خذوا العبرة من لص هيومانيتاس
نضال حمد
كنت أتصفح الانترنت حين وجدت هذا الخبر القصير والسريع والمثير، فما أن قرأته حتى بانت الدنيا أمامي كحبة ليمون مدورة وملونة، مكورة ولذيذة مثل تفاحة من بلدتي الشهيدة. بعد أن انتهيت من قراءة الخبر عن اللص الطيب تذكرت الفيلم العربي اللص الظريف وتذكرت الرجال الطيبين في بلادنا العربية المستباحة، كما تذكرت المسلسل اللبناني القديم بنت الحرامي وابن الشاويش، وتذكرت أيضا مسلسل عن حرامي النساء في بولندا، وتذكرت حكاية علي بابا والأربعين حرامي، وتذكرت بعض لصوص الثورة المغدورة وبعض قادة المصادفة من لصوص مرحلة التحرر الوطني بيسارها ويمينها، وتذكرت كذلك حرامية البلاد العربية من المحيط الي الخليج.
خليط من الذكريات اجتاحني لحظة الانتهاء من قراءة القصة الظريفة، فكل ما ذكرته أعلاه لم يدل بعد علي النهاية، صحيح أن القصة الهولندية انتهت برسالة الاعتذار من بطلها وبإعلان صادر عن المؤسسة. لكن القصة تدل على أن بطلها ليس لصا عاديا، فالرجل سرق لسد الجوع ولملء أمعائه الفارغة، إذ قام بالسطو على مكتب مؤسسة خيرية هولندية لأنه كان جائعا وبلا طعام منذ عدة أيام. وعندما اكتشف اللص الظريف بطل حكايتنا أن المؤسسة التي سرقها تساعد الفقراء وكبار السن قام بكتابة رسالة اعتذار للمؤسسة التي تحمل اسم هيومانيتاس واعدا بالتبرع لها عندما تتوفر له الأموال وفور تحسن أوضاعه المالية.
قامت المؤسسة بدورها بنشر خبر السرقة على موقعها الالكتروني، وأعلنت أنها لن تبلغ الشرطة مع أن أمر السرقة أزعجها، لكنها اعتبرت أن المشجع في الأمر كله وجود لصوص طيبون يعتذرون ويقدمون وعودا بالتعويض ..
هذا اللص عرف كيف يقدم اعتذاره وتبريره للسرقة التي قد تسبب الضرر لبعض المحتاجين من الذين تكفلهم وتساعدهم المؤسسة. لكن اللصوص الذين يتحكمون بالشعوب والبشر والحقوق ويسلبون أمة كاملة ثرواتها وحقوقها، هؤلاء من سيحاسبهم ومن سيوقف زحفهم وامتداد أياديهم لأموال وأملاك الغير؟ لا يوجد من يحاسبهم ولا من يمنعهم، حتى ضمائرهم ليست كضمير اللص الهولندي الذي وجه اعتذاره وبرر سطوه على أموال الغير بالجوع والعوز. هو كان محتاجا وجائعا أما حكام الامة والوطن الكبير من المحيط الي الخليج ليسوا بحاجة لتقديم اعتذارات، فالشعوب تقدم لهم الاعتذار والولاء ماداموا لازالوا يتحكمون بالعباد والعبيد.
لم نسمع أي من حكامنا يوجه بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربية في تونس اعتذارا لشعبه المكتوي بنار الوحدة والتحرير والتنمية، الملتفح بنار رفح ولهيب مقاومتها على الحدود مع أكبر دول العرب…
لم نسمع بأي اعتذار لجماهير الأمة الملتسعة والملتفحة بنار الوحدة والقومية العربية… لم يعتذروا عن سنوات حكمهم الطويلة… ولم يبرروا سياستهم العليلة والسقيمة.. كيف لهم أن يجدوا التبريرات لبقائهم في الحكم طيلة كل تلك وهذه السنوات… لقد جاءوا ليكونوا حكاما حتى الأبد و حكمهم لا ينتهي سوى بموتهم وإن ماتوا فالورثة حاضرون وقد يخلفهم أبناؤهم وإن عز الأبناء فهناك البنات والزوجات والأخوة والأخوات…
أحد القادة العرب وهو يحب دائما أن يجعل من نفسه نجم النجوم بمناسبة وغير مناسبة، ويفتعل الإثارة كلما دق الكوز بالجرة كما يقول المثل الشعبي، بقيت مشاركته في القمة معلقة حتى صباح اليوم، لكنه وصل الى تونس ثم فاجأ الجميع بقراره الانسحاب احتجاجا على جدول الأعمال. كما تمنى في حديثه أن تقوم اللجان المختصة في بلده بالموافقة علي الانسحاب من منظمة الجامعة العربية. ترى لماذا تقبل الجامعة العربية عضوية بلد لا يريد أن يكون عضوا في منظمتها؟
ولماذا لا يرفض الخوض في مثل هذه القضايا؟
وهل العضوية الشكلية في الجامعة العربية ضرورة قومية؟
إن الضرورة القومية العربية تقضي بإعادة بناء مؤسسة الجامعة بعيدا عن السطو السياسي واللصوصية الحكومية، فوجود الجامعة ضروري وحيوي، لكن ليس وجودها الشكلي ولا حضورها الهزيل، لأنها بهذه الطريقة تتحول لجامعة لا تجمع أحداً ولا تجتمع علي أي شيء سوي الخلافات والفرقة والصراعات الجانبية.
مطلوب تجديد شباب الجامعة وبعثها من جديد على أساس واضح وجلي لا يكون هناك ما يعيق عملها سوي الأعداء هذا ان استطاعوا فعل ذلك. فعندما تتوحد وتستعد وتؤمن الأمة بقدراتها لن يكون هناك مجال للأعداء حتي يعبثوا بها، فالأمة قوية بوحدتها وبنظافة بيتها وبصلابة بنيانها وبتمسكها برأي شعوبها. أما الآن ونحن في أمة العرب على مفترق طرق وعلى حافة الهاوية، ونحن كذلك بدون وحدتنا وارتكاز حقيقي لأمتنا يبني ويؤسس بطرق سليمة وصحيحة، لأساس سياسي واقتصادي واعلامي وعسكري موحد قد يتمكن الاعداء من قبر هذه الأمة كما قبرت عصابات اليانكي أمة الهنود الحمر في أمريكا. لذا على حكامنا أن يأخذوا العبرة من خطاب بوش الأخير في مؤتمر منظمة ايباك الصهيونية، حيث وصف الولايات المتحدة الامريكية و (اسرائيل) بدولتين فتيتين شبيهتين.
نعم إنهما وجهان لعملة واحدة فهناك تمت إبادة الهنود الحمر وهنا يعملون على إبادة الهنود السمر كما كتب يوما صديقي الأعزل الكاتب العراقي حمزة الحسن.
2004/05/27