خليل الزبن: إعلامي ومناضل كبير – رشاد أبوشاور
عرفته في عمّان عام 1968، وتوطدت علاقتي به بسرعة، فهو شعبي، متواضع، أليف، قريب إلى القلب.
عرفته صحفيا يتمتع بخبرة، لعله حصّلها من العمل مع شقيقه عبد الحفيظ محمد، الذي كان يملك صحيفة أسبوعية في عمان.
منذ عرفته، وكنا شبابا، ممتلئين حماسة، كان فتحويا أصيلاً، ولكنه لم يكن يختلف بحدّة مع أصدقائه المنضوين في فصائل أُخرى، وأنا منهم.
عرفت أنه يؤدي دوره الوطني في إعلام فنج.، وكان المكتب في اللويبده.
بعد ( أيلول) 1970 حوّلت جريدة ( فتح) اليومية إلى صحيفة ناطقة بلسان منظمة التحرير الفلسطينية، وقد طلب من الفصائل أن تنتدب ممثلين لها للمشاركة في إصدار الصحيفة، وكنت أنا أحد هؤلاء.
تعززت صداقتي بخليل، ومعا واجهنا أوقاتا صعبة، نحن ، وكل زملائنا في الصحيفة..وتلك كانت فترة لا يمكن اختصارها بكلمات.
خليل كان نشيطا جدا، متقد النشاط، حيوي الحضور، تلتقيه في كل مكان، وهو دائب الحركة، والعمل، و..لا يكف عن بذل المساعدة حيث يطلب منه، وغالبا: قبل أن يطلب منهن فهو مبادر، وصاحب نخوة، ومولع بالمساعدة، وبالقيام بالعمل حتى عن الآخرين.
انتقلنا إلى سورية، بعد الضربات التي لحقت بالثورة الفلسطينية، وهناك تجددت صداقتي بخليل ( أبوفادي)، وتعرفت بزوجته المناضلة، وانعقدت بيننا أواصر صداقة أسرية ما زالت ممتدة حتى يومنا هذا، وقد انتقلت لأبنائنا وبناتنا.
من جديد عملنا معا، فأنا (غادرت) صفوف الفصيل الذي كنت أحد (كوادره)، وعندما علم خليل بما أمر به من ضيق، أخبر الصديقين حنا مقبل، وماجد أبوشرار، فأرسلاه لي، وطلبا مني الحضور للقائهما في الإعلام ، حيث كانت تصدر مجلة فتح الأسبوعية، وكان مقرها في بوابة الصالحية بدمشق، قبالة البرلمان.وكان هذا في العام 1972 .
استأنفت العمل في المجلة، ومعا مضينا من جديد، وآنذاك تعرضت لأزمة صحية، وكان خليل ( أبوفادي) هو الذي وقف معي، بنخوته التي لازمته طيلة عمره، وحتى استشهاده.
عام 1972 انتقلنا إلى بيروت، فعمل خليل في وكالة وفا، وأنا كنت واحدا من أسرة مجلة ( فلسطين الثورة) التي أنشئت باسم منظمة التحرير الفلسطينية.
برع خليل في صياغة الأخبار، ومتابعته، فهو صحفي لا يكل ولا يمل، ولذا كنت تراه في وكالة وفا ، التي كان مكتبها في الفاكهاني، في أي وقت، وكأنه لا ينام، ولا يرتاح.
لما بدا الرحيل عن بيروت ، غادرت في الدفعة الثانية يوم 22 آب 1982 ، ولقد ذهلت وأنا جالس بجوار سائق الشاحنة، عندما رأيت الصديق الأصيل ( أبوفادي) وهو يحمل إناء فيه أرز، يحفن منه ويرّش على المقاتلين وعينيه محمرتين من البكاء. (كتبت عن هذا المشهد في كتابي : آه يا بيروت).
فتحت فمي لأناديه وأودعه، ولكنني عجزت، فقد خنقتني الدموع.
خليل يودع أخوته ورفاقه الفدائيين، ويشجعهم أن لا ييأسوا!
هذا هو خليل الزبن ( أبوفادي) الصحفي، الفدائي، صاحب صاحبه.
في تونس واصل خليل الزبن عمله الإعلامي والصحفي، بنفس الروح، والحماسة، فهو لا ييأس، انطلاقا من الصحفي يكتب لفلسطين، ويحض على الفداء..وهو ( أبوفادي) لا عجب.
عاد خليل إلى غزّة بعد اتفاق أوسلو، وأقام هناك مع أسرته، واستأنف عمله في وكالة ( وفا)، و..بعد اغتيال الصديق ميشيل النمري في ( أثينا) تسلّم رئاسة تحرير نشرة ( النشرة التي كانت متخصصة في نشر أخبار الأحزاب وقوى المعارضة العربية…
اغتيل خليل الزبن عقابا له على التزامه بفتح، وإخلاصه للرئيس عرفات عندما استهدفه ( خارجون) عن الحركة. كان هدفهم الاستيلاء على الحركة والتخلّص من عرفات، وشق صفوف فتح.
اغتالته جهة تطلق على نفسها ( كتائب الموت)، وهذه الجهة أسسها وقدها منشق عن الحركة…
اتصف خليل الزبن بالتواضع، والابتعاد عن السعي للمناصب و( البروظة)، والإخلاص لوحدة حركة فتح، ودورها الريادي، وأصالتها…
كان يمكن أن يستشهد خليل الزبن في أغوار الأردن، أو في سفوح جبل الشيخ، أو جنوب لبنان، أو في معركة بيروت..ولكنه ( استشهد) اغتيالاً برصاص خائن وجهه إلى صدره مارقون يعرفهم شعبنا.
رحم الله الشهيد ( أبوفادي)، وأسكنه فسيح جناته مع رفاقه وأخوته الذين سبقوه، والذين سيلحقون به على طريق فلسطين.