حوار _ القنطرة _ مع الكاتبة الهندية البارزة أرونداتي روي
إبان انتخابات الهند 2019
حقد شوفيني هندوسي قد ينفجر على 150 مليون مسلم هندي
“الهند أخطر بكثير منها قبل 10 أعوام”، تقول الكاتبة الهندية الشهيرة أرونداتي روي في حوار لموقع قنطرة مع الصحفي دومينيك مولر، متحدثةً عن دوام شعبية الحركة القوموية الهندوسية وكراهية المسلمين في الهند وازدواجية الغرب في تعامله مع رئيس الوزراء القوموي ناريندرا مودي.
في روايتك “وزارة السعادة القصوى”، الصادرة في عام 2017، تسخرين من رؤساء وزراء الهند: حيث وَصَفْتِ مانوهان سينغ بأنَّه أرنب يرتدي عمامة، وأشرت فيما يتعلَّق بخليفته ناريندرا مودي إلى حجم صدره المذهل والبالغ مترًا واثنين أربعين سنتيمترًا، والذي كان يبرزه تقريبًا في جميع خطاباته خلال الحملة الانتخابية الأخيرة كتعبير عن رجولته وقوَّته. فهل ما يزال بوسعك الضحك بسخرية من القادة السياسيين في الهند؟
أرونداتي روي: الشخصيَّات في الرواية هي شخصيَّات مُركَّبة. والضحك في الأدب أو في الحياة لا علاقة له براحة البال. وهذا الضحك في الحقيقة هو واحد من أعظم الأشياء التي تحدث حاليًا: الفاشيّون – ناريندرا مودي وجميع الأشياء الفظيعة التي تحدث في الهند – تتم مواجهتهم بالسخرية. وهذه أوَّل إشارة إلى أنَّ الناس يرفضون قبول هذه السلطات أو المعطيات الواقعية. ولذلك فإنَّ هذه السخرية لا علاقة لها بعدم التعامل بجدِّية مع شيء ما. الضحك في الواقع هو شيء سياسي جدًا.
يُفضِّل الكثير من الكتَّاب الهنود العيش في الولايات المتَّحدة الأمريكية أو في بريطانيا. أنتِ تعيشين منذ عقود من الزمن في نيودلهي. ولكنكِ أنهيتِ روايتك الأخيرة فيما يشبه المنفى المؤقَّت في لندن. فما السبب؟
أرونداتي روي: صحيح أنَّني غادرت لأنَّني كنت خائفة، ولكنني عُدت بعد عشرة أيَّام لأنَّني في الواقع لم أكن أرغب في المغادرة. باختصار: لقد كنت مؤقّتًا بحالة ذعر. قبل ذلك كان يوجد هجوم كبير على الجامعات وعلى الطلَّاب والمدرِّسين والأساتذة الجامعيين والمناهج التعليمية. تعرَّض الناشطون الطلَّاب للهجوم والاحتجاز، وعندما مثلوا أمام المحكمة قبل بدء محاكمتهم تعرَّضوا للضرب.
بعد ذلك – وعلى واحدة من تلك المحطات التلفزيونية العديمة المستوى، التي كانت لها شعبية كبيرة في تلك الفترة – قال المذيع: “نعم، هؤلاء الطلَّاب يفعلون كلَّ هذه الأشياء الفظيعة. ولكن مَنْ هو العقل المدبِّر الذي يقف وراءهم؟ مَنْ كتب حول السدود؟ مَنْ كتب حول الهجوم على البرلمان؟ وحول كشمير؟ ومَنْ انتقد تجارب القنبلة النووية؟ إنَّها هذه المرأة، فلماذا لا تزال طليقة ولا يتم وضعها خلف القضبان”.
كان ذلك كأنَّهم كانوا يبيعونني إلى الهمجيين. لقد حدث لي هذا ذات مرة من قبل، ولكن هذه المرة كنت – حرفيًا – على بعد أسابيع فقط من إنهاء كتابة روايتي، التي كنت أعمل عليها منذ عشرة أعوام. كنت ضعيفة للغاية لأنَّني لم أكن أرغب بتاتًا في الدخول في وضع لا أتمكَّن فيه من إكمالها. وبالتالي فقدتُ أعصابي وغادرت. ولكن بعد ذلك شعرتُ بأنَّني يائسة جدًا لدرجة أنَّني عدت.
أنتِ تشيرين منذ فترة طويلة إلى اندماج التيَّارات السياسية الليبرالية الجديدة واليمينية المتطرِّفة في بلدك. هذا لا يحدث في الهند فقط، بل إنَّ هذه ظاهرة من الممكن اليوم – مع الأسف – ملاحظتها في العديد من البلدان الأخرى. لكن يبدو أنَّ هذا الاندماج متقدِّم جدًا في الهند. فكيف حدث ذلك؟
“”هدم فاشية الهيندوتفا”: لوحة جدارية سياسية في جامعة جواهرلال نهرو في نيودلهي. ينتشر في الهند خوف كبير خاصة بين المسلمين وسخط على قومويي ناريندرا مودي الهندوسيين. وهذا ليس من دون سبب، لأنَّ حزب بهاراتيا جاناتا يُعتبر الذراع السياسي لحركة هيندوتفا، التي يقول أتباعها إنَّ الهند ملك للهندوس. حدثت في عهد ناريندرا مودي عمليات قتل على يدّ غوغائيين لأشخاص تم اتِّهامهم بإحضار أبقار إلى مسلخ وذبحها أو أكلها – الهندوس يقدِّسون البقر. وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فقد بلغ عدد ضحايا مثل هذه الهجمات بين أيَّار/مايو 2015 وكانون الأوَّل/ديسمبر 2018 أربعة وأربعين قتيلًا – من بينهم ستة وثلاثون مسلمًا.
{القوة المسيطرة في الهند هي منظمة اسمها المختصر “آر إس إس” تم تأسيسها في عام 1925 على غرار حركة القمصان السوداء التي أنشأها موسوليني. وأتباعها يتحدثون بصراحة حول إعلان الهند دولةً هندوسية ويقولون دائمًا ’يجب أن يتم تغيير الدستور الهندي‘. ورئيس الوزراء ناريندرا مودي هو – مثل معظم وزراء ونواب حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم – عضو في هذه المنظمة.}
أرونداتي روي: أنا أكتب منذ عشرين عامًا حول ذلك. بدأ ذلك في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات. في تلك الفترة، فتحت حكومة الكونغرس حاجزين موصدين: من ناحية من خلال الادِّعاء بأنَّ مسجد بابري مجيد في مدينة أيوديا هو في الواقع مسقط رأس الإله الهندوسي رام. ومن ناحية أخرى من خلال افتتاح السوق الهندية الحرة. وقد شجَّع هذا نوعين من الشمولية: أصولية السوق الليبرالية الجديدة وهذه القوموية الهندوسية الشوفينية الدينية. وكلاهما يغازل الآخر. وأحيانًا قد تبدو هاتان الأصوليّتان متناقضتين – واحدة من العصور الوسطى والأخرى عصرية، غير أنَّهما في الواقع تشكِّلان شريكَيْ حياة عاشقَيْن لبعضهما.
من المعروف أنَّ رئيس الوزراء الهندي الحالي، ناريندرا مودي، كان خلال المذبحة الأخيرة الكبرى عام 2002 في ولاية غوجارات، رئيسًا لحكومة تلك الولاية. لقد قُتِلَ في تلك المذبحة أكثر من ألف شخص، معظمهم من المسلمين. حتى يومنا هذا، يتَّهم الكثيرون من ناشطي حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين ناريندرا مودي بالسماح بارتكاب هذا المذبحة وحتى بتبريرها فيما بعد. فكيف يمكن لكبرى الشركات الهندية والدولية – مثل أمبانيس وتاتاس وميتالس وأدانيس وحتى شركة غولدمان ساكس – أن تراهن عليه وتدعمه؟
أرونداتي روي: كانت السياسة الاقتصادية الجديدة بحاجة إلى رجل قوي، وكانت بحاجة إلى انعدام الضمير في تهجير الناس والاستيلاء على الأراضي وتغيير قوانين العمل. وعندما قام بحملته الانتخابية من أجل منصب رئيس الوزراء في عام 2014، اختفت ألوان الزعفران (رمز أتباع حركة هندوتفا) وارتدى بدلة عمل. ومن المحزن أنَّ العديد من المثقَّفين الليبراليين أيضًا قد احتفلوا بعد ذلك بوصوله إلى منصب رئيس الوزراء بطريقة أعتقد أنَّها مخجلة. لقد حاولوا محو مذبحة غوجارات، وفعلوا كأنَّما الهندوتفا – التي تمثِّل أجندة اليمين الهندوسي – باتت تعتبر شيئًا من الماضي.
حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي هو الجناح السياسي لمنظمة سياسية أكبر بكثير. فما هي الخلفية الإيديولوجية لهذه المنظمة؟
أرونداتي روي: القوة المسيطرة في الهند ليست حزب بهاراتيا جاناتا، بل هي منظمة اسمها المختصر “آر إس إس” – “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” – تم تأسيسها في عام 1925 على غرار حركة القمصان السوداء التي أنشأها موسوليني. وأتباعها يتحدَّثون بصراحة حول إعلان الهند دولةً هندوسية ويقولون دائمًا ’يجب أن يتم تغيير الدستور الهندي‘. وناريندرا مودي هو – مثل جميع وزراء ونوَّاب حزب بهاراتيا جاناتا تقريبًا – عضوٌ في هذه المنظمة. كما أنَّ كلَّ مؤسَّسة في الهند – سواء الجيش أو الجامعات أو المحاكم أو أجهزة الاستخبارات – مخترقة من قِبَل منظمة “راشتريا سوايامسيفاك سانغ”.
تمثِّل الإسلاموفوبيا عنصرًا أساسيًا في أيديولوجية الهندوتفا. فكيف يؤثر ذلك – بصرف النظر عن استخدام العنف الغاشم في الحياة اليومية – على المائة وخمسين مليون مسلم في الهند؟ وهل ترفع منظماتهم صوتها علانيةً ضدَّ التمييز والسياسات الحكومية؟
أرونداتي روي: على الرغم من أنَّهم منظَّمون تنظيمًا جيِّدًا، ولكن لديهم بطبيعة الحال خوف كبير. وهم يعزلون أنفسهم أكثر بمجرَّد ممارستهم النقد العلني. لأنَّ الناس يقولون بعد ذلك: “يا إلهي، انظروا إليهم – إنَّهم منظَّمون، وبالتالي فهم أيضًا خطيرون جدًا”. والفضاء الذي يتحرَّكون فيه ضيِّقٌ ومليء بالخوف. لقد انعكس هذا الضيق أيضًا في الحملة الانتخابية السابقة: إذ إنَّ حزب المؤتمر لا يتحدَّث عن المسلمين، فهو يعرف أنَّه (إذا فعل ذلك) فسيتم وصفه على الفور كـ”حزب مسلم”. ونتيجة لذلك يتحتَّم أيضًا على حزب المؤتمر الآن أن يبيِّن مدى “هندوسيَّته”.
كيف يمكنك وصف دور المجتمع الدولي بالنظر إلى سياسة حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي؟
أرونداتي روي: لقد امتنعت الولايات المتَّحدة الأمريكية عن منح ناريندرا مودي تأشيرة دخول (إلى أراضيها) بعد مذبحة غوجارات في عام 2002. ولكن بعد أن أصبح رئيسًا للوزراء، كان هناك عدة مرات واحتضن كلَّ الرؤساء الأمريكيين. الغرب انتهازي: بالنسبة له تعتبر الهند سوقًا ضخمة وتبدو بمثابة هدف استثماري رائع. لهذا السبب كان لا بدَّ من تبييض صورة ناريندرا مودي بطريقة ما. الأخلاق تشبه كتاب وصفات وتعتمد على المكوِّنات المتوفِّرة وكذلك على أسعار الأسهم.
لقد التقينا آخر مرة في عام 2009، قبل فترة قصيرة من الانتخابات البرلمانية في ذلك الوقت. هل لديك أية توقُّعات من نتائج انتخابات لوك سابها الحالية 2019؟
أرونداتي روي: الهند اليوم مكانٌ مختلف، مكانٌ أخطر بكثير مما كانت عليه الحال قبل عشرة أعوام. وذلك لأنَّ مدى الكراهية كلها، التي تراكمت هنا أكثر وأكثر – الأكاذيب التي لا تعدُّ ولا تحصى والأخبار المزيَّفة والتغييرات في المناهج التعليمية – لا يمكن أن تختفي بين ليلة وضحاها. هذه الكراهية المتراكمة لا تزال موجودة حتى يومنا هذا وستنفجر يومًا ما. بصرف النظر تمامًا عما يحدث في هذه الانتخابات.