دحلان في عيون «فتحاويّي غزة»: القطاع جسر عبور إلى الضفة – مروة صابر
لا شيء تغيّر عن الأمس. أسلوب القيادة هو نفسه، فكيف حينما يكون «القائد» رجل أمن، يعرف كيف يغري ومتى يبتز، تاركاً كل الاتهامات بحقه دون ردّ واضح، فالشهرة تأتي حتى بالمذمة! هذا ما يخيف فتحاويي غزة، الذين تركهم محمود عباس بحال من الإهمال التنظيمي، ثم طاولتهم قراراته بحق القطاع، فلا هم يستطيعون نصرةً له، ولا قدرة لديهم على المغامرة بمواجهة محمد دحلان… الذي بات واضحاً أنه يأخذ من غزة جسراً للتربع في الظرف المناسب على «عرش رام الله»
مروة صابر
غزة | منذ خرج القيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان من قطاع غزة، لإجراء عملية جراحية، ثم تبع ذلك سيطرة حركة «حماس» عسكرياً على القطاع (2007)، بات الرجل منفياً بحكم القوة، مثله مثل قيادات أمنية كثيرة في «فتح». لكن بقاءه في الضفة المحتلة لم يطل، خاصة حينما وصلت المعركة مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وقيادات أجهزة أمن آخرين، إلى ذروتها. وبعدما أغلقت الضفة أبوابها على دحلان، وبات بانتظاره حكم قضائي أنهى حضوره القوي بعد ترؤسه جهاز «الأمن الوقائي»، لم يضيع الرجل وقته، بل استثمر علاقته بدولة الإمارات ليعمل مستشاراً أمنياً لحكّامها.
هذه ليست قصة رجل سياسة، بل قصة رجل أمن يحاول اليوم تقديم نفسه لاعباً سياسياً مؤثراً، وقيادياً فلسطينياً يستطيع بزيارةٍ للقاهرة فتح معبر رفح البري «تخفيفاً لمعاناة شعبنا في غزة»! قبل ذلك وخلاله، عمل بتوافق مع الفصائل في غزة، خاصة «حماس»، على ضخ أموال بطابع إنساني، تحت عنوان مساعدات مالية لأسر الشهداء والجرحى ودعم الفقراء والطلاب وإقامة الأعراس الجماعية، ولم يكن أفضل ممثل لذلك عنه سوى زوجته، جليلة، التي عملت باسم جمعية «فتا» الخيرية.
رغم ذلك، لم يكن هذا هو سقف الطموح الذي يعبِّر عنه الرجل، بل إنه يريد العودة إلى المشهد السياسي، وتحديداً رئاسة السلطة أو رئاسة الوزراء على أقل تقدير، وهو ما يدفع قياديين فتحاويين في غزة إلى التقدير أنّ القطاع ليس إلا «جسراً» للعبور إلى الضفة، خاصة أن كلا الطرفين، «حماس» ودحلان، يعلمان أن توافقهما بقدر ما يطول، فإنه محكوم بنهاية ما. فهذا التوافق بُني تدريجاً بعد أزمات متتالية في العلاقة بين السلطة ومصر، وباقي دول «الرباعية العربية» (الأردن والسعودية والإمارات)، ثم أتت محاصرة قطر لتضيّق الخيارات أمام قيادة «حماس» الجديدة، التي تحاول بجهد كبير أن تبقي العلاقة بينها وبين القاهرة «على خط مباشر» دون وساطة من دحلان، فيما تدفع الأخيرة به بين حين وآخر.
حتّى عباس لم يقدّم إلا «مبررات» للحركة، فقد مثّلت قراراته بحق الموظفين والكهرباء وملفات أخرى في غزة، أسباباً إضافية للتواصل مع المصريين ودحلان. وما كان ذلك لينجح لولا أن دحلان استطاع أن يتغلغل داخل غزة الأكثر احتضاناً للفئات المهمشة، بجانب الخطوط التي فتحها في الضفة والقدس ومخيمات الشتات، فيما استمرت جمعية زوجته بـ«أعمالها الخيرية»، بالوصول إلى منازل الغزيين لتصلحها، وإلى العقيم كي ينجب والطالب ليتعلم ويتزوج، عبر مشاريع ممولة إماراتياً. هذه الطريقة لم تكن إبداعية، كما يرى كوادر فتحاويون، بل هي تكرار لتجارب تنظيمية سابقة، لكن الملاحظ في حديثهم، هو أن «أبو فادي» لا يختلف كثيراً عن «أبو مازن»، في إشارة إلى تكرار أساليب قمع معارضيه، وإغراء الآخرين بالمال والمناصب، خاصة أنهم اليوم يعيشون «وضعاً محيراً» بين إهمال «فتح» الرسمية وقرارات السلطة الأخيرة التي طاولتهم، وبين «نشوة الطموح» التي يبشر بها دحلان.
خلال محاولات عدة للاتصال بقياديين من الحركة في غزة، رفض كثيرون التحدث، فيما تحجج آخرون بأنهم لا يمتلكون معلومات كافية عن الذي يدور، لكن ما يتبين أنهم لا يريدون إشهار العداء لدحلان في وقت تُفتح فيه الفرص له، ولن يكونوا ملكيين أكثر من الملك بحق التنظيم الذي «يهمّش» القطاع دوماً، كذلك فإنهم يفضلون ترقّب النتائج ليحددوا موقفهم، خاصة أنهم يرون في دحلان أحد أسباب ضياع غزة من أيدي السلطة.
مع ذلك، يبقى البحث في حقيقة حجم دحلان داخل غزة، على الصعيد التنظيمي والشعبي مهماً رغم صعوبة تحديد ذلك بناءً على أسلوب الرجل في العمل، لكنه مبدئياً يحظى بشعبية جيدة في مسقط رأسه خانيونس، التي تمثل القاعدة التنظيمية والشعبية الأولى له في غزة، فيما تؤكد مصادر فتحاوية أن الرجل يعمد كثيراً إلى «تضخيم ذاته وحضوره»، مشيرة إلى أنه لا يخرج للرد على كل التقارير الإعلامية التي تتحدث عن أي دور سياسي أو حتى أمني له، داخل فلسطين أو خارجها، لأنه يرى أن مجرد الحديث عنه في وسائل الإعلام بمختلف جنسياتها يمثل تقوية لصورته ونفوذه. وفيما لم تكشف القيادات الفتحاوية نسبة حضور دحلان في الانتخابات الداخلية الأخيرة، فإن تقديرات قيادات من فصائل أخرى تشير إلى أن ثمة في المجلس التشريعي 15 ــ 17 نائباً يؤيدون دحلان، من أصل 43 يمثلون كتلة «فتح» البرلمانية (المجلس التشريعي فيه 132 مقعداً لـ«حماس» منها 76).
ولا تمثل عودة دحلان إلى غزة هاجساً تنظيمياً داخلياً في «فتح» فقط، بل يعبّر قياديون في فصائل أخرى عن مخاوفهم. يقول القيادي في «الجبهة الشعبية» لتحرير فلسطين، كايد الغول، إن ما نتج من التفاهمات الأخيرة بين حماس وممثلي دحلان قد يُسهم في حل الأزمات المعيشية، لكن «نرجو ألا يكون على حساب الثوابت الوطنية وتجسيد الانقسام وتمرير مشاريع سياسية هدفها هيمنة الاحتلال والتآمر على المقاومة». ورأى الغول أن «المسكنات المؤقتة لا تعالج مشكلات غزة الشائكة، فضلاً عن أن يكون ذلك لجوءاً إلى الرد على إجراءات أبو مازن، ما يعني أن ما يحدث لا ينطلق من معالجة وطنية شاملة»، محذراً من «بناء مشاريع سياسية تؤسس لكيان فلسطيني داخل قطاع غزة الضيق».
ومن قلةٍ قليلة قبلت الحديث من «فتح»، قال عضو «اللجنة المركزية» للحركة عبدالله عبدالله، في تصريح مقتضب، إن «التقارب بين حماس ودحلان لا يخدم المصلحة الوطنية»، فيما وصف أحد أمناء السر التنظيميين المشهد بالقول: «دحلان كان في عيون حماس الجاسوس وحليف (الجنرال الأميركي كيث) دايتون، والآن بات المنقذ لغزة…
هذا سيدخل الحركة الإسلامية في مأزق كبير، خاصة أن حماس ستبقى تمسك بزمام الأمن ودحلان مهمته أن يأتي بالأموال التي ستنتشل القطاع مؤقتاً».
ويشار إلى أن «حماس» بدأت عبر وسائل إعلامها الحركية نشر أنباء صادرة عن «التيار الإصلاحي الديموقراطي لحركة فتح»، الذي يمثل تيار دحلان في التنظيم، خاصة المتعلقة بانتقاد السلطة في رام الله، إلى حدّ انتقاد «التنسيق الأمني» الذي كان دحلان نفسه أحد وجوهه الشهيرة.
الأخبار اللبنانية