ذكريات مع طالب حمد –أبو وسام- إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
شاء الله تعالى أن يكن هذا اليوم يومه فكانَ… ففي الحادي عشر من الشهر الجاري فارق الحياة ابن عمتي طالب محمد طالب حمد – أبو وسام- عن عمر وصل ربما الى الثمانين أو أقل قليلا. فطالب خرج من الصفصاف طفلاً صغيرا مع عائلته الى لبنان واستقر في مخيم عين الحلوة، هناك درس وتعلم في مدارس مخيم عين الحلوة وصيدا.
كان طالباً مجتهداً سافر لتحصيل العلم خارج لبنان، حيث درس في الجامعات الباكستانية في ستينيات القرن الفائت. بعد التخرج عاد الى لبنان ومن هناك سافر الى الامارات العربية المتحدة حيث عمل وسكن في أبو ظبي لسنوات عديدة. حسب ما أذكر فقد عمل في التلفزة والإذاعة الاماراتيتين وربما في قسم اللغة الانجليزية.
كنت التقيت بطالب في “أبو ظبي” في سنتي 1979 و 1980، قمت أنا والراحل غازي حمد – أبو العبد- رحمه الله وابن العم طارق علي حمد – أبو علي- بمساعدة قريبنا طالب في تجهيز بيته لأنه كان في ذلك الوقت ينتظر وصول زوجته وأولاده من لبنان.
بعد وقت قصير غادرت أنا الامارات عائداً الى لبنان لأنني لم أستطع التكيف مع الحياة هناك. وكانت تلك المغادرة ضربة قاسمة لأحلام وخطط أبي فيما يتعلق بمستقبلي. فقد عاندته وعاندت زوج شقيقتي رحمه الله وكل أقربائي. المرحوم أبو فراس حمد زوج شقيقتي هو الذي استحصل لي على فيزا العمل والإقامة. حاول جاهداً وحتى آخر لحظة اقناعي بالبقاء، كما نه أخفى وثيقة سفري وتذكرة طائرتي، لكنني عثرث عليهما وأخذتهما خلسةً، ثم سافرت عائداً الى لبنان ورجعت الى مخيم عين الحلوة. بعد ذلك مرت الأيام والأسابيع والشهور وإذا بالقدر يعيد طالب إبن عمتي الى لبنان. فقد انتهى عقد عمله هناك ولم يجددوا له اقامته.
قبل ذلك كانت هناك أحداث عديدة لها علاقة شخصية بي وبطالب. أحداث تاريخية مؤلمة ومحزنة ومفجعة. أهمها الحدث الذي حصل سنة 1980 وهو حدث مأساوي ومحزن ومبكي. يومها كنت في زيارة إلى دار العم أبو طالب حمد، إلى عمتي نزهة “أم طالب حمد” رحمهما الله، في شقتهما بحي الحاج حافظ أو حي الدكتور وليد قصب كما يطلقون عليه، فيما أنا كنت أسميه حي أخي وحبيبي وصاحبي فريد حمد، فريد إبن عمتي وصديقي، الذي توفي قبل هذا الحدث بشهور.
كانت الأخت دلال –أم وسام- زوجة طالب تسكن هي وعيالها مع دار عمتي في نفس الشقة. هي وعمتي كانتا داخل الشقة في المطبخ على ما اعتقد أما أنا وابنتها الصغيرة فاتن وابنها الصغير وسام وابنها الأصغر محمد، ذو العام الواحد أو العام ونصف العام لم أعد أذكر بالضبط، كنا على البلكون، أنا واقف أراقب حركة الناس، الحمدلله كانت قليلة جداً في ذلك اليوم، والأطفال الثلاثة يلعبون بجواري. في تلك اللحظة سقطت قذائف العميل سعد حداد على المنطقة وفي البستان المقابل للبناية. دنوت من محمد الذي كان يجلس على البلكون وحملته بين يدي في تلك اللحظة انفجرت القذيفة الثانية على زاوية البناية المقابلة، أذكر أنها سقطت على الزاوية السفلى للبناية حيث على الطايق الأول كانت تسكن عائلة “شما” العكاوية الفلسطينية. في تلك اللحظات العصيبة ومع صراخ الأطفال والنساء في الحارة وفي الشقة سقطت قذيفة فأصابت شظاياها جسد الطفل محمد وأمه التي هرعت من المطبخ الى البلكون لمساعدة أطفالها. أصيبت الأخت أم وسام في صدرها بينما محمد كانت للأسف إصاباته مميتة. استشهد الطفل محمد طالب حمد بين يدي فدمه صبغ ملابسي ويدي في تلك اللحظات العصيبة. لا زلت أتذكر المشهد واللحظة والحزن والغضب والدماء وصوت القذائف وشظاياها وصراخ المدنيين في الحي. بعد هذا كله يأتي ويطلع ليلقي على مسامع العالم را
عي البطريركية المارونية في بكركي بأن العملاء والخونة كانوا يقاتلون لأجل تحرير لبنان… ويدعي بأنهم وطنيين لبنانيين وليسوا عملاء للصهاينة… وأنه يرفض محاسبتهم ومحاكمتهم ويطالب بعودتهم الى لبنان.
دم الطفل محمد ودماء آلاف وربما عشرات آلاف اللبنانيين والفلسطينيين بعنق رعاة الارهاب الانعزالي الفاشي اللبناني سواء الُرعاة الكنسيين الروحانيين أم السياسيين.
كان العام الذي سبق استشهاد محمد واستهداف الحي شهد أيضا وفاة عمه، إبن عمتي فريد محمد طالب حمد بموت درامي ومحزن. فريد هو الابن الأصغر لعمتي وزوجها ولكنه الإبن الأشجع والأكثر حضوراً في البيت ولدى العائلة. بوفاته فقد البيت بهجته وحارسه الشاب، الذي كان يملأه بهجة وحركة وسرور وسعادة. كما وفقدت عمتي وزوجها العم أبو طالب أيضاً البهجة والبسمة، ليعم بعد ذلك الحزن ويخيم الألم على المنزل، الذي لطالما تواجدت فيه خلال سنوات سابقة مع فريد ابن عمتي رحمه الله.
عندما التقيت بطالب بعد عودته الى لبنان سألني عن استشهاد محمد وسقوط القذائف وكيف حدث كل ذلك. كان حزيناً على محمد طير الجنة الذي طار الى جنة الله بفعل قذائف العملاء والخونة من جماعة سعد حداد الذين فيما بعد أصبحوا يعرفون بجيش العميل لحد.
آخر مرة التقيت فيها مع طالب ابن عمتي كانت في نهاية سنة 2018 بالصدفة أمام بنك عودة مقابل سينما هيلتون في مدينة صيدا اللبنانية. كان يجلس على مقعد على الرصيف أمام البنك. جلست معه قليلاً قبل أن ينضم إلينا ابن عمي الأخ حسين علي حمد، القادم من الولايات المتحدة الأمريكية… رحم الله طالب ومحمد وفريد وأم طالب وأبو طالب وكل الأحبة.
إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف
الثاني عشرة من كانون الثاني 2022