حول التقرير الصهيوني الاستراتيجي – زهير كمال
حوار مع الأستاذ منير شفيق
حول التقرير الصهيوني الاستراتيجي
بقلم: زهير كمال
هي الطلول وإن أسميتها دولاً…. هي القبور وإن أثثتها مُهُدا
والحاكمون أعاجيب إذا عبروا …. في جنة أصبحت من شؤمهم جُرُدا
في مقال للأستاذ الفاضل منير شفيق بعنوان – تقرير صهيوني استراتيجي- يحلل فيه الكاتب التقرير الاستراتيجي السنوي لعام 2017 – 2018 الصادر عن معهد أبحاث الأمن القومي (الإسرائيلي) الذي يرأسه عاموس يادلين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق ، والتقرير مترجم الى العربية من مركز اللغات والترجمة لحركة الجهاد الإسلامي مع مركز أطلس للدراسات الاستراتيجية.
ملخص التقرير أن (إسرائيل) في ميزان الأمن القومي الخاص بها هو ميزان إيجابي ومتين جداً ويعتبر أن الظواهر المستجدة التي نشأت في بيئتها المحيطة تنطوي على تحديات وفرص هامة في آن معاً.
والميزان الإيجابي المتين ناتج عن التفوق العسكري في الشرق الأوسط والقدرة الردعية في وجه الأعداء مثل حزب الله وحماس بدليل الهدوء منذ أحد عشر عاماً في جبهة الشمال وثلاثة أعوام في جبهة الجنوب.
كما أن الاقتصاد (الإسرائيلي) قوي ومستقر وصاحب كذلك نجاح (إسرائيل) في تطوير سياساتها مع الدول العظمى ، كما وضع التقرير ثلاثة سيناريوهات للحرب التي قد تندلع في المنطقة، حرب في لبنان فقط ، حرب مع لبنان وسوريا وحرب تشمل قوات إيرانية في سوريا.
تتلخص قراءة الأستاذ شفيق للتقرير بأنه متعام أو متحفظ أو قاصر عن إدراك ما يعانيه الكيان الصهيوني حكومة وجيشاً ومجتمعاً من ضعف في ميزان القوى وهذه نقيصة تجعل حساباته لتوازن القوى واحتمالات ما يتوقع من تطورات لا سيما لاحتمالات الحرب في عام 2018 محط خلل شديد حسب قوله، ويعتبر الكاتب ان الهدوء الموجود في جنوب لبنان وقطاع غزة لا يعتبر هدوءً إذا كان الطرف الآخر يزيد من استعداداته بالتسلح والحماية وغير ذلك مثل الأنفاق، كما أن إدخال قوة الاقتصاد في التقرير هو معيار ضعيف.
وقد بين الكاتب عدم ملاحظة التقرير لهزيمة الجيش الصهيوني في أربع حروب في لبنان وقطاع غزة ، كما يأخذ الكاتب على التقرير في موضوع العلاقة القوية مع الولايات المتحدة الأمريكية تآكل نفوذ أمريكا وتدهور مكانتها الدولية الذي يعني إضعافاً للكيان الصهيوني في ميزان القوى. ويأخذ الكاتب عللى التقرير تجاهله ما انطلق من إرهاصات انتفاضة الشعب الفلسطيني وركون (إسرائيل) للعلاقة مع السلطة الفلسطينية.
أما في الحرب فلم يعد الجيش الصهيوني يمتلك زمام المبادرة والتحكم في بدايتها ومسارها ونهايتها.
ويخلص المقال للقول : وخلاصة، من يدقق في التقرير ومستواه يتأكد بأن الكيان الصهيوني دخل مرحلة التراجع والتردد والتخبط وفقدان زمام المبادرة.
ما سبق خلاصة لما ورد في التقرير وتحليل الأستاذ شفيق له.
بعض الملاحظات على التقرير ومقال الكاتب.
1. ان التقرير يقتصر على العام 2017- 2018 وليس بالضرورة أن يلاحظ التطورات البسيطة في موازين القوى ، والحكومة (الإسرائيلية) تعتمد على مراكز الدراسات هذه في تخطيط سياساتها ويعبر عن توجهاتها الاستراتيجية الرسمية وهذا عكس اعتقاد الكاتب بخلاف ذلك عندما نأخذ بعين الاعتبار أن السلطة الحاكمة في (إسرائيل) قادمة من المؤسسة العسكرية ، وبشكل عام يعتمد صانعوا القرار في العالم الأول تقارير مراكز الدراسات الاستراتيجية هذه ، ومركز الدراسات هذا الذي يرأسه رئيس سابق للاستخبارات العسكرية يعتبر جزءً من السلطة الحاكمة في (إسرائيل).
2. بينما يخصص التقرير دراسة الوضع لعام واحد، يعمم الكاتب ليدرس التطورات التي حدثت على فترة طويلة من الزمن وخاصة بعد حرب عام 2006 ولكن لم لا نعود الى فترة أطول ونستعرض التاريخ بشكل مختصر ونحسب حساب الربح والخسارة لكل طرف من أطراف الصراع في المنطقة.
* عام 1970 تم تصفية العمل الفلسطيني الفدائي وخرج كافة المسلحين من الأردن وشهدت الحدود (الإسرائيلية) هدوءً كاملاً منذ ذلك الزمن أي قرابة نصف قرن كامل.
نقطة لصالح (إسرائيل).
* بعد زيارة السادات للكنيست واتفاقيات كامب دافيد شهدت الجبهة الجنوبية في سيناء هدوءً كاملاً يشبه ذلك الهدوء الموجود على الجبهة الشرقية في الأردن.
نقطة لصالح (إسرائيل).
* كما أن قسماً من الجبهة الشمالية وهي الجولان كان هادئاً هدوء الأموات بعد حرب تشرين وعندما ننظر للموضوع بحيادية فإن النظام السوري لا يستطيع لوحده مجابهة (إسرائيل) خاصة أن علاقاته مع العمق العراقي كانت كعادة الدول العربية مع بعضها مقطوعة ومتوترة رغم أن الدولتين يحكمهما نفس الحزب ، حزب البعث العربي الاشتراكي .
نقطة لصالح (إسرائيل).
* سمح هذا الهدوء على كافة الجبهات المحيطة بقيام (إسرائيل) بغزو لبنان وإخراج منظمة التحرير منه ، ووقف كل العرب يتفرجون مكتوفي الأيدي ينددون باحتلال عاصمة عربية لأول مرة.
ولأول مرة تصبح حدود (إسرائيل) المباشرة مأمونة من جميع الجهات.
نقطة لصالح (إسرائيل).
* عندما تكون قوياً يهابك أعداؤك ويحسبون لك ألف حساب، وكعادة الأقوياء يصيبهم الطمع ويغترون بقوتهم ويريدون استعمالها وهكذا تظهر الرغبة في التوسع والسيطرة وبدلاً من الانسحاب بعد تحقيق هدف اخراج منظمة التحرير بقيت (إسرائيل) في جنوب لبنان وأصبحت دولة محتلة وبذلك أنتهت أسطورة كونها دولة صغيرة محاصرة من الأعداء من كافة الجهات يهاجمونها فتدافع عن نفسها، دولة ديمقراطية في محيط عربي متوحش وشرس ، دولة يحارب شعبها بشجاعة منقطعة النظير وبسالة يضرب بها المثل من أجل البقاء على قيد الحياة ضد جيوش عربية جرارة تترصد بها فتضطر للقتال بشراسة تنتصر وتحتل الأراضي المحيطة بها لتأمين نفسها فقط، بقيت (إسرائيل) في جنوب لبنان بدون مبرر سوى التوسع والطمع في مياه الجنوب.
انتهت المثل العليا والصورة الزائفة التي خدعت بها العالم واستدرت عطفه لفترة طويلة منذ تأسيسها، عطف تحول الى أموال وتأييد إعلامي قوي على مستوى العالم وأسلحة فتاكة تقطع مثل السكين في قالب الزبدة العربي.
نقطة ضد (إسرائيل).
* كان اتفاق أوسلو بمثابة الجائزة الكبرى التي لم تكن تحلم بها (إسرائيل)، فقد تم حسم نتيجة الصراع على أرض فلسطين لصالحها بتنازل قيادة منظمة التحرير وتفريطها بحقوق شعبها واعترافها بوجود (إسرائيل) كحقيقة واقعة. تبخرت محرمات العرب التي صاغها عبد الناصر على شكل لاءات ثلاث: لا اعتراف لا صلح لا تفاوض. أظهر أصحاب الأرض الأصليون تهاوناً في الحفاظ على حقوقهم بقبولهم التنازل عن 78% من أرضهم راضخين للأمر الواقع واضعين رقابهم تحت رحمة عدوهم. تصاعدت نغمات يا وحدنا، وتناسوا أن الصراع أصلاً هو صراع عربي (إسرائيلي) وقد زرعت (إسرائيل) في المنطقة بأيدي الاستعمار يحافظ عليها ويمكنها من السيطرة بمدها بالمال والسلاح لكي يكون ميزان القوى في صالحها دائماً، ولم يكن هذا سوى للحفاظ على مصالحه في المنطقة.
كان من المؤمل أن تكون الثورة الفلسطينية رأس الحربة في صراع المنطقة ضد الإمبريالية وكما ثبت فعلاً أن العالم العربي لن تقوم له قائمة ولن يستطيع التقدم كباقي شعوب الأرض ما دامت (إسرائيل) مثل خنجر في قلبه.
مال ميزان القوى لصالح (إسرائيل) باتفاق أوسلو وإنهاء الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
ضربة شبه قاضية لصالح (إسرائيل).
* لعل عام 2000 سيكون حاسماً في تاريخ الوجود (الإسرائيلي) على أرض فلسطين وهو نقطة مفصلية بعد وصول المنحنى الى الذروة وبدء الانحدار البطيء نحو الزوال.
في ذلك العام انسحبت (إسرائيل) من جنوب لبنان تحت جنح الظلام بدون قيد أو شرط وبدون اتفاقات مسبقة تحت ضغط مقاومة شعبية ليس لها علاقة بالحكومات أو الأنظمة، ومن سخرية الأقدار أنها في أضعف نقاط العالم العربي في لبنان ، وهذا الحدث يمثل رفض المنطقة ككل للوجود (الإسرائيلي) في قلبها فعلاً لا قولاً.
صحيح أن الجماهير العربية ترفض هذا الوجود حتى الآن ولكن المقاومة اللبنانية هي التعبير العملي عن هذا الرفض ، وهكذا انتقل رأس الحربة الى موقعه الصحيح في يد العرب وليس الفلسطينين ، كانت هكذا عبر التاريخ ، فتحرير فلسطين من الفرنجة والمغول تم بأيدي شعوب المنطقة.
نقطة ضد (إسرائيل).
* عام 2003 احتلت الولايات المتحدة العراق وهكذا لم يعد هناك وجود للجبهة الشرقية ولم يعد هناك خطر قادم من الشرق البعيد، لم يتوان العراق عن إرسال جيشه للحرب ضد الكيان الصهيوني في كل مرة منذ نشوء هذا الكيان.
نقطة لصالح (إسرائيل).
* يمكن اعتبار الحروب التي بدأتها (إسرائيل) ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية منذ عام 2006 وحتى عام 2014 هي حروب لا غالب ولا مغلوب بعد أن حققت المقاومتان ردعاً متبادلاً وذلك بإطلاق الصواريخ داخل الكيان الصهيوني ومنع العدو من فرض أجندته وشروطه مثل عادته في الحروب السابقة، ويمكن اعتبار هذه الحروب انتصارات صغيرة للجانب العربي رغم الخسائر المادية والبشرية ولكنها لا تقلب موازين القوى لصالح هذا الجانب، ما فقدته (إسرائيل) في هذه الحروب هو عامل المباغتة، فلم يعد باستطاعتها الضرب والإفلات من العقاب كما في كل مرة منذ نشوءها.
نقطة تعادل بين الطرفين.
بعد هذه المقدمة الطويلة ولدراسة ميزان القوى علينا معرفة ماذا يريد كل طرف في المحصلة النهائية.
أولاً: العدو (الإسرائيلي):
تثبيت وجوده في المنطقة بشكل كامل عبر تقسيم الدول الكبيرة في المنطقة الى دول صغيرة بحيث تصبح (إسرائيل) من حيث المساحة والحجم مثلها مثل غيرها في محيطها ، فقد أيقنت أن عدد سكانها لا يسمح لها بالحصول على مساحة أكبر من حجمها الحالي وهو فلسطين الحالية من النهر الى البحر، الاستفادة من الأيدي العاملة الفلسطينية الرخيصة، بيع إنتاجها الى الأسواق العربية المحيطة وخاصة الأسلحة بعد إشغالها بالنزاعات المسلحة.
تعتبر (إسرائيل) أن الخطر الوحيد المماثل لها في المنطقة هو الخطر الإيراني، فالقضاء على النظام الإيراني يعني القضاء على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، ولهذا تعمل على تأجيج صراع النظام السعودي مع إيران تساعدها في ذلك أمريكا التي تحاول التخلص من الاتفاق النووي المعقود معها، وما يؤسف له أن كثيراً من حكام العرب يعتقد أن حضن أمريكا الدافئ وقلبها يمر عبر تل ابيب ولا باس في التماشي مع اهدافها في ازاحة أعداءها الذين يهددون وجودها.
ثانياً : حركات المقاومة العربية:
حققت المقاومة ردعاً متبادلاً مع العدو الصهيوني ولكن الهدف النهائي بالقضاء على الوجود (الإسرائيلي) ما زال بعيد المنال ويحتاج الى معجزة كبرى.
ما يفكر فيه حسن نصرالله هو توسيع الجبهة الشمالية لتشمل جبهة الجولان وما يريده هو مئات الآلاف من المتطوعين يساعدونه في تحقيق الهدف النهائي.
ومن حسن حظ نصرالله والمقاومة نشوء وضع جديد في البحر الأبيض المتوسط وهي الثروة الغازية الضخمة الموجودة في أعماقه وطمع (إسرائيل) في حصة لبنان منها، وتضارب المصلحة اللبنانية (الإسرائيلية) ستعمل على رص صفوف كافة الأطياف اللبنانية تحت راية المقاومة، وذلك بخلاف مزارع شبعا التي لم تكن تستدعي تصعيداً في نظر بعضهم.
ثالثاً: النظام العربي وفلسطين:
في الآية الكريمة رقم 24 من سورة المائدة: قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ.
لو توقف الأمر عند هذا الحد، أي اتخاذ موقف سلبي من الصراع ، فإن الأمر سيكون مفرحاً قياساً بالموقف الذي يتخذه النظام العربي الرسمي من حركات المقاومة. وضعوا حزب الله وحماس على قائمة الإرهاب، أي ببساطة شديدة يقفون مع (إسرائيل) ضد المقاومة.
النظام المصري مثلاً يضيق الحصار على قطاع غزة وسكانه مثل (إسرائيل) تماماً، أين ذلك من الصين وروسيا عندما كانت تمد فيينام بالمال والسلاح والطعام لتقاوم الاستعمار الفرنسي ثم الأمريكي؟
أما الماكنة الإعلامية الخليجية فهي تعمل ليل نهار لشيطنة حزب الله ووصمه بكل التهم الطائفية.
وتعمل (إسرائيل) ليلاً ونهاراً للحفاظ على الوضع القائم في الضفة الغربية وعلى جبهتها الشرقية خاصة في الأردن فمقتلها يكمن هناك، لنتخيل مثلاً أن حركات المقاومة هي التي تسيطر على الضفة الغربية فماذا سيكون عليه الوضع؟ أو لنتخيل على أقل تقدير عدم وجود السلطة الفلسطينية التي تتجسس على شعبها تحت اسم التنسيق الأمني.
أما على الجبهة الأردنية فربما كان الاعتذار عن حادث مقتل أردنيين في السفارة وتقديم اعتذار للأردن لندرك مدى أهمية هذه الجبهة وما يؤسف له حقاً أن الأردن قبل بالاعتذار فقط تحت الضغط الأمريكي (الإسرائيلي) وكان بإمكانه إحضار القاتل الى عمان للمحاكمة لو استعمل أوراقه وأولها الضغط الشعبي العارم الذي شهدناه بعد الحادثة. وللتذكير فقط ما فعله الملك حسين في محاولة اغتيال خالد مشعل على الأراضي الأردنية والموقف الصلب الذي اتخذه آنذاك وجعل (اسرائيل) ترضخ لمطالبه صاغرةً ، ولمزيد من التخيل، ماذا لو كان مثيل لحزب الله على الجبهة الأردنية ؟ (حيث لا تنفع قباب ولا جدران) .
رغم أن استشفاف المستقبل صعب ولكن في تقديري أن مفتاح الحرب والسلام في الشرق الاوسط هو بيد العماد ميشيل عون رئيس جمهورية لبنان فقد يأمر حزب الله بتدمير المنصات البحرية (الإسرائيلية) رداً على تعديها على مصالح لبنان.
ختاماً : التقرير الصهيوني الاستراتيجي لعام 2017- 2018 صحيح تماماً ولكن هذا الشرق مليء بالمفاجآت ولعل أولها فشل تقسيم العراق الى ثلاثة دول وفشل تقسيم سوريا الى دويلات صغيرة متحاربة وربما ستكون المفاجأة القادمة هي انهيار النظام السعودي تحت وطأة ضربات اليمنيين القاتلة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الصفصاف وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً