خدعة جنوب إفريقيا – عادل سمارة
يتكىء مطربو الدولة الواحدة على أقدمية هذا الطرح. والأقدمية ليست مقدسة دائماً، فاللصوصية قديمة مثلا. صحيح ان الحديث عن دولة واحدة في فلسطين كان منذ ثلاثينات القرن الماضي. ولكن صحيح ايضاً أن ذلك كان يعني “شرعنة” الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين. وهذا يعني ان كل من وافق عليه هو في جانب الصهيونية لأنه يقوم بتمليكها أرض شعب آخر. لذا، ليس هذا موقفا لا تقدميا ولا إنسانياً. ولا ننسى أن دُعاته كانوا: الإمبريالية الغربية، وتمفصلاتها من اللبرالية الغربية، والاتحاد السوفييتي الذي حلم باشتراكية صهيونية والتروتسكيين ايضا. ولم يؤيده سوى العرب الدائرين في فلك واحدة من هذه القوى. لم يكن مطلبا شعبيا فلسطينيا/عربيا ولن يكون من جهة ولم يكن مقبولا من الغُزاة الذين لم ينفكوا يطالبون بكل شبر. بكلمة واحدة، كان ولم يزال مرفوضاً. ونحن الأحق بالرفض.
لقد ثرثرت فصائل من المقاومة (م.ت.ف)عن الدولة الواحدة حينما كانت لا تزال تحمل البندقية، ونخرها صهاينة/يهود باسم الماركسية. وكانوا مرفوضين في شارعهم أي يتنفسون من رئتنا (كما قلت لأحدهم ذات مرة).
لكن هذا الطرح إنتعش بعد التغيرات في جنوب إفريقيا حيث تنازل الأبيض شكلياً وبقي عمليا. ولذا كتبت في مجلة كنعان حين زرت ذلك البلد 1995 : “دولة بيضاء بوشاح اسود”.
لقد حمل صهاينة تروتسكيون تجربة جنوب افريقيا لتسويقها بين الفلسطينيين. متناسين جميعاً ان جنوب إفريقيا بلا لاجئين، وبأن البيض هناك لا يطلبون اغتصاب كامل البلاد. ناهيك عن أن الغرب الراسمالي هو الذي أنزل البيض عن السلطة شكلياً وأبقاهم عمليا.
لكن تجربة جنوب إفريقيا وفرت لنا درساً شديد الأهمية كان يجب ان نفهمه وهو ما لم يحصل. وهو الدرس التاريخي للإمبريالية التي تصر حتى لو هُزمت على تحويل النصر الذي هزمها الى هزيمة.
فرغم البطولات الهائلة للشعب الفيتنامي إلا ان الامبريالية تمكنت من إعادة البلد الى التبعية. لكن ما انتهت اليه جنوب افريقيا كان اخطر. فرغم ان حزب المؤتمر الوطني الافريقي كان قد وعد بإعادة الأرض للفلاحين السود والتنمية وإعادة البناء والتوجه الاشتراكي…الخ.
لكن كل ذلك لم يحصل، بل وأضيف إليه التصاق شريحة من السود بالبرجوازية البيضاء ليشكل السود منطقة عازلة بين المغلوبين السود ومالكي الثروة بل الاقتصاد الأبيض.
وكانت النتيجة استشراء الفساد في سلطة المؤتمر الوطني الإفريقي إلى درجة استقالة الرئيس بل إقالته بسبب الفساد.
ولكن، المعطيات كشفت عن ما هو أخطر، بمعنى أن قيادة المؤتمر الوطني الإفريقي كانت قد ارتشت باكرا، أي تم حقنها بالفساد، فكان التورط الهائل في الفساد هو تطوره الطبيعي نظراً لجاهزية تلك القيادة للفساد.
ما يلي من “دفاع” الرئيس المُقال/المستقيل زوما:
وها انا اقتطف زوما:
” حينما أطلق سراح قادة المؤتمر الوطني الإفريقي من المنفى لم يكن لأي شخص منا أي مصدر للدخل ومع ذلك، اشترى جميع القادة بيوتا في ضواحي مكلفة جدا. ما هو مصدر تلك الأموال؟ القديس منديلا سكن في قصر اشتراه له أوفنهايمر، وكذلك كل من سيسولو وجوغان. أما ايموند واوليفر، ومالنجيني فتولى الرعاية بهم روتشيلد. كما ان أينجل وثابو، وكجاليما، وسكسوالي، فتولى العناية بهم روبرتس. إن العديد من القادة ما زالوا يملكون أسهما في شركات يملكها البيض. بينما جوالا وأنا نفسي فقد تم ارسالنا للتعامل مع حروب القبائل بين IFP وبيننا، للإشراف على مناطق المناجم الكبرى والشركات . والآن يا أعزائي الستة الكبار “نجيزيني نجيزوانجا هابانييي” ؟ هل لا زلتم تودون الحديث عن الإمساك بالدولة؟ “كونجاني سنجاجكوالي إكجواليني”.
والأكثر فظاعة ما يلي من فم مانديلا نفسه:
“I read The Revolt by Menachem Begin and was encouraged by the fact that the Israeli leader had led a guerrilla force in a country with neither mountains nor forests, a situation similar to our own.”
–Nelson Mandela
“… لقد قرأت الثورة لمناحيم بيجن وقد تشجعت من حقيقة أن القائد الإسرائيلي قاد قوة حرب عصابات (غوار) في بلد يخلو من الجبال والغابات، وهي حالة مشابهة لحالتنا”-نلسون مانديلا.
ولا اسوق هذا جميعه لدعم موقفي من أن الدولة الواحدة تحت اي مسمى هي حقاً إستدخال للهزيمة، بل أسوقه كي ابين أن نهاية أو مآل تجربة جنوب إفريقيا كانت كذبة كبيرة لنضال عظيم ولذا، فمن روجوا له كانوا على علم بماذا يفعلون.
وللفلسطيني الآن أن يفكر، هل الفساد بعد اوسلو مجرد صدفة؟ وهل تمويل سلطة أوسلو بالريع كرم حاتمي!!! أم أن الموجه هو نفسه، ويبقى القرار في : أن تقبل أو ترفض!
في نهاية الأمر ستكون دولة واحدة كجزء من الوطن العربي الاشتراكي لا شك. أما حتى اليوم هي رؤيا إلى أن يكون التحريرمقترنا بالنهوض العربي. أما اليوم، فالمتبرعون/ات بالدولة الواحدة هم حتى وراء أوسلو، حتى وراء ترامب/و لأن اوسلو تطالب بجزء من الوطن، وترامب بجزء أقل أما اصحاب الدولة الواحدة اليوم فيهرولون متبرعين بكل شيء للعدو راجين أن يقبل بأن يكون شعب خادما لعدوه. أما مفردات “ديمقراطية، علمانية، ثنائية…الخ” فهي للتغطية على سقوط هائل لصالح عدو يطالب حتى بالجولان وأربيل.
المصدر مجلة كنعان