خسرنا فناناً جميلاً .. بقلم نضال حمد
في وداع الفنان الفلسطيني مصطفى الكرد من مؤسسي مسرح الحكواتي وفرقة نوح ابراهيم للفنون الشعبية والمسرحية الفلسطينية.
وداعاً أيها الغاضب العربي الفلسطيني الذي بقي كما غضب شرفاء الأمة منتفضاً من أوراس لليمنِ. هذا اليمن الذي ينتصر اليوم وكما في كل الأزمنة لنصرة فلسطين وغزة.
ها أنت يا مصطفى تعود منتصراً مع شعبك الذي يصنع المعجزات في غزة والضفة … مع عنب الخليل الذي يقاوم لصوص الأرض وقتلة الانسان. مع أناشيدك التي كانت وبقيت شاهدة على أنك كنت مرتبطاً بالأرض ارتباطها بالانسان الفلسطيني .. فأنت الذي أنشدت “الأرض عندي أم أنتِ أم أنتما تؤأمان “.. الأرض يا مصطفى كانت لك هي الوطن والانسان والعنوان، هكذا كانت لنا ولازالت بالنسبة لنا كلنا نحن تلامذة ناجي العلي وغسان كنفاني وعلي فودة وكمال ناصر ويوسف الخطيب وكل شهداء وثوار فلسطين الحقيقيين. اليوم أنت تعود للأرض التي لم تحرمنا المطر وللتي لم نعز عليها بشيء من الدم الى العرق والكد.
وداعاً للحلم الجميلا الذي خسرناه بعدما اِنْطَفَأَ النور في القنديلا …
وداعاً للذي كان أول من سمعته منشداً لموال “يما مويل الهوى يما مويلا ليّه” بايقاع موسيقي مذهل ورائع وساحر، له هو، أي لمصطفى على العود ومعه رفيقه ورفيقنا وصديقه وصديقنا وزميله وزميلنا الفنان والموسيقار الفلسطيني الراحل أبو أحمد الجمل، قائد فرقة الأرض للفنون الشعبية الفلسطينية. وهما اللذان عملا معاً ومعمهما الفنان أحمد جلال، صديق ورفيق الدرب الطويل، كذلك كان من أعضاء الفرقة الشهيد محمد بدران (ساكسفون) والأخ محمود شحادة (كلارنيت) وهما من مخيم برج البراجنة.عملوا كلهم في الفرقة التي كانت أيضاً مسرحية وكان لها شأن في ذلك الوقت من الزمن الفلسطيني الثوري في بيروت ولبنان…
وداعاً للانسان الوطني الملتزم، للفنان الذي صاحبنا صوته طوال مسيرة النضال من بلد الى بلد ومن مكان الى آخر.. وداعاً لمطصفى الكرد، للذي أمتع أمة كاملة بصوته العذب، الجهور، العالي، النظيف، المُثور، المنتفض، الذي كان ينطق الغضب ويرسل اللهب.. وداعاً للذي أنشد للشهيدة منتهى حوراني، “علمتني اسمها واسمها منتهى” وللأرض فلسطين “كوني على شفتي اسماً لكل الفصول…”… وعن “دفاعي أدافع” .. وعن الحلم الجميلا الذي خسرناه وهو موال رائع من قصيدة رائعة لمحمود درويش. فمع مواله الرائع في بداية تكوني الفدائي وانطلاقتي الأدبية عشت وعشنا أنا وجيلي في المخيمات الفلسطينية بلبنان، عشنا يوم الأرض وأهل الأرض وثورة شعب الأرض سنة ١٩٧٦ وما تلاها من سنوات سبعينية تخللها الحرب الأهلية في لبنان وحصار مخيمات جسر الباشا وضبية وتل الزعتر. ثم عملية دلال المغربي ورفاقها، واجتياح الليطاني سنة ١٩٧٨ ومن ثم عملية جمال عبد الناصر في نهاريا في نيسان ابريل 1979، بقيادة الأسير والمُحرر والشهيد العربي بقلب فلسطيني، البطل المثال والفذ والاسطورة سمير القنطار.
محطات هامة وتاريخية و مفصلية في تاريخ شعبنا وأمتنا رافقت مسيرة مصطفى الكرد على الأرض اللبنانية… لهؤلاء كلهم أنشد ولحن وغنى الراحل الكبير مصطفى الكـُرد .يعني منذ أكثر من ٤٥ سنة.
الفنان المقدسي الفلسطيني مصطفى الكرد رمز ثقافي وفني ونضالي نخسره مثلما خسرنا لسع الزنابق وبعض الخنادق… يرحل بعد رحلة طويلة من النضال بالصوت والموسيقى والالتزام واللحن والكلمات الثورية الملتزمة، فقد أنشد شعراً وقصائد لشعراء الثورة الفلسطينية منذ سنوات السبعينيات من القرن الفائت. وكان مع الراحل الكبير الفنان أبو احمد الجمل من مؤسسي فرقة الارض للفنون الشعبية الفلسطينية في لبنان. الفرقة تبعت جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة الراحل الأمين العام طلعت يعقوب. وأنشد مصطفى الكرد أغنياته الشهيرة في نهاية سبعينيات وبداية ثمانيينات القرن الفائت في لبنان ومخيماته الفلسطينية. هناك بالضبط تعرفت عليه وعرفته وعرفت موسيقاه وصوته.
في أعقاب غزو لبنان صيف سنة ١٩٨٢ ورحيل الثورة عن لبنان لم أعد أعرف عنه شيئاً فقيل أنه سافر الى ألمانيا ثم عرفت فيما بعد أنه عاد الى القدس عاصمة فلسطين المحتلة. ومن هناك واصل مسيرته الفنية والثقافية فأصبح مرتبطاً بالجو الثقافي في الأرض المحتلة، وذاع صيت أغنيته الجميلة “هات السكة هات المنجل”… ولكننا نحن شبيبة وشباب مخيمات لبنان وجيل الأشبال والمقاتلين في مخيمات الفلسطينيين بلبنان عرفناه من خلال أغاني عديدة ذكرتها أعلاه ومنها “منتهى” أو “خسرت حلماً جميلا” وأغنية “دمي يا دمي”… وأيضاً أعودُ مُنتصبًا .. أعودُ أعودُ مُنتصبًا، أُزمجرُ تحت سكِّينِه! ويذبحُنِي ويفرُمُنِي/ و … وكذلك “أنا الغضب الذي لازال منتفضاً من أوراس لليمنِ” .. و “عن الورود أدافع… وعن دفاعي أدافع”.
ولد الفنان الفلسطيني الملتزم مصطفى الكُرد سنة 1945 أي قبل النكبة بثلاث سنوات وغادرنا اليوم في ١٩ شباط ٢٠٢٤. حيث سيوارى الثرى في القدس العربية المحتلة عاصمة فلسطين.
19 شباط فبراير 2024
نضال حمد
الشاعر الفلسطيني الكبير/ محمود درويش
خسرت حلما جميلا،
خسرت لسع الزنابق
وكان ليلي طويلا،
على سياج الحدائق
وما خسرت السبيلا
لقد تعوّد كفّى،
على جراح الأماني
هزي يدي بعنف.. ينساب نهر الأغاني
يا أم مهري وسيفي!
-يمّا.. مويل الهوى
يمّا.. مويليا
ضرب الخناجر.. ولا حكم النذل فيّا-
يداك فوق جبيني، تاجان من كبرياء
إذا انحنيت، انحنى، تل وضاعت سماء
ولا أعود جديرا بقبلة أو دعاء
والباب يوصد دوني
كوني على شفتيا اسما لكل الفصول
لم يأخذوا من يديّا، إلا مناخ الحقول
وأنت عندي دنيا!
-يمّا.. مويل الهوى
يمّا.. مويليا
ضرب الخناجر.. ولا حكم النذل فيّا-
الريح تنعس عندي.. على جبين ابتسامة
والقيد خاتم مجد، وشامة للكرامة
وساعدي.. للتحدي
على يديك تصلي طفولة المستقبل
وخلف خفنيك، طفلي يقول: يومي أجمل
وأنت شمسي وظلي
-يمّا.. مويل الهوى
يمّا.. مويليا
ضرب الخناجر.. ولا حكم النذل فيّا-
الأرض، أم أنت عندي أم أنتما توأمان
مد مدّ للشمس زندي؟ الأرض، أم مقلتان
سيان سيان.. عندي
إذا خسرت الصديقة فقدت طعم السنابل
وإن فقدت الحديقة ضيّعت عطر الجدائل
وضاع حلم الحقيقة
عن الورد أدافع شوقا إلى شفتيك
وعن تراب الشوارع خوفا على قدميك
وعن دفاعي أدافع
-يمّا.. مويل الهوى
يمّا.. مويليا
ضرب الخناجر.. ولا حكم النذل فيّا
١٩-٢-٢٠٢٤