داعش.. وكلب الروم – بقلم د. ناجح إبراهيم
أرسلت داعش رسالة عجيبة إلى الرئيس الأمريكى عنوانها «إلى أوباما كلب الروم».. قلت لنفسى: ما علاقة أمريكا بالروم وهى أمة جديدة معروفة من قبل ومكونة من عشرات الأجناس والأديان التى ذابت وانصهرت فى البوتقة الأمريكية.. وما علاقة أوباما بالروم وهو أسود من أصول إفريقية؟!.
تأملت هذا الخطاب سائلا نفسى: لماذا تستخدم داعش هذه الطريقة الفجة فى خطابها لزعيم أكبر دولة.. وهى لا تمتلك إلا عشرات الدبابات وتسيطر على عدة مدن فى العراق.. فوجدت بعد طول تأمل أن مثل هذا الخطاب هو جزء من أزمة فصائل كثيرة فى الحركة الإسلامية المعاصرة.
إنها تريد إعادة بعض الخطابات التاريخية التى يتداولها الخطباء والوعاظ ليدغدغوا بها عوام البسطاء، ويذكروهم بأمجاد المسلمين وعزهم دون أن يبينوا لهم أن هذه العزة لم تأت من فراغ.. ولكنها أتت بالعلم والعمل والجد والاجتهاد والبذل والعرق والتقدم فى كل المجالات.
إن معظم خطباء الحركة الإسلامية لا يكادون يتركون قصتين من التاريخ منها قصة المعتصم حينما لبى نداء المرأة التى أسرها الروم «وامعتصماه» فجهز لها جيشاً جراراً هزم به الروم.. ناسين أن المعتصم العباسى كان يحكم وقتها نصف الكرة الأرضية ويستطيع محاربة وهزيمة النصف الآخر.
أما القصة الثانية فهى تلك التى علقت فى عقل داعش ولم تخرج منها ولم تسترح حتى أرسلتها بنصها إلى أوباما.. وهى قصة ذلك الخليفة الذى هدد نقفور ملك الروم بقوله «إلى نقفور كلب الروم».
إننا نكرر نفس الخطاب ونفس القصة دائما حتى لو اختلفت كل العوامل المحيطة بها.. وحتى لو كنا لا نستطيع صنع كاوتش الطائرة الـ f١٦ أو إصلاح أى عطل فى أجهزة الرادار المستوردة من تلك البلاد التى نمنى أنفسنا بفتحها وحربها وقتالها دون أن نمنى أنفسنا أن نغزوها حضاريا وعلميا وأخلاقيا وتقنيا.
التاريخ كله بما فيه الإسلامى وغير الإسلامى ليس حجة ولكنه للعبرة والعظة ومعرفة سنن الله فى خلقه وكونه.. فالحجة فقط فى القرآن والسنة وما تفرع عنهما من أدلة الاحتجاج مثل القياس والإجماع ونحوهما
وإذا كان قول الصحابى نفسه ليس بحجة كما نص الأصوليون.. أفيكون قول مثل هذا الخليفة حجة.
والغريب أن داعش وأمثالها يتركون آلاف الرسائل المتبادلة بين حكام أو ملوك المسلمين إلى غير المسلمين بما كان فيها من أدب راق وخلق كريم ويعشقون هذه الرسالة بالذات.. لأن فيها من الاستعلاء والشموخ والكبر ما فيها، والغريب أن داعش وأخواتها وممن يتربى على هذه الطريقة يغفل تماما عن خطاب الرسول العظيم المهذب «إلى هرقل عظيم الروم».. «وإلى المقوقس عظيم القبط».. وإلى كسرى عظيم الفرس.. فما يضير الحركة الإسلامية وداعش وأخواتها أن تستعير هذا الخطاب أو بعض مفرداته من النبى صلى الله عليه وسلم وهو أولى بالاتباع.
إن جعل بعض صفحات التاريخ الإسلامى حجة على الشرع والدين هى مأساة من مآسينا المعاصرة.. خاصة إذا كان أصحاب هذا من الملوك والحكام «أى من التاريخ السياسى».. ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم عظيما ودقيقا ومحتاطا لهذا الأمر حينما صاح فى أجيال الدنيا آمرا: «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى».
إن محاولة تكرار التاريخ القديم بحذافيره فى مواطن لا علاقة لها به ولا تشابهه ولا تماثله سيجر المزيد والمزيد من الويلات على الحركة الإسلامية والدواعش وأخواتها.. وخاصة إذا تأملت خطاب داعش لأردوغان بعد نجاحه فى الانتخابات «أيها العلمانى سنحتل أرضك ونطردك منها» وخطابات مشابهة إلى بوتين وبريطانيا.
إنها أزمة خطاب وفكر وقراءة خاطئة للتاريخ الإسلامى خاصة والإنسانى عامة.. فسيمضى أوباما وسيرحل عن الحكم ولا يهمنى شىء.. ولكن ستبقى أزمة الخطاب الإسلامى باقية ما لم نراجع أنفسنا ونحسن قراءة نصوص الشريعة من جهة.. والواقع الذى نعيشه من جهة أخرى.. وكذلك قراءة التاريخ كله قراءة عبرة وعظة وسنن للكون وللحياة، وليس قراءة احتجاج وتكرار ساذج له.
داعش.. وكلب الروم – بقلم د. ناجح إبراهيم