رأيت كيف ودعوا بيروت وودعتهم – نضال حمد
أذكر بدقة الأيام الأخيرة أو الأسبوع الأخير من شهر آب – أغسطس 1982 في بيروت الغربية المحاصرة، حين كانت آخر دفعات المقاتلين الفلسطينيين تغادر بيروت باتجاه التيه الجديد.
أذكر كيف ودعنا الرفاق والاخوة في الملعب تالبلدي حيث كان التجمع ومن هناك الانطلاق نحو مرفأ بيروت الى السفن … كانت الأجواء حماسية جداً واطلاق الرصاص في الهواء كثيف جداً. والناس لا تعرف ما الذي يجري أهو البداية ام النهاية. بالتأكيد كان نهاية لزمن بيروت ونفوذ الثورة الفلسطينية فيها. كانت نصف هزيمة وكان نصف انتصار.
أنا ومجموعة من الرفاق بقينا في بيروت ولم نركب البحر بل ركبنا رأسنا وعملنا بقناعاتنا وبررنا ذلك بالبقاء مع أهلنا في مخيماتهم للدفاع عنهم. ربما كان قراراً راديكالياً لكنه نفع شعبنا فحين اقتحمت قوات شارون والمقبور بشير الجميل غرب بيروت وارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا، كُنا في المكان المناسب وحاولنا أن ندافع عن العاصمة (الفاكهاني) والمخيمين بكل قوة الى أن أصبت أنا واستشهد وأعتقل رفاق آخرين في تلك المواجهة السريعة لنحو عشرين فدائياً من (جتف) مع عدد قليل من اخوة ورفاق من فصائل أخرى تواجدوا في المكان.
قاتلنا ضد جيش شارون ومرتزقته من مجرمي بشير في حي الفاكهاني وقرب المدينة الرياضية ومداخل صبرا وشاتيلا في بيروت الغربية. فسقط الشهداء والجرحى والأسرى والمعتقلون في تلك المواجهات مع الغزاة الأعداء ومع أعوانهم الارهابيين الانعزاليين الفاشيين… ومع سلطة لبنانية عميلة لا تختلف بشيء تقريباً عن قوات بشير الجميل وسعد حداد عملاء (اسرائيل).
الآن وبعد كل تلك السنوات من المؤسف أن الرحيل من بيروت لم يعدنا الى فلسطين حرة كما كان يحلو للبعض الترداد عند الرحيل عن بيروت، بل أعاد البعض منهم الى فلسطين محتلة في إطار سلطة تُدعى وطنية لكنها عكس ذلك تماماً، فهي مثل قوات لحد تعمل في خدمة الاحتلال وبلا خجل أو ندم. سلطة بقيادة مهزومة ومستسلمة لا تؤمن بالوحدة الوطنية بل بالتوجهات الأوسلوية.
فماذا نقول لشهداء بيروت وما قبل وبعد بيروت؟
نقول لهم سنحفظ العهد يا رفاق.
سنصون الأمانة ونواصل المشوار.
نضال حمد
– الصورة مع آخر دفعة مقاتلين غادرت بيروت في نهايةشهر آب اغسطس 1982 وفيها الراحل أخي نمر طنجير.
رأيت كيف ودعوا بيروت وودعتهم…