خذوا العبرة من آرثر ميلر
أيها العرب
خذوا العبرة من آرثر ميلر
نضال حمد
بعد أن عجزنا عن فك الطلاسم التي تطلسم بعض العرب من الراغبين في لقاء شارون وأركانه والتعامل معهم على أساس أنهم الموجود والمتوفر في (إسرائيل) التي لم توفر تحت قيادة شارون أيا منهم وكانت ولازالت تحرجهم لكنهم مع الأيام وبمرور الوقت اعتادوا العيش مع تلك السياسة وفي مثل تلك الظروف. والأدهى من اللقاء بشارون والتعامل معه هو أن هؤلاء العرب ليسوا من المجبرين أو من المضطرين للتعامل مع شارون ولديهم من الأسباب التي تحميهم من غضب أمريكا الكثير، فشارون رجل مبغوض ومكروه في المخيلة العربية ولا تأتي ذكراه أو يأتي ذكره إلا مرتبطا بالمذابح والمجازر التي أودت بحياة الآلاف من الأبرياء العرب في فلسطين والأردن ومصر ولبنان.
لكن ذاك البعض العربي وللأسف الشديد اختاروا التعامل مع الجلاد بحجة توفير اتصال بينه وبين الضحية، رغم أن الضحية لم تطلب منهم التوسط عند الجزار أو لعب دور الشيخ أو الراهب الذي يتلو آيات من الذكر الحكيم أو نصوصا من الإنجيل قبيل تنفيذ حكم الإعدام بالضحية.
هؤلاء لا هم بذلك أنقذوا الضحية من براثن الجلاد ولا تركوا لها حرية العمل من أجل التخلص من فتكه وبطشه، فكانوا على الجهتين يصطفون مع القاتل وضد الضحية إما بعلمهم أو بدون علمهم، وفي كلا الحالتين المصيبة عظيمة والعجز أعظم من أن يوصف.
تحولت الشعارات من أمة عربية واحدة إلى أمم عربية غير متجانسة وذات رسائل متباينة أقلها الابتعاد عن الوحدة وأكبرها الاقتراب من الأعداء والاستعمار ولو على حساب الشرف والمبادئ والقيّم التي تلطخت بالخسة والعار.
فأستباحة الشعب الفلسطيني ومحاصرة قيادته ومحاولة تركيعه أو أبادته لم تلق من العرب سوى قمة للرؤساء والزعماء لم تجلب للفلسطيني الأمن ولم تعطهم سوى الوعود والكلام، فلا الوعود التي أعطيت تحققت ولا الآمال التي علقت عليهم تحولت لحقائق، بل كانوا بتلك السياسة يزيدون من الألم ألما ومن الوجع أوجاعا ومن الافتراق بعدا… لأنهم لم يجلبوا سوى الأحلام التي سرعان ما تبخرت كما الغيوم والدخان، فلا أتوا بالأمان ولا السلام عاد معهم، ولا الدعم والإسناد أقبل بل أدبروا كلهم، ثم أداروا الدهر للفلسطيني تاركينه وحده يقاتل عدوا شرسا يفوقه عددا وعدة، فلا هم نصروه ولا هم ساندوه، فقاتل الفلسطيني هو وربه وبإيمانه …
كانت قِمَتهم كما سبقها من القِمَم بل أكثر ضياعا وسوءً،لأنها شرعت الخروج عن الوحدة والإجماع، وتركت لكل دولة أن تحدد مواقفها بناءً على مصالحها ورؤيتها، فكان ما كان من تفتت وضياع وتشرذم جعل من القضية الفلسطينية ألعوبة بأيدي السياسة الأمريكية والأوروبية، فجاءنا الأمريكان بخارطة الطريق ومشاريعهم الغريبة العجيبة والتي كانت تحضر في مطابخ السياسة (الإسرائيلية) ومن ثم تقدم للإدارة الأمريكية لتقوم هذه الإدارة بتقديمها وتسويقها على أساس أنها مبادرات وخطط ومشاريع سلام أمريكية.
وما خطة الطرق التي قدمت وقام شارون بفرض التعديلات عليها وسيقوم الآن بتعديل تعديلاتها من جديد، سوى مثال جيد ومفيد على طبيعة عمل شارون ومن معه من أركان حكمه الذين رفض الكاتب الأمريكي آرثر ميلر تسلم أحدى الجوائز (الإسرائيلية) منهم وهي جائزة القدس، لا لغاية في قلب يعقوب بل لأنه يعتبر شارون ومن معه أعداء للسلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وبأن سياستهم تشكل عائقا بوجه السلام ولا تستحق أي احترام، وأعرب كذلك عن اشمئزازه من تعامل (إسرائيل) مع الفلسطينيين، وطالبها بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية المشروعة وإخلاء المستوطنات واللجوء إلى الخيار السلمي.
هذا الكاتب الأمريكي القدير يرفض مد يده لتسلم جائزة من شارون وأركان حكمه لأنه مقتنع بعدائهم للسلام. في المقابل نرى الكثير من أبناء عروبتنا حكاما ومحكومين يتسابقون على لقاء تلك القيادات ومنها شارون الذي أحيانا يرفض لقاء بعضهم لأنه يعتبره تجاوز المسموح به في تصريحاته التي تخص السياسة (الإسرائيلية).
هذا على الصعيد العربي أما على الصعيد الفلسطيني فهناك أيضا من هم من معسكر السلام حتى ولو كان سلام على طريقة شارون. هؤلاء يريدون الاستفراد بالقضية وحلها كما أتفق وبما تتكرم به خارطة الطرق. هذه التي جاء على لسان شارون أنها خطة وخريطة (إسرائيلية) تقوم بطرحها الإدارة الأمريكية.
واليكم ما جاء على لسان شارون في صحيفة معاريف عدد الأربعاء 15-04-2003.
أكد شارون في لقائه الموسع مع الصحيفة المذكورة
” أن مسألة تقبل (إسرائيل) لخارطة الطرق الأمريكية، دون إجراء تعديل عليها، غير واردة في الحسبان، وأن من يطرح المسألة بهذا الشكل لا يقيم جيدا العلاقة (الإسرائيلية) – الأمريكية، مؤكدا أن الرؤية التي يطرحها الرئيس الأمريكي لحل الصراع (الإسرائيلي) – الفلسطيني، تعتمد على الخطة السياسية التي عرضها أمامه شارون نفسه وتفاهم معه حولها“.
صدق شارون وكذب العربان فبهذا الكلام يكون شارون أكثر الناس وضوحا فيما يخص المستقبل القريب وفيما يعني المستقبل الفلسطيني وخطة السلام الأمريكية المقترحة. ونعتقد أن الفلسطينيين والعرب في جانب من جوانب الشخصية الشارونية وبينهم وبين أنفسهم يحسدون (الإسرائيليين) على قيادتهم التي تتمسك فعلا وقولا بالثوابت اليهودية الصهيونية. وتقوم بنشر الحقائق وجس نبض الشارع (الإسرائيلي) في القضايا الحساسة والمصيرية. أما الحكومات والأنظمة العربية فلا تحتاج لشعوبها في مثل تلك الظروف والمواقف لأنها هي التي تحدد الصحيح من الغلط وهي التي تفرض الأشياء على الشعوب، وهي التي تنوب عن الشعب والأمة، وتقوم بتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات المصيرية.
كل هذا يتم دون سؤال الشعب عن رأيه وموقفه من تلك المعاهدات والاتفاقيات … والتاريخ العربي مليء بالأمثلة الحية، منها مثال إتفاقية كمب ديفيد بين مصر و(إسرائيل) ووادي عربة بين الأردن و(إسرائيل)، ووقعت كل الاتفاقيات الفلسطينية (الإسرائيلية) من أوسلو حتى يومنا هذا دون سؤال الفلسطينيين أو أخذ رأيهم. كما الاتفاقيات السالفة بين العرب والصهاينة التي تمت دونما استشارة الشعوب العربية في أيً من تلك الاتفاقيات، مع أن تلك الشعوب تعتبر مصانع لإنتاج الشهداء والجرحى والأسرى والمدافعين عن الأمة والوطن، فتكون الخاسرة في الحرب والخاسرة أيضا في السلم.
إلى متى تستمر هذه المعادلة الغريبة العجيبة؟
الى متى يستمر الاستهتار بالشعوب العربية؟؟
سوف تستمر الأمور على ما هي عليه حتى يجيء اليوم الذي يخرج فيه من هم أشجع من الكاتب الأمريكي آرثر ميلر ليقولوا لحكامهم أننا نرفض تسلم الجوائز ومصافحتكم ما دمتم لا تحكمون بالعدل، ولا تعملون بشكل ديمقراطي، ولا تلبون رغبة شعوبكم، ولا تسألونها عن رأيها بالقضايا المصيرية التي تخصها وحدها.
بهذا تكمن العبرة من رفض الكاتب الأمريكي آرثر ميلر لتسلم الجائزة من يد شارون وأركانه. وتكون العبرة جاهزة ويكون للعربي حرية الرفض أو القبول، وحرية الاستمرار في عصر القرود والحمير أو الأنعتاق والدخول في عصر الحرية الجديد.
2003 / 4 / 20