي، زمن التشرد واللجوء، الذي أراده أعداء فلسطين أن يكون زمناً للتيه والضياع والفناء. لكنه أصبح زمناً للبقاء وللانطلاق من الخيام والعراء الى العلم والتطور والنضال والفداء.
ألتحق أبو غالب الصالح كما غيره من الفلسطينيين بحركة فتح. حتى كان بيته مفتوحا وديوانا للفتحاويين من أبناء المخيم ومن كل الفلسطينيين. بمناسبة الحديث عن الديوان المذكور فإن المرحوم محمد خالد الصالح – أبو غالب – في حديث مع موقع فلسطيني يعنى بالتراث قال عن الدوواين في بلدة الصفصاف التالي: تعددت الدواوين كباقي القرى الفلسطينية، فكان لدار الصالح ديوان خاص بهم، وعند دار الزغموت، وحمد، وشريدي، ويونس، فلكل عائلة ديوان خاص بها وكان الذهاب إلى الديوان كذهابنا اليوم إلى السينما والمقاهي، يجتمع فيها الرجال ويسهرون ويتحدثون لتمضية الوقت. وأضاف أن مختار الصفصاف في ذلك الوقت “عبد الله الخالد”.
لقد مر على الصفصاف قبل النكبة عدد من المخاتير من عائلاتها الكبيرة مثل الزغموت وحمد وشريدي وربما يونس. أما على صعيد التعليم في الصفصاف فكما أصبحتم تعرفون كانت هناك مدرسة ابتدائية في البلدة تقع في الجهة الغربية من الصفصاف. الدراسة هناك كانت لغاية الصف السادس ابتدائي. درس فيها أبو غالب الصالح وكثيرين آخرين أكبر ,اصغر منه سناً، منهم والدي أبو جمال حمد وعمي ابو حسين حمد والأستاذ أبو ضياء الصالح والمرحوم الاستاذ صالح حمد أبو عماد والاستاذ محمود عوض يونس والأساتذة قاسم وابراهيم وعلي وخليل حمد الخُجا… والمرحوم أبو اسماعيل حمد جميل الزينة والمرحوم حمد حمد والاستاذ فوزي شريدي والشاعر المرحوم محمد دغيم ومعظم فتية البلدة في ذلك الوقت وص ,ىخريبية عائلاتها. هناك كثيرين لا استطيع عدهم وتسميتهم كلهم … كما كان من أساتذتها العم الراحل أبو طالب حمد ومعظم أبناء جيله والأصغر منه سناً. كما كل أهل البلدة الذين تلقوا تعليمهم فيها.
على سيرة الأساتذة يتذكر المرحوم الحاج أبو غالب بعضهم ويترحم عليهم ومنهم الأساتذة “بديع”، “العباسي” و”حكمت قدورة”. ويقول أن الذين كانوا يريدون مواصلة الدراسة في المدارس التكميلية والمتوسطة فكانوا يذهبون الى مدارس صفد.
لفت انتباهي في شهادة أبي غالب الصالح الجملة التالية “لم تتردد إلى المدرسة سوى القليل القليل من الفتيات”. هذه أسمعها لأول مرة من ختايرية الصفصاف ولا استطيع إبداء رأي فيها لأن أحد من الختايرية لم يتحدث عن ذلك سابقاً، أما أنا فلم يخطر على بالي أبداً توجيه هذا السؤال لأي منهم. فقد كان الاعتقاد السائد لدي أن المدرسة في قرى الجليل كانت للذكور فقط. ربما أن الشقيقين الصديقين علي ومحمود زيدان يملكان الجواب.. ربما خالهم الأستاذ أبو ضياء الصالح لديه الجواب… لذا أترك هذا الأمر للذين يعرفون كي يتفضوا بإبداء الرأي في هذا الموضوع الهام.
في البلدة كانت هناك عين ماء تاريخية معروفة من زمن الرومان. كانت تروي الناس وأرضهم وزرعهم. حتى أن الصهاينة حولوها لمقبرة لأهل البلدة يوم سقوطها وارتكاب المجزرة فيها. كما كان في البلدة مسجد وحيد. بحسب معلوماتي كان الخُجا الكبير من عائلتنا حمد، هو الذي لف ودار فلسطين يجمع المساعدات لبنائه وكان هو أول مؤذن له.
عن المسجد يقول الحاج أبو غالب: “كان في البلدة مسجد واحد يقع في المنطقة الجنوبية وعرف شيخه بـ “سعيد عبد القادر”. أما عن الطبابة فكان العلاج العسير يتم في صفد ولم يكن هناك عيادة في البلدة ولا طبيب. أما عن الزراعة يؤكد الحاج الصالح ” أكثر ما كان يزرع في البلدة الدخان والتين والعنب والزيتون، كما عرفت الصفصاف بطرشها من أغنام وبقر”..
يقول أبو غالب الصالح في حديثه لآلاء قدورة ودينا آغا من موقع هوية: “الصفصاف آخر بلدة سقطت في الجليل وفلسطين، جاء اليهود في الساعة السادسة مساء بصحبة الطائرات والدبابات واستمرت الاشتباكات حتى الساعة السادسة صباحا، اثنتا عشرة ساعة من اطلاق النار والدفاع متواصل، وقد بقي أهالي الصفصاف خلالها داخل البلدة.. كانت البواريد المستعملة انجليزية وفرنسية وألمانية. على قول الحاج أبو غالب، الذي بدوره كان واحداً من المقاتلين والمدافعين عن البلدة، فإن اليهود قد تكبدوا خسائر كبيرة جدا”.
يشار الى أن الصهاينة ارتكبوا مجزرة بعد احتلال البلدة يوم 28-29 تشرين الأول 1948، وأعدموا أكثر من مائة شخص مدني أبرياء أكثر من نصفهم من ابناء وبنات الصفصاف، فيما البقية كانت من أهالي قرى مجاورة فروا الى الصفصاف بعد سقوط بلداتهم.
بعد سقوط الصفصاف مكث الحاج أبو غالب بضعة أشهر في البرج الشمالي قرب مدينة صور اللبنانية وبعدها رحل إلى صيدا واستقر في مخيم عين الحلوة وبقي فيه الى أن وافته المنية. كان المرحوم قبل وفاته وفي مقابلة أجريت معه سنة 2011 قال أنه عاصر جد أبيه أي الحاج علي الصالح وهذا الأخير كان عاش حياة مديدة بلغت 120 سنة واستمرت الى أن توفي في الصفصاف حين كان أبي غالب يبلغ من العمر ثماني سنوات فقط، يعني سنة 1929 م.
المرحوم أبو غالب الصالح كان متزوجاً من الحاجة لطيفة يوسف دعيبس شقيقة الأستاذين الراحلين شحادة وعطا دعيبس وهي من الصفصاف. أنجب منها: غالب، طالب، أحمد، محمود، جمال، منى، هناء، وهلا. بعد وفاة الحاجة لطيفة – أم غالب – تزوج الحاج أبو غالب من السيدة وسام ياسين من بلدة الرأس الأحمر وأنجب منها: خالد، فاطمة، فايزة وهندية.
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
18-12-2021