حُماة الأمة الحقيقيون – محمد سيف الدولة
ان المدافعين عن الامة وطنا وشعبا، من خارج مؤسسات الدولة ومن خارج سلطات الحكم، هم الأصل والأغلبية، وهم الأكثر تأثيرا فى حياتنا المعاصرة وفى تاريخنا الحديث.
فدورهم لا يقل، بل يتفوق على دور الجيوش فى الدفاع عن ارض الوطن وحماية الحدود؛
· يقف كل منهم على ثغر من ثغور الحضارة والهوية والثقافة والعلوم والفكر والوعي ومنظومة القيم والاخلاق والمبادئ والثوابت، يدافع عنه ويحميه، ليس فقط فى مواجهة الأعداء الخارجيين، بل وهو أشد خطورة، فى مواجهة سلطات الحكم ويدها الباطشة، حين تتخلف عن اداء دورها جهلا أو جبنا او عجزا او خيانة او تبعية أو تواطؤ او استبدادا … الخ
·
فحينها يحمل المفكرون والمناضلون الوطنيون، أكفانهم على اياديهم، ليسدوا الثغرة التى تم تجريدها من حماية الدولة ومؤسساتها.
· والأمثلة كثيرة وعديدة تقدر بآلاف مؤلفة من المواطنين، بعضهم مشهور ومعروف ولكن الغالبية منهم مجهولة، ربما بحكم أن القضايا التي وهبوا أنفسهم للذود عنها لا تدخل فى اهتمامات الرأى العام، وربما بسبب ظروف وبيئة المعارك التى خاضوها.
· لقد استطاعوا بتصديهم ودفاعهم عن ثغور كثيرة ومتعددة، ان يسلحوا مصر وشعبها على مر العقود بمناعة وطنية صلبة، لولاها لما صمدت امام الاختلال الهائل لموازين القوى العالمية والاقليمية.
· ان مثل هؤلاء هم من يطلقون عليهم القوى الناعمة لمصر، ولكنهم فى تصورى هم قوتها الصلبة الحقيقية، لان الجيوش فى كل بلاد العالم كثيرا ما تتعرض لانتكاسات وهزائم وانحرافات كما انها غالبا ما تكون تحت قبضة الحاكم، يوظفها ويوجهها كما يشاء، لصالح الامة أو ضدها.
· اما من نتحدث عنهم، فانهم بحكم استقلالهم عن السلطة، واعتزازهم بأنفسهم، ووقوفهم على قاعدة صلبة من العلم والمعرفة والوعي والاخلاق والعزة والكرامة والشجاعة، فانهم دائما ما يبنون ويؤسسون ويراكمون فى الاتجاه الصحيح. (اللهم اجعلنا من خلفهم الصالح).
· وقائمة حراس وحماة الأمة خلال القرنين الماضيين قائمة طويلة، سأضطر بحكم ضيق المساحة أن انتقى منها عينة صغيرة جدا، من باب التأكيد على الفكرة والمعنى وكذلك للاحتفاء والتقدير، بالإضافة الى اهمية توعية والهام الاجيال الجديدة. وسأختارهم ممن لن تكن لهم اى علاقة بالسلطة او ممن لم يخشوا الخلاف والصدام معها حين كانوا على قوتها:
· محمد كُرَّيم وعمر مكرم وعبد الله النديم ومصطفى كامل ومحمد فريد.
· سليمان الحلبي وابراهيم الرفاعى وعبد المنعم رياض وسليمان خاطر ومحمود نور الدين وسعد حلاوة.
· عبد الرحمن الجبرتى ورفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الرافعى ومحمد شفيق غربال وحسين مؤنس ويونان لبيب رزق ورؤوف عباس.
· مصطفى صادق الرافعى ومصطفى لطفي المنفلوطى وعباس العقاد وطه حسين واحمد امين.
· محمد عبده ومحمد ابو زهرة ومحمد الغزالى وصلاح ابو اسماعيل.
· جمال حمدان وعصمت سيف الدولة وعبد الوهاب المسيرى.
· حامد ربيع وامين الخولى واحمد فؤاد الاهوانى ومصطفى سويف ولويس جريس.
· بنت الشاطئ وعزيزة حسين ونعمات أحمد فؤاد.
·
مصطفى مشرفة وسميرة موسى ويحيى المشد واحمد مستجير ورشدى سعيد.
· مكرم عبيد وفتحى رضوان واحمد حسين وابراهيم شكرى وحلمى مراد وفريد عبد الكريم ومحمود القاضي وميلاد حنا.
· زكى نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي وفؤاد زكريا.
· عبد الرزاق السنهورى وممتاز نصار ويحيى الرفاعى.
· نبيل الهلالي وعبد العزيز الشوربجى ومحمد عصفور.
· محمد ابراهيم كامل.
· شهدى عطية وزكى مراد ومحمود امين العالم ومحمد يوسف الجندى.
· عبد الحكيم الجراحى واحمد عبد الله رزة وسهام صبرى.
· احمد بهاء الدين ورجاء النقاش وسلامة احمد سلامة.
· جلال عامر ومحمود السعدنى.
· سلوى حجازى وامانى ناشد وليلى رستم.
· محمد طلعت حرب واسماعيل صبرى عبد الله وفؤاد مرسى وعادل حسين ومحمود عبد الفضيل.
· نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وابراهيم عبد القادر المازنى ويحيى حقى ويوسف ادريس ورضوى عاشور واحمد خالد توفيق.
· بيرم التونسى وأمل دنقل (لا تصالح) وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين وفؤاد حداد ونجيب سرور وعبد الرحمن الأبنودي واحمد فؤاد نجم.
· محمود مختار ومحمود سعيد ومحمد محمود خليل، وحجازى ومحيي الدين اللباد (كاريكاتير).
· سيد درويش والشيخ امام وام كلثوم واحمد رامى.
· نجيب الريحاني وعبد الفتاح القصرى واسماعيل ياسين واستيفان روستى وعبد السلام النابلسى وصلاح أبو سيف وتوفيق صالح وفاتن حمامة ومحمود المليجى وحسين رياض واحمد زكى، يوسف شاهين واحمد مظهر وحمدى غيث فى (الناصر صلاح الدين)، ومحمود عبد العزيز فى (رأفت الهجان والكيت كات)
· اسامة انور عكاشة ومحمد صفاء عامر.
· المهندسان حسن فتحى (عمارة الفقراء) وعلى صبرى (السد العالى).
· وآلاف غيرهم.
***
· فى البداية ترددت كثيرا قبل ان اكتب أى أسماء، خشية من أن أثقل على القارئ الذي غالبا ما يفضل النصوص والمقالات القصيرة، ولكننى اخترت ان أكتبها رغم كل شئ بهدف تجسيد الفكرة، ولكي نتخيل معا كيف ستكون حياتنا فارغة وتاريخنا ضحل لو لم يكن مثل هؤلاء جزء منها، رغم ان الغالبية العظمى منهم كانوا من خارج مؤسسات الدولة ومستقلين عنها.
· هذا بالإضافة الى ان الأمم دائما ما تكرم وتحتفى وتتباهى بمبدعيها. لأننا قد لا نجد فروقا كبيرة بين كافة شعوب العالم اذا كان مجال التقييم والقياس والمقارنة يتعلق بانجازات مفكريها ومبدعيها من صناع الحضارة، ولكنها تنقسم الى دول كبرى متقدمة، ودول عالم ثالث متخلفة اذا كانت المقارنة تتعلق بقوة الدولة ومؤسساتها.
· وبقول آخر، تحتل القوى الناعمة والمدنية، نفس المكانة والمرتبة مع مثيلاتها فى الدول المتقدمة والكبرى. بعكس المؤسسات الرسمية داخل دول العالم الثالث، التى تحتل عادة المراكز الاخيرة فى غالبية المجالات، بسبب عوامل كثيرة من اهمها عصر الاحتلال الاجنبى الطويل قبل الاستقلال وعصور التبعية والاستبداد والفساد بعد الاستقلال.
وهو ما يفرض =
حتمية تثمين وتأمين وحماية ورعاية ودعم وتشجيع وتطوير وتوسيع قوانا الناعمة. بدلا من نبذها وحصارها وتشويهها وتقييد حريتها
.
***
· لقد كانت هذه عينة ضئيلة جدا من قائمة حراس وحماة وبناة مصر الراحلين، وسنجد مثلهم لا يزالون احياء بيننا يرزقون، لم أرغب فى الاشارة إليهم حتى لا أظلم أحدا منهم. كما سنجد آلافا مثلهم فى باقى أقطار الأمة العربية نهلنا من علمهم وتأثرنا بافكارهم وأُلهِمنا بمواقفهم، ناهيك بالطبع عما تلقيناه من علم ومعارف وما خبرناه من تجارب تنتمى الى التراث الانسانى بمجمله.
· كما يستطيع كل منا أن يعد ويكتب قائمة مماثلة، يضيف اليها أو يحذف منها من يريد. ولكن المغزى من كتابة هذه السطور، هو اعادة الاعتبار لقوة مصر المدنية والناعمة المستقلة عن أروقة ومؤسسات السلطة ودوائر الحكم. خاصة فى ظل ما تتعرض له فى السنوات الاخيرة من محاولات للإنكار والطمس والتشويه والحصار والاجتثاث، واتهامها بالتخلف وعدم الجاهزية، وحظر غالبية عناصرها من الكتابة فى الصحف والمشاركة فى المنابر الاعلامية او الحياة السياسية.
· ولا أزال أتذكر ما قاله “عبد الفتاح السيسى” فى حواره مع “ياسر الرزق” عام 2014 من ان المدنيين كادوا ان يدمروا الدولة وانهم جاهلون بشئون الحكم وان عليهم ان يتدربوا خلال الـ 15 سنة القادمة “على الأقل” تحت ادارة ورعاية واشراف القوات المسلحة، حتى يتمكنوا من المشاركة فى الحكم بعد عمر طويل.
· ثم قالها مرة اخرى فى شهر يناير الماضى بمناسبة افتتاح حقل ظهر حين هاجم السياسيين واتهمهم بالجهل وبعدم صلاحيتهم للمشاركة فى صناعة القرار او حتى ابداء الرأى أو النقد، فقال: “انا مش سياسى .. وناس لا تفقه شيئا فى مفهوم الدولة ويريدون ان يتكلموا.”
· ولا أظنها وجهة نظره وحده، بل هى على الأغلب تمثل قناعة راسخة ومستقرة لدى كل النافذين فى الدولة ومؤسساتها منذ زمن بعيد.
*****
القاهرة فى 4 مايو 2018
Seif_eldawla@hotmail.com