خمسة عُقُود على اغتيال غسان كنفاني – الطاهر المعز
“يسرقون رغيفكَ ثم يعطونك منه كسْرَةً، ويأمرونك أن تشْكُرَهُم على كَرَمِهِم… يَالَوَقَاحَتِهِم”
غسان كنفاني من مواليد “عَكّا” يوم الثامن من نيسان/ابريل 1936، واغتاله العدو الصهيوني في بيروت يوم الثامن من تموز/يوليو 1972، لكن تَمزّق الجَسَد وبقيت الفكرة، إذْ لم يعش غسّان كنفاني سوى 36 سنة، لكنه ترك تراثًا سياسيا ثوريا، وصحافيا وأدبيًّا وإنسانيا ضخمًا، وعظيمًا بعظَمَةِ “أم سعد”.
كتب غسّان كنفاني ضمن رواية “أم سعد”
“إننا نتعلم من الجماهير، ونعلمها” ومع ذلك فإنه يبدو لي يقيناً أننا لم نتخرج بعد من مدارس الجماهير، المعلم الحقيقي الدائم، والذي في صفاء رؤياه تكون الثورة جزءاً لا ينفصم عن الخبز والماء وأَكُفّ الكدح ونبض القلب”.
كان غسان كنفاني من مؤسسي وقيادِيِّي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان الناطق باسمها ومسؤول جهاز الإعلام، فكان يلتقي وفود الزائرين من الصحافيين والمُنظّمات الأجنبية، ويتحدث معهم بعدّة لُغات، في مكتبه الضّيّق بمجلة “الهدف” التي أسّسها والتي شكّلت مرجعًا للثوريين العرب، وكان مقاله الأسبوعي القصير بعنوان “موقفنا” يختزل الوضع بإبداع لا يقدر عليه سوى غسان كنفاني السياسي المُقاوم، الثائر، والإعلامي والرّسّام التّشكيلي والناقد والأديب، الذي أَزْعَجَ العَدُوّ لأنه كان مناضلاً فلسطينيًّا وعربيًّا وأُمَمِيًّا، نجح في تقديم وإيصال رواية تناقض الرواية الصّهيونية والإمبريالية عن فلسطين وشعبها وتاريخها وحاضِرِها، سواء عبر مقالاته ومُداخلاته السياسية أو عبر أحاديثه الصّحفية أو عبر رواياته (رجال في الشمس، عائد إلى حيفا، ما تَبَقّى لكم…) التي أحدثت ثورة في الأدب العربي، حيث لا تترك رواياته وقِصَصه القصيرة، التي طرقت مواضيع جديدة، بتقنيات حديثة، مجالاً للحياد، كما كان رسّامًا رائعًا، رسم أهمّ مُلصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، خلال نشاطه في قيادتها.
كان غسّان كنفاني مُفَكِّرًا وباحثًا “ماركسيا” (أي اشتراكيًّا علميا) مُنحازًا للفُقراء واللاجئين بالمُخَيّمات، وخاض معارك فكرية كثيرة، كما له الفضل في اكتشاف الرسام الشهيد ناجي العلي ( 1936 – 1987 )، وتعريفنا بشعراء الأرض المحتلة (قبل حرب 1967) الذين كانوا مُحاصَرِين، قبل أن يكتسبوا شُهْرَةً، كما له الفضل في دراسة ثورة فلسطين (1936 – 1939) من وجهة نظر طبقية، وله الفضل في تعريفنا بالدور الوظيفي للأدب الصّهيوني والدّراسات الأكاديمية الصهيونية (والمُتَصَهْيِنؤين الإستعماريين، من غير اليهود) في شَرْعَنَة و”أَنْسَنَة” الإحتلال. كتَبَ في رواية “عائد إلى حيفا”:
“لا شيء، لا شيء أبدا، كنت أتساءل فقط، أفتش عن فلسطين الحقيقية، فلسطين التي هي أكثر من ذاكرة، أكثر من وَلَدٍ، وكنت أقول لنفسي: ما هي فلسطين بالنسبة لخالد (ابن سعيد وصفية الذي بقي في فلسطين بعد الأحتلال وأصبح جنديا صهيونيا إسمه “دُوف”)؟ إنه لا يعرف المزهرية، ولا الصورة، ومع ذلك فهي بالنسبة له جديرة بأن يحمل المرء السلاح ويموت في سبيلها، وبالنسبة لنا، أنت وأنا، مجرد تفتيش عن شيء تحت غبار الذاكرة! لقد أخطأنا حين اعتبرنا أن الوطن هو الماضي فقط، أما خالد فالوطن عنده هو المستقبل، وهكذا كان الافتراق، عشرات الألوف مثل خالد لا تستوقفهم الدموع المفلولة لرجال يبحثون في أغوار هزائمهم عن حطام الدروع وتفل الزهور، وهم إنما ينظرون للمستقبل، ولذلك هم يصححون أخطأنا، وأخطاء العالم كله (…) أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله” (على لسان سعيد س. في رواية “عائدٌ إلى حيفا”)
من أقوله:
“ليس بوسع أحد أن يملاْ مكان أحد”
عن تبريرات الغرب الإمبريالي للصهيونية والإحتلال:
“إن أكبر الجرائم اعتبار أخطاء الآخرين تشكل حقاً في الوجود لأغراب على حساب شعب بأكمله، فهم يسرقون رغيفك ليعطوك منه كسرة ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم بكل وقاحة”، ووَرَدت هذه الجملة في سياق نقد الفكر الإستسلامي والقبول بجزء من فلسطين، وتقاسم الوطن مع المُحْتَلِّين، إن قَبِلَ المُستعمرون المُستوطنون بتقاسُمِهِ
“إذا كُنّا مُدافِعِين فاشلين عن القضية، فالأجْدَرُ بنا أن نُغَيِّرَ المُدافعين، لا أنْ نُغَيِّرَ القضيّة”
من روايات غسان كنفاني: عائد إلى حيفا، وأرض البرتقال الحزين، وأم سعد، وما تبقى لكم، ورجال في الشمس، بالإضافة إلى دراسات تاريخية وأدبية وسياسية ومئات المقالات ومئات الرّسُوم واللّوحات والمُلصَقات…
كتب دراسةً بعنوان: “ثورة 36 – 39 في فلسطين”، وضَمَّنَهُ تحليلاً يُبْرِزُ التّناقُض بين جمهور الثورة، من الفلاحين والفقراء، وقيادتها من قِبَلِ الأعيان وكبار مالكي الأرض، ما شَكَّلَ أحد أسباب فَشَلِها.
للمراجعة: ترجمة لمقابلة مع غسان كنفاني، أجرتها “مجلّة اليسار الجديد” ( New Left Review ) في شباط/فبراير 1971، ونشرها موقع “قلم رصاص”، تتضمن إلحاحًا من المُحاور على خطف الطائرات وعلى الصّدام مع النظام الأردني، بدل التركيز على طبيعة الكيان الصهيوني وطبيعة النضال الوطني التّحرّري للشعب الفلسطيني.
كنعان