دردشة تحت القصف مع رشاد أبو شاور وحنا مقبل وعلي فودة في بيروت المحاصرة
دردشة تحت القصف مع رشاد أبو شاور وحنا مقبل وعلي فودة في بيروت المحاصرة سنة 1982
عندما كنا في لبنان قبل الغزو الصهيوني في مثل هذه الأيام وحتى أثناء حصار العاصمة بيروت والمواجهات المشرفة والمعارك الكبيرة التي خاضها شعبنا الفلسطيني مع شعبنا اللبناني بشقه الوطني والعروبي والتقدمي اليساري، كان للكتاب دورهم الطليعي والتثويري. كانوا يتسابقون على تثبيت المواقف التي تلتزم بشعار اتحاد كتاب فلسطين ” بالدم نكتب لفلسطين، وقد أستشهد العديد منهم ومنهن على جبهات القتال والمواجهة، وهم يكتبون بالدم لفلسطين وللعروبة، من الشهداء والشهيدات أذكر الآن الشهيد الشاعر علي فودة والصحفي الأسير المحرر سميردرويش والمذيعة اللبنانية إبنة جنوب لبنان نِعَمْ فارس، مذيعة صوت الثورة الفلسطينية. وآخرين وآخريات.
كان شرف كبير لأي من الكتاب والكاتبات أن ينشر في جريدة المعركة لاتحادات كتاب فلسطين ولبنان والعرب أو في جريدة الرصيف، للشاعر الشهيد علي فودة، اللتان كانتا تصدران خلال حصار بيروت صيف سنة 1982.
لقد تشرفت ونشرت شخصياً في المعركة نصان أو ثلاثة نصوص لم أعد أذكر وكنت يومها فتىً فدائياً، يبحث عن ثقافة الانتماء والمقاومة وعن دور له في الكتابة. كما كنت ابن 19 سنة، مقاتلاً يمتشق البندقية ويعشقها كما كان يعشق حبيبته. صبياً ترك مخيمه عين الحلوة وجاء الى بيروت في سن مبكرة ليكون على مقربة من جيل الثورة والابداع وثقافة الاشتباك والتحرير والتثوير.
ذات يوم بيروتي جحيمي نتيجة القصف المستعر والمتواصل جاء الأديب والكاتب الفلسطيني الكبير رشاد أبوشاور وبرفقته على ما أظن وإن لم تخني الذاكرة الإعلامي والصحفي الكبير الشهيد فيما بعد حنا مقبل، ربما كانا ينويان اللقاء بالرفيق الشهيد القائد طلعت يعقوب أمين عام ج ت ف في مقره بحي السبيل في الفاكهاني حيث كنت أقيم في ذلك الوقت. هناك توقفا وتحدثا معي ومع مقاتلين، فدائييين في موقعين متجاورين لجبهتي التحرير والنضال الشعبي. في ذلك اللقاء وضعت ورقة مكتوب عليها كلمات كنت كتبتها عن صمود قلعة الشقيف، بيد الرفيق رشاد وطلبت منه إن كانت تنفع أن ينشرها في المعركة. بعد أيام تم فعلاً نشرها في جريدة المعركة وفي وقت لاحق نشر لي نص آخر والخ.. مساعدة ابو الطيب رشاد في نشر مقالتي شجعتني فيما بعد كثيرا على الاستمرار في الكتابة.
ذات يوم التقيت أيضا وفي نفس المكان بالشاعر الشهيد علي فودة الذي كان على علاقة جيدة جدا وطيبة مع جبهة التحرير الفلسطينية وقائدها الشهيد طلعت يعقوب وقيادتها بشكل عام. سلمته أيضا أوراق تحتوي على مقالة لي. أخذها الشاعر الثائر ولكنها على ما يبدو استشهدت معه يوم إصابته واستشهاده في مطلع آب – أغسطس 1982، حين استهدفته بارجة صهيونية وهو يوزع جريدة الرصيف على المقاتلين في منطقة عين المريسة. كنت ممن شاهدوا علياً حين أحضروه الى مستشفى الجامعة الأمريكية جريحاً نازفاً. بقي لأيام في العناية الفائقة، واستشهد بعد أيام. تم نعيه من قبل إتحاد كتاب فلسطين مرتان، الأولى فور إصابته لاعتقاد الجميع أنه استشهد والثانية بعدما استشهد فعلاً نتيجة الإصابة بعد أيام من وضعه في العناية المركزة.
في النرويج وبعد أكثر من عشرين سنة على الحصار حدثني الرفيق والصديق الفنان والأديب والثائر الفدائي العراقي بقلب فلسطيني، الراحل أمير دراجي عن آخر لقاء له مع علي فودة في العناية المركزة. التيقنا أنا وأمير فور وصوله لاجئاً سياسياً عراقياً مشرداً ومعذباً الى أوسلو، وبعد رحلة حياة شاقة وصعبة في لبنان وفي مخيم عين الحلوة. وكان أمير من الفدائيين العراقيين والعرب الذين التحقوا بالثورة الفلسطينية وبجبهة التحرير الفلسطينية. فقد كانت بيروت وكان لبنان في القرن الفائت ميناءا جامعاً للثوار ولسفن الحرية وقوى التحرر العالمية، كل ذلك بفضل وجود الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية هناك حتى الرحيل عن بيروت في نهاية آب – أغسطس 1982.
هكذا وكما قرأتم هنا كان الكتاب وكانت الكاتبات الفلسطينيون والفلسطينيات والعرب والعربيات. أما الآن فهناك كثير من الكتاب سقطوا وتشوهوا وتحولوا ليصبحوا من صنف وجنس آخر من البشر. ركبوا قطار الاستسلام وعربات النفط والغاز والمال الحرام. وبدلوا لغتهم وكتاباتهم وأسقطوا شعار بالدم نكتب لفلسطين وللعروبة. فصاروا يكتبون باليورو والدولار معلقات في مدح الحكام والحكومات.. وفي مدح المستسلمين والتطبيع والمطبعين والمطبعات، في مدح السلام – الاستسلام للعدوين الصهيوني والأستعماري الامبريالي الرأسمالي العالمي، نلاراهم يحجون الى مهرجانات الثقافة النفطية والرجعية للمشاركة في نشر ثقافة الهزيمة واليأس والاحباط والاستسلام والتطبيع. لكنهم واهمون ولكنهن واهمات فالشعب لا تسير وراء الأقزام وأشباه الرجال بل تسير خلف الرجال الجبال أولياء الدم والحق والقضية.
نضال حمد
11 حزيران 2021