حكومة مردخاي!-عبد اللطيف مهنا
في محاضرة له مؤخراً كرر وزير الحرب السابق الجنرال موشيه يعلون مواقفه ومعها مواقف كافة تلاوين غلاة اليمين الصهيوني القائلة بعدم إخلاء مستعمرات التهويد التي ابتلعت غالبية الأراضي في الضفة وانتثرت في كامل مساحتها، وفي محادثات مغلقة تم تسريبها، أكَّد آفي غابي رئيس حزب العمل بأنه لا يوجد فرق بين موقفه وموقف الجنرال يعلون فيما يتعلق بالمستعمرات. هذا يعني ببساطة أن كافة المستوي السياسي الصهيوني الفاعل، وبغض النظر عن تصنيفاته يميناً ويساراً، هو مجمع على ذات السياسة التهويدية التي يقودها الإتلاف النتنياهوي، ولأمر بسيط أيضاً، وهو أنها ذات الاستراتيجية الصهيونية المعتمدة والمجمع عليها منذ بدء الصراع على فلسطين ونشوء الكيان الغاصب، والتي ستظل ملازمة له ما ظل قائماً على أنقاض الوطن الفلسطيني.
الاستراتيجية وسياساتها والمواقف المعبِّرة عنها لا من جدة فيها سوى اقترابها من الاجهاز على ما لم يهوَّد بعد من الضفة، لذا، لابد وأن يكون لها ما يوازيها بالضرورة من تصعيد آخر يتبدى عملياً وبجلاء الآن في الضفة، لاسيما وأن اوسلوا أدَّت ما عليها…اعتراف بالكيان، تنازل عن 78% من فلسطين، ما تبقى أراض متنازع عليها، والمتنازع عليه هوِّد أغلبه وما تبقى قيد التهويد، والسلطة بلا سلطة باتت لا تعني أكثر مما كان يراد توظيفها للقيام به، وهو تحوُّلها إلى أداة أمنية في خدمة أمن الاحتلال وحفظه، وتوفير احتلال مريح له وهو ما هو بالكائن، كما ويتم تطوير تخادمها باضطراد اتساقاً مع منجزات التهويد إلى مقاول باطن في مشوار تصفية القضية وآخر محطاته “الحل الإقليمي”، أي النتنياهوي في نسخته الترامبوية المسماة “صفقة القرن”…لذا:
تشتكي سلطة أوسلو الآن مما دعته “حكومة ظل” احتلالية في الضفة، ومقرها في مستعمرة “بيت إيل”، أي على مبعدة من “المقاطعة”، أو مقر رئاسة السلطة في رام الله، بما لا يتجاوز كيلومتراً واحداً. رئيس هذه الحكومة هو الجنرال يوآف مردخاي، المسمى رسمياً “منسق شؤون المناطق”، أما مهمتها، إلى جانب متابعة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، فهى ممارسة سياسة تصعيدية موازية لما أنجزته استراتيجية التهويد، وتتوائم مع آخر ما رست عليه نسخ المشاريع التصفوية المطروحة، فتتمثل الآن في خطوات سحب مضطرد لأجزاء من صلاحيات السلطة المحدودة التي سمحت بها بنود اتفاقية أوسلو…سحبت سلطاتها الأمنية في مناطقها، دونما التخلي عن دورها الوظيفي كأداة أمنية في خدمة الاحتلال، وتحويلها إلى ما لا يزيد كثيراً عن بلدية، بمصادرة أجزاء واسعة من صلاحياتها المدنية تباعاً على محدوديتها، لتصبح فعلاً أقل من حكم ذاتي محدود، والأقرب إلى مقاول يوكل الاحتلال له ما يريد منه القيام به، مقابل الإبقاء عليه، أو السماح له بالاستمرارية المدروسة وإلى حين…مثلاً:
بات المنطقة التي تدعى “ج”، وفق التقسيمات الثلاث التي رسمتها اتفاقية أوسلو، والتي يطالب الوزير بينت بضمها للكيان، محرَّمة تقريباً على السلطة، ذلك بإيقاف صرف مئات التصريحات الي تسمح لضباط أمنها بالتحرك فيها. ولا يقتصر الأمر على هذه المنطقة، بل يتعداها إلى سحب الكثير من صلاحياتها في المنطقتين “أ” و “ب”، كعدم السماح، مثلاً، بنقل موقوفين جنائيين بين المدن المحاصرة بالحواجز العسكرية لمحاكمتهم، بل والقفز عليها بالتدخُّل المباشر في حياة المواطنين عبر التحكم في معاملاتهم المعيشية اليومية، الأمر الذي يفسِّر زيادة عدد الموظفين في ما تسمى “الإدارة المدنية” التابعة للاحتلال، وكذا، تقسيم الضفة إلى مناطق، وتعيين قائد عسكري رفيع على رأس كل منطقة لإدارتها، ومنحه من الصلاحيات ما هو أعلى من السلطة والفوق منها، وصولاً إلى إصدار قرارات إغلاق مؤسسات، ومحال تجارية، ومكاتب إعلامية، ومحطات إذاعة وتلفزيون، واعتقال صحافيين، ومعلقين على شبكات التواصل الاجتماعي…إنهم بذا يطبقون حلهم الاحتلالي، بمعنى تصفية القضية خطوة خطوة وفق رؤيتهم لأنهائها، وكله والسلطة لا تملك من أمرها سوى استجداء التسوية في الحافل الدولية والمطالبة ب”حل الدولتين”!!!
إن هذا الذي يتم يشي بوشيجة تربطه مع ما يسرِّبه الإعلام الصهيوني حول ما بات يطلق عليها مبادرة ترامب، والتي يقولون أنها سوف تطرح عما قريب في بازار تصفية القضية، هذا الذي يجري الإعداد لإقامته على قدم وساق، وانطلاقاً مما يقال عن وجود قناعة لدى البيت الأبيض بأن “رئيس السلطة، محمود عباس، إنسان جدِّي جدَّاً، ومعني بالسلام مع الإسرائيليين”…القناة الثانية في الكيان الاحتلالي وصفت المبادرة المرتقبة بالمختلفة عن كل سابقاتها من المبادرات الأميركيات، وإن أهم ما فيها ويروق للصهاينة أنها “لن تجبر الأطراف على الموافقة عليها”، وإن تفاوض الأطراف عليها مرجَّح أن يتم في عواصم عربية، وأن لا من مرجعية أو سقف زمني له، والأهم، أنه سوف يبدأ باتفاقيات سلام مع دول عربية لم تكشف المصادر الصهيونية عنها …وصولاً للسلام الإقليمي أولاً، الذي لطالما دعا وألحَّ نتنياهو عليه!!!
…أما السلطة، فالمفارقة أنه قد بات ما من شاغل لها مؤخراً إلا التأكيد على أهم شرط من شروط نتنياهو لقبول الاحتلال بالمصالحة الفلسطينية، أي نزع سلاح غزة…ومنه قول رئيسها، “لا نريد ميليشيات، وهذا ما نقصد به المصالحة وما نعمل عليه”!!!