رحيل أبرز المهندسين النوويين: وداعاً مجيد كاظمي
في الأول من تموز رحل البروفيسور مجيد كاظمي (٢٠ تشرين الثاني ١٩٤٧ ـ ١ تموز ٢٠١٥)، استاذ الهندسة النووية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) إثر أزمة قلبية ألمت به أثناء مشاركته في لجنة دولية للاستشارات النووية في جامعة هاربن للهندسة في الصين. وبرحيله فقدت الجالية العربية في الولايات المتحدة، وفقد الوطن العربي عالماً بارزاً، وباحثاً وأكاديمياً متميزاً على مستوى عالمي ووطني فلسطيني وقومي عربي.
ولد البروفيسور كاظمي في القدس ـ فلسطين في العشرين من تشرين الثاني عام ١٩٤٧، واضطرت عائلته للهجرة إلى الاردن على إثر النكبة التي ألمت بالشعب العربي الفلسطيني في عام ١٩٤٨. أكمل كاظمي تعليمه الابتدائي في الكويت والثانوي في فلسطين، ثم التحق في جامعة الإسكندرية في مصر لدراسة الهندسة النووية التي تخرج منها عام ١٩٦٩. ونتيجة لذلك، كان الراحل يردد دائماً أنه «نتاج لأنظمة تعليمية عربية متعددة». لاحقاً التحق البروفيسور كاظمي بـ «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» وحصل على الماجستير عام ١٩٧١ والدكتوراة في ١٩٧٣ وكلاهما في تخصص الهندسة النووية. في عام ١٩٧٦ التحق الراحل بـ «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» كأستاذ في دائرتي «العلوم النووية والهندسة» و«الهندسة الميكانيكية» في آونة واحدة، وتم اختياره رئيساً لدائرة العلوم النووية والهندسة ما بين عامي ١٩٨٩ـ١٩٩٧، واستمر استاذاً في الدائرة حتى رحيله.
إنجازات البروفيسور كاظمي في حقله الأكاديمي تميزه عن زملائه وجعلته يتبوأ مكانة لم يصلها إلا القليل في مجاله. فلقد وصفه الرئيس الحالي لدائرة العلوم النووية والهندسة في بيان تأبين للراحل نشره «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» بأنه «أحد أبرز المهندسين النوويين في العالم»، مضيفاً أن الراحل «كان واحداً من أكثر المعلمين والباحثين في حقل التكنولوجيا النووية تميزاً على مستوى العالم، ومساهماته العلمية والهندسية المرموقة تحظى باعتراف عالمي».
كان البروفيسور مجيد كاظمي زميلاً في «الجمعية النووية الأميركية» و«الأكاديمية الدولية للطاقة النووية»، واعترافاً بإنجازاته ومكانته العلمية حظي بعضوية «الأكاديمية الوطنية للهندسة» وهي أهم مكانة أكاديمية يمكن تحقيقها في مجال الهندسة. كما حصل الراحل على العديد من الجوائز المهنية من ضمنها جائزة للإنجاز العلمي والتكنولوجي منحتها له عام ٢٠١١ منظمة تكريم العربية. وبالإضافة للمساهمات التكنولوجية المهمة التي أنجزها البروفيسور كاظمي، كانت له أيضاً مساهمة متميزة في حقل التعليم، «فالعديد من طلبته انتهوا إلى مناصب أكاديمية مرموقة في العديد من جامعات العالم أو أصبحوا شخصيات قيادية في حقل الطاقة النووية».
ومع أن البروفيسور كاظمي حظي بشهرة واسعة واحترام على مستوى عالمي، إلا أنّه لم ينسَ يوماً جذوره العربية والفلسطينية. فمنذ كان طالباً في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» نشط الراحل في منظمة الطلبة العرب في المعهد وشغل موقع رئيس المنظمة ما بين عامي ١٩٧١ـ١٩٧٣، وحتى بعد تخرجه، استمر بدعم المنظمة من موقعه الجديد كأستاذ في الجامعة. ومن موقعه الجديد أيضاً، شارك الراحل في نشاطات المؤسسات العربية الأميركية وكان ناشطاً بشكل خاص في «جمعية الخريجين العرب الأميركيين» التي كانت تضم أكبر تجمع للأكاديميين والمهنيين العرب خارج الوطن العربي، وعمل إلى جانب نشطاء وأعضاء متميزين مثل إدوارد سعيد، هشام شرابي، إبراهيم أبو لغد، عابدين جبارة، نصير عاروري، أيلين هاغوبيان، هاني فارس، جون مخول، هالا مقصود، ناديا حجاب، غادة تلحمي وغيرهم، وشغل رئاستها مرتين في عام ١٩٨٠ وعام ١٩٨٧. وفي أعقاب تشكيل مؤسسة الدراسات العربية «تاري» مع مطلع الألفية الثالثة انضم الراحل إليها كعضو في مجلس الإدارة ونشط فيها حتى يوم رحيله.
كذلك، قام الراحل بوضع خبرته العلمية في خدمة حل معضلات التنمية في الوطن العربي وفي الوقت ذاته كان يعمل على تشجيع تدريس ونشر العلوم في الوطن العربي. ومن بين المواقع العديدة التي تقلدها الراحل وخدم بها في الوطن العربي كانت عضوية مجلس الامناء في جامعة القدس في فلسطين. أحد طلبته السابقين كتب في رثائه أن «ارتباطه القوي بالهوية العربية والفلسطينية، برغم مسؤوليته وإدارته لأهم وأنجح برنامج هندسة نووية في العالم، كان ببساطة ملهماً. هذه قصة إنسان ولد في القدس في ظروف صعبة، لكنه استطاع أن يصل إلى هذه المكانة المتميزة، ليصبح رمزاً ملهماً لتمثيل معنى أن تكون فلسطينياً ومعنى أن تكون عربياً».
كان البروفيسور مجيد كاظمي أحد أهم المهندسين النوويين في العالم وإنجازاته ومساهماته حظيت باعتراف واسع تؤكده جوائز التقدير العديدة التي حصل عليها. كان الراحل يرى إنجازاته من زاوية خدمة البشرية بكاملها. وبرغم المتطلبات غير العادية لعمله الأكاديمي والمهني لم يتخلف ولو مرة واحدة عن التزاماته في خدمة المجتمعات العربية. كان الراحل فلسطيني المولد لكن نشاطاته وجهوده في المؤسسات العربية الأميركية شملت كل العرب كما أن رؤيته شملت تبني مبادئ العدالة والمساواة لكل شعوب المنطقة. كان الراحل عبقرياً في حقله العلمي ومتميزاً في خياراته الإنسانية، وكان نموذجاً لنا جميعاً.
رحل مجيد كاظمي وخلفه زوجه نازك دني، ابناه عمر ومروان، وابنته ياسمين، وثلاثة أحفاد.
وداعاً مجيد.
(مجلس إدارة مؤسسة الدراسات العربية «تاري»)
الاخبار*