رامبو الأمريكي الصهيوني والمقاومين العراقي والفلسطيني
نضال حمد
بينما كانت مجموعات المارينز الأمريكي تتهاوى تحت وابل الضربات العراقية وتتعلم دروسا في أساليب القتال على طرقات الناصرية وبالقرب من ميناء أم قصر وفي الفاو والنجف وكربلاء والزبير وأطراف البصرة. كان وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد الذي يتحدث وكأنه رامبو الجديد الذي لا يقهر ولا يعرف سوى النجاح والانتصار. وكانت بنفس الوقت التلفزة العراقية تعرض صورا لجثث الجنود الأمريكان وهي ملقاة على شوارع وطرقات الناصرية. وكان الأسرى من زملاء رامبو وجنوده الذين تفتخر بهم العنجهية الأمريكية يرتعشون خوفا وهم يظهرون أمام عدسات الكاميرا على الرغم من معاملتهم معاملة عادية تليق بأسرى الحرب, لكن خوفهم يعود لكونهم خضعوا لتضليل مبرمج وعملية غسيل دماغ وتعبئة جعلت من الجنود العراقيين بمثابة وحوش مفترسة عليهم الحذر منها وتجنبها، لكن أسطورة رامبو التي دوخت شباب العالم وجعلتهم يصدقون الدعاية الهوليودية التي تبنتها السياسة الإعلامية الأمريكية تهاوت وسقطت في عراق اليوم.
كل تلك الأمور تدل وتؤشر على أن جنود المارينز والتحالف لا يتمتعون في هذه الحرب بمعنويات عالية أو قوية والسبب في ذلك يعود للمقاومة العراقية الرسمية والشعبية التي فاجأتهم بقوة. فقد كانوا يتوقعون أن يتم استقبالهم بالزهور والأرز والورود من قبل المدن العراقية الجنوبية، لأن تلك المدن بغالبيتها مدنا ذات أغلبية شيعية معارضة ويوجد فيها أيضا تاريخ طويل للعصيان وللنفوذ المعارض للفصائل العراقية، فالناصرية مثلا كانت دائما أم الثورات والانتفاضات العراقية ضد الظلم والعدوان والحكم الاستبدادي والاستعمار والطغيان. واليوم نجد أن للناصرية يعود الدور الأساسي في تلقين المارينز الأمريكان والبريطانيين درسا تاريخيا سيعيد لأذهانهم دروس التجربة الفيتنامية والبيروتية والصومالية.
كل هذا يحدث على الرغم من أن النظام العراقي كان في السابق قد تعامل مع تلك المدن بشكل قمعي ولم يبدِ أية رحمة مع المعارضين ومع الذين انتفضوا ضده في الانتفاضة الشهيرة أيام هزيمة الجيش العراقي في أم المعارك وعاصفة الصحراء. وهذا بالذات يجعل المرء يعيد التفكير بطبيعة الإنسان العراقي الذي لا يقبل بالغزاة ويؤكد اليوم من جديد بأنه لا يرضى بالأجنبي على أرض بلاده وبالذات بالأمريكان والبريطانيين.
كما أنه من الضروري هنا الحديث عن دور المعارضة العراقية واستخباراتها في تضليل القادة الأمريكان وتشجيعهم على مهاجمة العراق لأنهم أغروا حلفاءهم من الأمريكان بأن الشعب العراقي والمدن العراقية في الجنوب والشمال بالذات سيقفون مع القوات الأمريكية الغازية. وهذا ما لم يحدث بتاتا حتى الحظة. وهذا أيضا ما جعل الغزاة يعيدون التفكير بأدائهم وطرق عمل قواتهم الغازية التي تكبدت خسائر فادحة وجسيمة في بداية الحرب. فكانت الأباتشي الأمريكية التي قتلت وجرحت في فلسطين المئات من أبناء الشعب الفلسطيني العُزَلْ أثناء الانتفاضة المجيدة، تتهاوى وتسقط مثل الطيور المكسورة الأجنحة بفعل المقاومة العراقية الجريئة وبفعل إرادة التصدي والمجابهة لدى الشعب العراقي. هذا الشعب الذي تشهد له الأيام والتواريخ كفاحه الطويل ضد الغزاة والظالمين وسيشهد له كذلك أسراه من الغزاة الجُدُدْ.
من الجدير ذكره أيضا هنا والآن أن دور المخابرات (الإسرائيلية) في تضليل الأمريكان كان ولازال كبيرا لأن (الإسرائيليين) الذين يعتبرون المستفيد الوحيد من كل ما يدور في العراق، إن كان سياسيا أو عسكريا أو حتى على المدى القريب والآخر البعيد.. كانوا دائما يستعجلون اندلاع الحرب وتوريط أمريكا في حروبهم بالمنطقة، لكي تقاتل نيابة عنهم. والقادة في (اسرائيل) سوف يستغلون انشغال العالم بالحرب ليقوموا بممارسة قمع شديد على الفلسطينيين في مدنهم وقراهم ومخيماتهم المحاصرة والمحتلة. كما أنهم سوف يحاولون تطبيق خططهم على الأرض من خلال تعزيز مصادرة الأراضي وتهويدها وكذلك ترحيل وتسفير الفلسطينيين وتغيير ديموغرافيا بعض المناطق. وهذا كله سيتم من خلال سياسة عملية ترتكز على الضغط الحربي والابتزاز السياسي والتفاوضي من خلال تقديم أشباه حلول، مثل دولة فلسطينية مسخ تكون تكلفة موافقة (إسرائيل) عليها تنازل الفلسطينيين عن ثوابتهم الوطنية الأساسية وأهمها أم الثوابت الوطنية وهي حق العودة للاجئين الفلسطينيين. هنا فقط تكمن التعقيدات الأصعب فمن من الفلسطينيين سيتجرأ ويقوم بتوقيع صك التنازل عن حق العودة؟
الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قال في كمب ديفيد أنه لن يقبل بالتنازل عن حق العودة ولم يفعل ذلك فأستقبله شعب فلسطين اثر عودته استقبال القدس لصلاح الدين.
أما الذي سيوقع على صفقة التنازل هذه سوف لن يلقى من الشعب الفلسطيني أي ترحيب أو موافقة لأنه لا يمكن ولا يحق قانونيا وشرعا لأي قائد فلسطيني التنازل عن حق أي إنسان فلسطيني بالعودة إلى بيته ودياره التي شرد منها بالقوة. فهذا الحق هو حق فردي لكل لاجئ مع ذريته ولا يجوز لأي كائن كان التنازل عنه. لذا لا نصدق بأن هناك مِنَا من يجرؤ على فعل ذلك.
وبين حق العودة الفلسطيني وشريعة الغاب التي تطبقها (إسرائيل) في المناطق الفلسطينية وأمريكا وحلفائها في العراق الذي يتعرض لغزو صليبي جديد تكمن المسألة، ويكمن الحل الذي سيتحدد بعدما ينجلي غبار المعارك الدائرة هناك. لأن المعركة واحدة وتلتقي في الأهداف والمصالح والنتائج في حال سارت الأمور كما يريد كل من شارون وبوش.
بعد هذا السرد البسيط وغير المعقد للحقائق التي لا يمكن تبديلها وتغييرها بسهولة. وبعد أن تأكد بأن سير المعركة على الأرض في العراق الصامد، حتى الآن ليس كما تشتهي إدارة بوش وحكومة شارون. وقد أصبح واضحا الآن أن حصار بغداد يزداد صعوبة رغم الدعاية الأمريكية التي تقول بأن المارينز أصبحوا على بعد 60 كلم من المدينة التاريخية والتي كانت عاصمة الخلافة الإسلامية. فكيف الحال مع احتلالها بقوات أمريكية وبريطانية مطعمة ببعض المرتزقة وكلاب الأثر الآدميين والمستعربين. نعتقد أن احتلال بغداد بسهولة وبسرعة يتم في حال استعملت أمريكا سياسة التدمير الشامل لأحياء العاصمة. والتدمير الشامل يعني تدمير أحياء كاملة من المدينة توجد فيها مواقع الدفاعات العراقية. كما كان فعل الجيش الأحمر السوفيتي عندما استطاع تحرير مدينة فروتسلاف البولندية من النازيين أبان الحرب العالمية الثانية.
فهل يرتدي بوش ثياب هتلر ويتكلم بلسانه أم أنه سوف يدمر بغداد كما دمر الإنكليز بقيادة تشرشل المدن الألمانية في الحرب مثل هامبورغ ودريسدن ومدن ألمانية أخرى؟…
رامبو الأمريكي الصهيوني والمقاومين العراقي والفلسطيني
نضال حمد
2003 / 3 / 27