حول كتاب “فلسطين أربعة آلاف عام في التاريخ” لنور مصالحة – منير شفيق
-1-
يدحض نور مصالحة في كتابه “فلسطين أربعة آلاف عام في التاريخ” السردية الاستشراقية الغربية حول تاريخ فلسطين القديم، وكذلك السردية الصهيونية التي يأخذ بها الكيان الصهيوني في سعيه لإثبات حق تاريخي له في فلسطين.
كلتا السرديتان ملفقتان كما يثبت نور مصالحة وآخرون سبقوه (طبعاً لا يقلل هذا من أهمية عمله). فقد اعتمدتا على الرواية التوراتية من خلال اتخاذها مرجعية تاريخية، وما هي بمرجعية تاريخية بالتأكيد. فلم يستطع كل الذين استندوا إليها أن يعززوها بما يتطلبه علم التاريخ من وقائع وأدلة.
نور مصالحة هنا يكمل مشروع إدوارد سعيد: “الاستشراق”، وكتاب “المسألة الفلسطينية”، حيث يؤكد “أن الاستشراق التوراتي المتركز على فلسطين بالتحديد كان جزءاً وامتداداً للسردية الاستشراقية للهيمنة، وتصويرها في الغرب. وهي سردية كتبت من دون أي شرقي فاعل فيها (مصالحة، ص34).
ويقتبس من كيث وايتلام: “اختراع (إسرائيل) القديمة: إسكات التاريخ الفلسطيني” مؤكداً ما ذهب إليه ادوارد سعيد: “الدراسات الغربية اخترعت (إسرائيل) القديمة وأسكتت التاريخ الفلسطيني” (مصالحة، ص 38).
وبعد إنهاك الرواية التوراتية بالأدلة الداحضة لأية علاقة لها بالتاريخ في فلسطين، وعدم وجود أية أدلة لتصديق ما تورده من وقائع “وقصص”، مكتفياً باعتبارها “أدبيات مقدسة” تصلح أن تعلّم “في الأقسام الأكاديمية، أو البرامج اللاهوتية والدراسات التوراتية (مصالحة، ص 46).
وذلك ليصل إلى الاستشهاد بزئيف هيرتسوغ (استاذ الآثار في جامعة تل أبيب، ومدير معهد الآثار فيها من 2005-2010، في مقالة نشرتها مجلة هآرتس الأسبوعية، في 29 أكتوبر 1999، تحت عنوان “تفكيك أسوار أريحا”، يكتب هيرتسوغ: “بعد 70 عاماً من الأحفار المكثفة في أرض (إسرائيل)، وجد علماء الآثار ما يلي: أعمال الآباء الأولين أسطورية. و”الإسرائيليون” لم يسكنوا مصر. ولم يخرجوا منها، ولم يغزوا الأرض. وليس هنالك أي ذكر لامبراطورية داود وسليمان، ولا هناك مصدر للاعتقاد بإله (إسرائيل). هذه الأمور باتت معروفة منذ سنين. لكن (إسرائيل) شعب عنيد، ولا أحد يريد أن يسمع هذا”. (عن هيرتسوغ، مصالحة، ص 47) .
ويتابع “هذا ليس رأي من بين آراء” قائلاً: “يتفق الذين انخرطوا في عمل علمي في موضوعات التوراة، وعلم الآثار، وتاريخ الشعب اليهودي المتداخلة- الذين نزلوا في يوم من الأيام إلى الميدان بحثاً عن أدلة تؤيد قصة التوراة يتفقون الآن على أن الأحداث التاريخية المتعلقة بمراحل ظهور الشعب اليهودي تختلف جذرياً عما ترويه القصة” (عن هيرتسوغ، مصالحة، ص 47/48).
وبكلمة، “لم يعد علم آثار فلسطين بعد الآن يستخدم العهد القديم مرجعاً أو مصدراً تاريخياً (مصالحة من 48).
ويلخص مصالحة بالقول: “يقتضي التاريخ المؤسس على الأدلة- مقاربة علمية، وتفكيراً نقدياً، وأدلة عملية، ومادية، ووقائع دقيقة. فالمقاربات الدراسية للتاريخ تتطلب دليلاً إثباتياً، وقائع، أو دحضاً” (مصالحة ص 50).
وبالمناسبة إذا كان علم التاريخ لا يعتبر الروايات التوراتية وقصصها مرجعاً تاريخياً، فأولى بكل تفسير لآيات القرآن المتعلقة بالأنبياء عليهم السلام ألاّ يعتمد، أو يلجأ، للروايات التوراتية من بعيد أو قريب. أي ضرورة المزيد من التدقيق لتحرير التفاسير من “الإسرائيليات”، لئلا تتعارض مع العلم، أو تخدش صحتها.
-2-
عندما أخرجت روايات التوراة من مجالات علم التاريخ وعلم الآثار، ولم تجد دليلاً واحداً يؤكد صحتها لم تعد مصدراً مسلماً بصحته التاريخية. الأمر أصاب مقتلاً لما جاء في التوراة من رواية تتعلق بكنعان والكنعانيين وسواهم أيضاً. وأصبح من الضروري البحث في الآثار والمنقوشات الحفرية، وفي كل ما تركه المصريون والآشوريون والبابليون والفرس وصولاً إلى هيرودتس (القرن الخامس ق.م) “أبي التاريخ”. وهنا تبين أن رواية التوراة عن الكنعانيين لا تتطابق والحقائق التاريخية. ولا يسمح بالحديث عن “أرض كنعان” باعتبارها فلسطين. أو عن الكنعانيين باعتبارهم جدود الشعب الفلسطيني وسكان فلسطين الأصليين.
إن كل ما استطاع نور المصالحة أن يجمعه حول موضوع كنعان بعد نفي المرجع التوراتي أو عدم اعتماده.
أولاً: تاريخياً استخدم اسم كنعان في العصر البرونزي المتأخر: “كان اسماً لمنطقة جغرافية تشمل سورية ولبنان والأردن وفلسطين. ولم يطلق على فلسطين وحدها. وذلك من القرن الخامس عشر قبل الميلاد حتى بداية القرن التاسع ق.م.
ثانياً: أول إشارة مؤكدة تذكر كنعان وجدت على تمثال “أدريمي” من “اللاّخ” في شمال سورية عام 1500 ق.م.
ثالثاً: عندما غادر الفينيقيون موطنهم في الساحل اللبناني ممتداً شمالاً ليشمل جزءاً من الساحل السوري، وجنوباً ليشمل شمال الساحل الفلسطيني، أعلنوا أنهم كانوا كنعانيين.
رابعاً: يستشهد مصالحة بباحث في العهد القديم (التوراة) هو نيلس بيتر ليمشه يقول: “رواية العهد القديم عن “الإسرائيليين” والكنعانيين يجب أن تقرأ على أنها نظرة أيديولوجية إلى الآخر (غير اليهودي) لا على إشارة إلى جماعة إثنية تاريخية حقيقية” (مصالحة ص79).
ولهذا على كل من يؤكد على الأصل الكنعاني للشعب الفلسطيني أن يأتي بالأدلة المعترف بها في علم التاريخ، وليس بالاستناد إلى الروايات التوراتية التي لا يمكن اعتمادها مرجعاً تاريخياً.
-3-
تتركز أهمية الكتاب، بسبب مستواه الأكاديمي، بمقاييس الأكاديمية الغربية في دحضه للاستشراق الغربي التوراتي الصهيوني في ما يتعلق، أيضاً، بأسطورية الرواية التوراتية التي لا يمكن اعتمادها كمرجعية تاريخية، وعدم إقامة أي صلة من قريب أو بعيد، بين رواياتها، وما أقره علم التاريخ من حقائق ووقائع. وبهذا يحرر من السردية الصهيونية والسردية الاستشراقية التوراتية الصهيونية الغربية. وذلك في ما يتعلق بوجود تاريخ للشعب اليهودي في فلسطين كما ترويه التوراة.
أما البعد الثاني الذي يتضمنه كتاب نور مصالحة، فيتركز في الفصل العاشر حيث يُعرّى الفكر المسيحي البروتستاني الصهيوني في بريطانيا في القرن التاسع عشر وصولاً إلى “وعد بلفور” وإقامة الكيان الصهيوني 1948.
وبالمناسبة إن التدقيق بهذا الفكر البروتستاني وجبلتهُ الصهيونية يظهر الخطأ التاريخي الذي اعتبر هذا الفكر هو فكر الإصلاح الديني، وفكر النهضة والتنوير والعقل. صحيح، إن مآخذ كثيرة يمكن أن تسجل على الكنيسة الكاثوليكية في عصر الإقطاع الأوروبي، ولكن الفكر الذي نقضها بالرجوع إلى التوراة، وما أدى إليه من مشروع صهيوني، هو بالتأكيد خطوة إلى الخلف. وأكثر رجعية من الاتهامات التي وجهت للبابوية. لأن تأثيرات هذا الفكر البريطاني – الأمريكي البروتستاني التوراتي الصهيوني، هو الذي يشكل الخطر الأكبر على العالم ومستقبل الإنسانية، ويحتل أعلى درجات العنصرية.
طبعاً لا علاقة لنور مصالحة في هذا الاستنتاج، ولكن التدقيق في ما قدمه في الفصل العاشر، يمكن اتخاذه سنداً في هذا الاستنتاج.
ويختتم نور مصالحة الفصل العاشر وهو الدرّة الثانية في الكتاب، بتناوله الدقيق لعمليات التزوير الكبرى التي حدثت في فلسطين، في تغييب اسم كل ما يحمل اسماً فيها، وعبرنته وأسرلته، كجزء مكمل لعملية اقتلاع الشعب الفلسطيني، والاستيلاء على فلسطين، وإحلال الكيان اليهودي الاستيطاني الصهيوني فيها.
وثمة تسع صفحات في الفصل العاشر، من 384 إلى 392، يستعرض فيها نور مصالحة كيف زوّر قادة المشروع الصهيوني وبناة “دولة إسرائيل” أسماءهم لتبدو متوافقة مع “شعب” له تاريخه وهويته ولغته وأسماؤه لأن الاحتفاظ بالأسماء التي جاء أصحابها من عشرات البلدان، تكشف فضيحة أخرى للعملية التاريخية في صناعة “شعب” له هوية قومية واحدة. فالمشروع الصهيوني كان بحاجة إلى اختراع “الشعب الإسرائيلي” من خلال تزوير التاريخ الفلسطيني، وبحاجة إلى صناعة “شعب” لإقامة كيان “دولة” – “مجتمع”، “شعب” ليس كمثل بقية الشعوب.
فمثلاً غولدا مائير كان اسمها الأصلي غولدا مابوفيتش من كييف، يتسحاق شامير كان اسمه الأصلي اتسهاك جيزيرنيكي من شرق بولندا، زألمان شازار اسمه الأصلي شنورزالمان روباشوف من روسيا، شمعون بيريس اسمه الأصلي شيمون بيرسكي (بولندا) (مصالحة 384 – 386).
أما الفضيحة الاكبر والتزوير الأخطر فقد تمثل في تزوير وتغيير اسم كل ما هو فلسطيني– عربي– إسلامي في فلسطين، أو تاريخي قبل الإسلام. وهذا لم يقتصر على القرى والمدن والشوارع والأحياء فحسب، وإنما امتد حتى إلى أسماء الأكلات الفلسطينية أو الأثواب أو الدبكات أو الألحان. وباختصار سلب كل ما يمكن سلبه، وتزوير كل ما يترك أثراً فلسطينياً أو عربياً أو إسلامياً. هنا يمكن القول إن نور مصالحة لاحقهم على “الدعسة”.
إن الجهد الذي وضعه نور مصالحة في هذه المجالات، يرتفع بالكتاب وأهميته إلى مستوى أكاديمي مرموق عالمياً، وإلى تأثير إيجابي هائل في الصراع الأيديولوجي والتاريخي والحقوقي والوجودي الذي يخوضه الشعب الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني على كل المستويات.
-4-
الفلسطنة والهوية الفلسطينية
على إن كتاب نور مصالحة “فلسطين أربعة آلاف عام من التاريخ” ابتلي بأيديولوجية “الفلسطنة” واختراع هوّية فلسطينية قائمة بذاتها، لا علاقة لها بالهوّية العربية الإسلامية لفلسطين، باعتبارها جزءاً من الوعي، وشعبها جزء من الأمة العربية والأمة الإسلامية (بالمعنى العقدي والحضاري للكلمة).
هذا “الابتلاء” جعله يهرب من كتابة تاريخ لفلسطين وللمكوّنات التي شكلت شعب فلسطين. وانتهت خلال ألف وأربعمئة عام إلى أن تكون هويته عربية إسلامية، كما هو الحال بالنسبة إلى الشعوب التي تسكن البلاد العربية من المحيط إلى الخليج.
فمن جهة الجغرافية، حاول أن يثبت أن جغرافية فلسطين الانتدابية، كانت كذلك تقريباً طوال التاريخ. فلم يربط تاريخها بتاريخ سورية ولبنان والأردن، وبامتداد مصري وامتداد مشرقي، وصولاً إلى شبه الجزيرة العربية. ولذلك كثرت إشارته باستخدام عبارة “على حدة” ولا سيما عن سورية كأنها جزيرة في بحر. ووصل به الأمر إلى حد القول أنها تمتعت باستقلال أو شبه استقلال تاريخي. علماً أن أغلب تاريخ فلسطين إن لم يكن كله، وبشبه إطلاق، كان جزءاً من منطقة (سورية لبنان شرق الأردن) خضعت تاريخياً للأمبراطوريات القديمة قبل الأمبراطورية اليونانية كما بعدها، كما الامبراطورية الرومانية والبيزنطية إلى الفتح العربي الإسلامي.
لهذا تجنب مصالحة أن يسرد تاريخ فلسطين ما قبل الأمبراطورية الإغريقية طوال أكثر من ألفي سنة. فلم يتابع ما تعرضت له من غزوات: ولا آماد كل غزوة بالنسبة إلى الأمبراطوريات القديمة الفرعونية المصرية والبابلية والآشورية والفارسية. فكيف يكتب تاريخ فلسطين دون تتبع الغزوات المختلفة. وكيف يكتب تاريخ دون سجل الغزوات الامبراطورية– التاريخ السياسي- العسكري لفلسطين. وكيف يكتب عن تاريخ ثقافي إذا لم يربطه بالتاريخ السياسي والعسكري. وكيف يكتب عن مثقفي الأمبراطوريات الذين “استوطنوا” في مدن فلسطين كأنهم من أبناء الشعب الأصلي.
لقد تجنب مصالحة أن يكتب عن تاريخ هذه الغزوات لأنه إن فعل سيجد أن فلسطين جزء من منطقة بمصير واحد. فما من أمبراطورية سيطرت على فلسطين وإلا وسيطرت على الأردن ولبنان وسوريا وصولاً إلى مصر، إن كانت آتية من الشرق، أو وصولاً إلى فارس والهند إن استطاعت، إذا كانت آتية من مصر- فلسطين أو من الغرب.
بل حتى عندما تناول العصور الإغريقية والرومانية والبيزنطية، بل حتى مرحلة حروب الفرنجة، فكان يتجنب التعرض للتاريخ السياسي والعسكري فيما راح يركز على تاريخ المدن الفلسطينية وازدهارها الثقافي وتاريخ الكنيسة في العصر البيزنطي خصوصاً، وتاريخ النخب الإغريقية والرومانية التي توطنت في تلك المدن. وهنا يصل به الأمر إلى اعتبار المؤرخين الشعراء والمطارنة والبطاركة الإغريق أو الرومان ممن برزوا في غزة وقيسارية ويافا والقدس باعتبارهم فلسطينيين كيف؟
هنا لم يكن يفرّق بين عامة الشعب ولغته وكينونته من جهة، وبين النخب المستوطنة أو المنحدرة من، الامبراطوريات المسيطرة من جهة أخرى. مثلاً انطوخيوس العسقلاني في القرن الثاني قبل الميلاد، أو يوزيبوس القيساري أو بروكوبيوس القيساري أيضاً. ولهذا لم يتساءل كيف تبخرت نخب الأمبراطوريات بعد الفتح العربي الإسلامي؟ باختصار هاجروا ولحقوا جيوش دولهم. أما لو كانوا جزءاً من شعب فلسطين فكيف أصبحوا مسيحيين عرباً، وكيف أصبحوا مسلمين عرباً، ولم يبق منهم جماعة واحدة ترطن باللاتينية أو الإغريقية إلى جانب العربية.
ولهذا لا نجد تاريخاً ومتابعة دقيقة للأقوام والجماعات التي كوّنت الشعب الفلسطيني ابتداء من شعب بلست ومن الأقوام التي تكلمت بالآرامية. ولا نجد متابعة دقيقة للهجرات العربية قبل الفتح الإسلامي وبعده، والتي شكلت مع أقوام آخرين الأمة العربية. إن الإسلام وحده غير كافٍ للتفسير لأن مناطق كثيرة دخلها الإسلام، غير هذه المنطقة، حافظت على قوميتها ولغتها وحضارتها وهويتها. وكذلك حافظت بعض الأقليات على هويتها وإثنيتها.
ربما متابعة الفصل الذي يتحدث عن الغساسنة في العصر البيزنطي، والهجرات العربية بوجودهم يشكل واحدة من الأجوبة التي يمكن أن تفسّر تشكل هذه العملية الفريدة التي امتدت من المحيط إلى الخليج، وطبعت شعوبها بالطابع العربي الإسلامي (المسيحيون العرب جزء من المكوّن الأساسي) وجعلتها وطناً واحداً وأمة عربية واحدة.
ولكي يصل بهذا الخلل في قراءة تاريخ فلسطين الحقيقي إلى الهوية الفلسطينية يلجأ إلى محمود درويش فيستشهد بقوله: “ولدت قرب البحر من أم فلسطينية وأب آرامي، ومن أم فلسطينية وأب مؤآبي، ومن أم فلسطينية وأب أشوري، ومن أم فلسطينية وأب عروبي (قصيدة مديح الظل العالي)” (مصالحة ص 309). (وبالمناسبة: الأب المؤابي في التوراة لا يمكن أن تذكر روايته هنا).
يقول نور مصالحة: “يعتبر محمود درويش تجسيداً لمفهوم الهوية الفلسطينية المتعددة الشرائح، واضحة من خلال كل الثقافات القوية (القومية) التي مرت عبر أرض فلسطين: الهلينية والفارسية والرومانية والبيزنطية والآرامية والعربية واليهودية والإسلامية والعربية اليهودية والفارسية والبريطانية” (ص 309).
لاحظ هنا كيف ميّعت الهوية العربية والإسلامية وأصبحت جزءاً من “السَلَطَة” أو شريحة من الشرائح. وذابت في عشرات الهويات. لأن هذه “السَلَطَة” تجمع اللبن مع الفسيخ.
إذا كان من الممكن لأحد أن يغض النظر عن محمود درويش وهو يحكي كشاعر عن الأم الفلسطينية التي لا علاقة لها بالأم العربية والمسلمة الأصيلة، فكيف يمكنه أن يغض النظر عن عالِم في التاريخ حيث تذهب به الفلسطنة إلى هذا الحد. ويذهب به التبرؤ من هويته العربية (المسيحية والمسلمة) إلى هذا الحد. وهو الذي حطم السردية الصهيونية، والسردية المسيحية البروتستانتية الصهيونية تحطيماً يليق بالسرديتين، وهو الذي كشف ما تعرضت له فلسطين من اقتلاع للشعب الفلسطيني، ومن إحلال صهيوني وتزوير مرغه بالعنصرية والجريمة كما يجب ويستحق. ولكن ما العمل؟ هذا هو البحث عن هوية استثنائية.