حول خطاب بوتين في 21 ديسمبر- منير شفيق
ألقى كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو، بتاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر 2022، خطابين عسكريين سياسيين مهمّين حول الحرب في أوكرانيا، ولكن في الحقيقة حول المواجهة العسكرية العالمية الدائرة بين روسيا والناتو من خلال الحرب في أوكرانيا.
فما إن اندلعت الحرب في أوكرانيا من خلال العملية العسكرية الخاصة التي أعلنها بوتين في أوكرانيا، حتى تدخلت أمريكا وبريطانيا، ثم الناتو، في تقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي للجيش الأوكراني.
أعلنت روسيا أن “العملية العسكرية الخاصة” جاءت ردا على تسليح الناتو لأوكرانيا، مما هدّد الأمن القومي الروسي. وجاء الدعم العسكري والمالي والإعلامي والسياسي الأمريكي ليس من أجل الدفاع عن أوكرانيا فحسب، وإنما أيضا من أجل إنزال هزيمة عسكرية بالجيش الروسي، مما يطيح ببوتين إذا تحققت، فيتقرّر مصير روسيا. ففي الخطاب الذي تقدم به بوتين، أعلن أن هدف أمريكا والناتو من دعم أوكرانيا، “إضعاف روسيا وتفتيتها”.
من هنا تكون الحرب في أوكرانيا في حقيقتها حربا بين أمريكا وروسيا، ويؤكد ذلك ما أمدّت به أمريكا من سلاح للجيش الأوكراني، وقد وصل اليوم بعد عشرة أشهر من الحرب إلى حد إرسال الباتريوت. ومن ثم فإن عدم إعلان تدخل أمريكا كطرف مباشر في الحرب، بل الطرف الرئيس المقابل لروسيا، هو مجرد خداع.
فمن هنا تكون الحرب في أوكرانيا في حقيقتها حرب بين أمريكا وروسيا، ويؤكد ذلك ما أمدّت به أمريكا من سلاح للجيش الأوكراني، وقد وصل اليوم بعد عشرة أشهر من الحرب إلى حد إرسال الباتريوت. ومن ثم فإن عدم إعلان تدخل أمريكا كطرف مباشر في الحرب، بل الطرف الرئيس المقابل لروسيا، هو مجرد خداع، أو غطاء لإخفاء التدخل الأمريكي المباشر.
لقد ورد في خطابَيّ بوتين وشويغو، أن ضباطا من الناتو يشكلون هيئة أركان حرب للجيش الأوكراني. فالدول التي تسلّح أوكرانيا وتشارك في الحرب بلغت 27 دولة، إلى جانب تسخير 200 قمر صناعي من بينها 70 قمرا عسكريا.
وهذا يفسّر لماذا طالت الحرب وما زالت تتصاعد على رسلها، وهو ما يفسّر كيف دارت سجالا أو ما يشبه السجال بين الطرفين، وكيف كشفت نقاطا مهمة من الضعف في الجيش الروسي، وليس بسبب قوّة الجيش الأوكراني، وإنما بسبب ما تلقاه ويتلقاه من دعم عالمي، وعلى أعلى مستوى من السلاح المتطوّر.
وهذا هو الذي استدعى من روسيا أن تصبح قواتها المشاركة في الحرب ما يزيد على 250 ألفا إلى 300 ألف، وما دعا بوتين للإعلان أن القدرة العسكرية الروسية أخذت تتزايد باستمرار، مع الإشارة إلى أهمية “الثالوث النووي” (أي (1) قاذفات القنابل الاستراتيجية (2) صواريخ سارمات، الصواريخ البالستية فرط الصوت عابرة القارات (3) صواريخ تسيركون التي تطلق من الغواصات).
ما جاء في الكلمتين المطولتين طبعا، لا سيما كلمة بوتين، أن ما يدور في أوكرانيا حرب عالمية تستهدف أمريكا من ورائها “إضعاف روسيا وتمزيقها”، وأن ما تفعله روسيا الآن وفي المستقبل، كما في الماضي، هو تعظيم تسلحها، باعتبارها حربا عالمية، يقف على رأسها “الثالوث النووي”، وضرورة تعزيزه.
مرّت بعض اللحظات بدت فيها روسيا تعاني من صعوبات، ومن هجمات قويّة، وحتى من التراجع في عدد من المواقع. ولكن الذي حدث، وكما عبّر عن ذلك الخطابان المذكوران، أن أعادت روسيا تنظيم صفوفها، واستعادت امتلاك زمام المبادرة، وراحت تطوّر أسلحتها وقواتها لمواجهة حرب أعلى مستوى، وأصعب حربا من حرب أوكرانيا.
يظهر مما تقدم أن أمريكا ذاهبة بدورها إلى تصعيد الحرب، وإلّا ما معنى أن يرسل الباتريوت (وطواقمه طبعا) إلى أوكرانيا. وقد أصبحت بحاجة أكثر من الماضي إلى تسويغ موقفها. وقد مرّت بعض اللحظات بدت فيها روسيا تعاني من صعوبات، ومن هجمات قويّة، وحتى من التراجع في عدد من المواقع. ولكن الذي حدث، وكما عبّر عن ذلك الخطابان المذكوران، أن أعادت روسيا تنظيم صفوفها، واستعادت امتلاك زمام المبادرة، وراحت تطوّر أسلحتها وقواتها لمواجهة حرب أعلى مستوى، وأصعب حربا من حرب أوكرانيا. ويضاف إلى ذلك أن أمريكا بدأت تشعر بخطورة ما راح يواجهه الجيش الأوكراني، وراحت تحرج روسيا بالذهاب إلى المفاوضات، وهو تحدّ تعامل معه وزير الخارجية لافروف بوضع الشروط على زيلينسكي، والاستعداد للتفاوض.
بالمناسبة، كان بوتين قد أخذ خطوات، تمنع من اللجوء إلى التفاوض السياسي لاحقا، وذلك حين أعلن ضمّ ثلاث مقاطعات إلى روسيا. ومن ثم لم يبق للتفاوض غير معادلة تجنح لوقف إطلاق النار فقط، الأمر الذي يعني حين يتعذر الحسم، أن تتوقف الحرب عند خط هدنة تستمر لعشرات السنين، كما حدث في حرب فلسطين 1948/1949، أو ما حدث في الحرب الكورية التي استمر خط الهدنة فيها، الذي فصل بين الطرفين منذ عام 1953 إلى اليوم (خط 38). وهو ما أخذ يتردد الآن من قِبَل البعض، بسبب استبعاد الحسم العسكري.
على أن هذه المعادلة ما زالت بعيدة في الوقت الحاضر، بل وفي المدى المنظور، خصوصا بعد أن استعادت القوات الروسية زمام المبادرة في الحرب. والأهم تركيزها على الاستعداد العسكري لمواجهة مع أمريكا مباشرة، وهو ما يُفهم من خطاب بوتين وما يعد بالوصول إليه عسكريا.
يجب أن يُلاحظ مع قراءة خطاب بوتين وخطاب وزير دفاعه، أنهما ترافقا مع مناورات حربية روسية- صينية، ومع زيارة على أعلى مستوى يقوم بها ديمتري ميدفيديف إلى الصين، حاملا رسالة خاصة من بوتين للرئيس الصيني شي جين بينغ، مما يشكل رسالة تقول لأمريكا بأن التحالف مع الصين ما زال على أشده، وأن ما يقوله بوتين ليس معززا بقوته العسكرية فحسب، وإنما أيضا بتحالف وتفاهم مع الصين .
وهو ما يوجب أيضا أن تستبعد تلك التقديرات، التي راحت تلمح تباعدا في المواقف من جانب الصين إزاء السياسات الروسية. فكيف يمكن أن يشكك في الموقف الصيني في موضوع التحالف مع روسيا، فيما أمريكا تعتبر عدوها رقم 1 هي الصين، وأن من يُهدّد أمريكا في الحلول مكانها كدولة كبرى رقم 1 هي الصين، أضف إلى ذلك قرار اليابان بالتسلح، وهو قرار أمريكي في الآن نفسه؟ الأمر الذي يعني أن الوضع العالمي في أشد حالات تأزمه، وأن ثمة حربا عالمية مندلعة في الميدان الأوكراني، كما يمثل الميدان التايواني وبحر الصين جمرا تحت الرماد، وأن المحيط الهادي راح يعجّ بالأساطيل العسكرية، والتكتلات العسكرية ضدّ الصين.
ثم هنالك الموقف الأمريكي الذي أعلن في اليوم نفسه إغلاق الباب أمام المفاوضات حول الاتفاق النووي (5+1 مع إيران)، مما يشير إلى أن التأزيم العالمي من جانب أمريكا أخذ يشمل إيران، وهو قرار صهيوني، طالما وضع على رأس أجندته أن يخوض مع أمريكا حربا ضدّ إيران.
فأيّ وضع عالمي وإقليمي أمامنا؟