رئيس “حماس” القادم هنية أم مشعل؟ – وسام أبو شمالة
رغم أن كل عضو من مجلس شورى الحركة لديه أحقية في الترشح إلى موقع الرئيس فيها، فإن التنافس يكاد ينحصر بين القياديين إسماعيل هنية وخالد مشعل.
اقتربت انتخابات “حماس” الداخلية من نهايتها، فبعد استكمال انتخاباتها في إقليم غزة، أنجز إقليم الخارج والشتات استحقاقه الداخلي، واختار خالد مشعل رئيساً له، فيما اختار موسى أبو مرزوق نائباً له. وما تزال العملية الانتخابية جارية في الضفة الغربية، وستشرف على نهايتها خلال الأيام القادمة. وبعد استكمال الأقاليم الثلاثة انتخاب الهيئات القيادية لكل إقليم، يتم انتخاب رئيس جديد للحركة ونائب له.
لا شك في أن انتخاب مشعل رئيساً لإقليم الخارج يعكس عودة الرجل إلى التنافس على زعامة “حماس” من جديد، بعد أن قادها لأكثر من 20 عاماً (1996- 2017). وقد أشارت بعض التقديرات إلى عدم رغبته في العودة إلى الواجهة القيادية الحمساوية، كي يتيح المجال لرئيس الحركة الحالي إسماعيل هنية لتولي قيادتها لدورة ثانية، وخصوصاً أن مشعل اعتذر عن تولي أي منصب قيادي خلال الدورة الماضية. ويبقى التنافس على رئاسة الحركة قائماً بين هنية ومشعل، وهو ما سيحسم قريباً.
يحدد النظام الداخلي لحركة “حماس” الآلية التي يتم فيها اختيار رئاستها، من خلال الهيئات المنتخبة التي تفرزها مجالس الشورى في الأقاليم الثلاثة (غزة والضفة والشتات)، فكل إقليم لديه مجلس شورى منتخب يسمى مجلس شورى الإقليم. ويقوم المجلس بانتخاب من يمثله في مجلس شورى “حماس” في الأقاليم كافة. وبعد انتخاب الممثلين، يعقد مجلس شورى الحركة لقاءً ينتخب فيه رئيساً لها، إضافة إلى مواقع قيادية أخرى…
ورغم أن كل عضو من مجلس شورى الحركة لديه أحقية في الترشح إلى موقع الرئيس فيها، فإن التنافس يكاد ينحصر بين القياديين إسماعيل هنية وخالد مشعل، ويصعب توقع من سيحصل على أغلبية الأصوات ويفوز بموقع رئاستها لدورة قادمة، وخصوصاً أن التنافس جارٍ بين رئيس حالي وآخر سابق، وكلاهما يتمتع بمزايا تبقي فرصه قائمة في الفوز، إلا أن وجود هنية على رأس المكتب السياسي في الدورة الحالية، وهي الدورة الأولى له التي صاحبها التغلب على العديد من التحديات والتهديدات وتحقيق العديد من الإنجازات على الصعيد الوطني والإقليمي، وتمتعه بشعبية وحضور كبير لدى الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، قد يعطيه أفضلية في الفوز لدورة ثانية.
شكّل تولي هنية رئاسة “حماس” في العام 2017 نقطة تحول لافتة في قيادة الحركة، فهي المرة الأولى التي تترأسها شخصية قيادية من أحد أقاليم الداخل (قطاع غزة)، بعد أن تولى القياديان موسى أبو مرزوق وخالد مشعل قيادة الحركة على التوالي، وهما من إقليم الخارج.
ورغم أن الثقل التنظيمي والجهادي لـ”حماس” يتركز على إقليمي الضفة الغربية (بما فيها القدس) وقطاع غزة، فإن قدرة قياداتها في إقليم الخارج حتى العام 2012 على الحركة والتنقل وحشد الدعم المالي والسياسي والإعلامي كانت أكبر من قدرة قيادتها في إقليمي الضفة وغزة. لكن خروج قيادة “حماس” من سوريا في العام 2012 (في حينه كان مشعل رئيساً للحركة)، وانتقال قيادة الحركة إلى قطر، وتوتر العلاقة مع إيران والسعودية ومصر، أدى إلى تراجع كبير في الدعم المالي والسياسي والإعلامي الذي قدمته قيادة حركة “حماس”، وخصوصاً في دورة 2013-2017، ما عزز فرص تولي زمام قيادة الحركة من أحد الأقاليم الثلاثة، من دون أفضلية لإقليم الخارج، بسبب تراجع الدور (وهو مركّز كما أشرنا على الدعم المالي والسياسي والإعلامي) ووجود أفضلية لإقليمي الداخل (الصراع المباشر مع العدو والقوة التنظيمية والعسكرية والحكم في غزة).
وفي مراجعة لعامل الدور والتأثير والمكانة، نجد أن التهديد الأبرز خلال تولي هنية رئاسة الحركة كان الخشية من تكبيل حركته الخارجية وتقييد عمله داخل قطاع غزة، بسبب الخشية من موقف النظام المصري من تنقله بحرية خارج مصر، وهو ما تغلبت عليه قيادة الحركة بحكم شبكة المصالح والسياسة الذكية التي اتبعتها تجاه مصر، ما مكن هنية من تنظيم جولة خارجية ناجحة، رغم الفيتو المصري على زيارة إيران.
وبالتالي، إن قيادة حركة “حماس”، خلال تولي هنية رئاستها، تعاملت بنجاح مع التحديات الكبيرة التي خلفتها التوترات في المنطقة، وخصوصاً تحسين العلاقة مع مصر وتطوير العلاقة مع محور المقاومة، ولا سيما مع الجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله.
وشكلت زيارة هنية لطهران، ومشاركته في تشييع قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني، وإطلاق لقب “شهيد القدس” عليه، منعطفاً مهماً نحو تعزيز العلاقة مع إيران، وكذلك زيارته لبيروت واللقاء المهم الذي جمعه بالسيد حسن نصر الله. وقد حافظت الحركة في الوقت نفسه على علاقة متميزة مع دولة قطر وتركيا وماليزيا…
هناك مقاربات مختلفة للتأثير السياسي للجغرافيا، وهو ما يطلق عليه “الجيوبولوتيكا”. وفي حالة حركة “حماس”، هناك اعتقاد بأن هامش قدرتها على المناورة والعمل السياسي يكون أوسع في حال تحررت من قيود الجغرافيا، رغم صعوبة التحرر الكامل، للحاجة الدائمة إلى الإقامة والتنقل، فإن تعدد خيارات الإقامة، بما فيها داخل فلسطين، تعتبر ميزة إضافية.
خلاصة القول أن حركة “حماس”، وهي تقترب من إسدال الستار على استحقاق انتخاباتها الداخلية، وتترقب الفصل الأخير من هذا المشهد التنظيمي، وهو اختيار رئيسها لأربع سنوات قادمة تنتهي في نيسان/أبريل 2025، لا تعاني عقد المكان والزمان، ولا توجد مسلمات فيها لموقع قيادتها، فالتنافس بات مفتوحاً من دون تعقيدات، مع توفر عوامل تنظيمية وشعبية وجغرافية، والقدرة على إدارة الصراع مع العدو وغيرها قد تمنح الأفضلية لمرشح على آخر، ولكنها بالتأكيد لا تحسم المنافسة لمصلحته.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الصفصاف وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
وسام أبو شمالة – كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
المصدر: الميادين نت
17 نيسان ٢٠٢١