الأرشيفصهيونيات

رحيل أرملة موشيه ديان بعدما تبرأت من الصهيونية وحذّرت من مستقبل أسود

“كنت على علم بعلاقات زوجي الغرامية… لكن حركة فتح كانت سبب طلاقي”

رحيل أرملة موشيه ديان بعدما تبرأت من الصهيونية وحذّرت من مستقبل أسود ينتظر “إسرائيل”

شيع في مستوطنة نهلال داخل أراضي 48 يوم السبت الماضي (06/02/2021) جثمان روث ديان، أرملة وزير الحرب “الإسرائيلي” موشيه ديان، بعد رحيلها يوم الجمعة عن عمر يناهز 104 أعوام قضت الكثير منها في مناهضة الاحتلال، على نقيض زوجها الذي تطلقت منه قبل نحو خمسة عقود، ولم تتردد في انتقاده علانية، مثلما لم تتردد بالقول إنها يهودية وليست صهيونية. رغم تجاوزها الثمانين من عمرها بقيت روث ديان نشيطة في تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين أمضى زوجها عقودا في محاربتهم، غير أن سلوكها سكة الاتجاه المعاكس لطريقه كان قد بدأ قبل وفاته، وربما كان أحد أسباب طلاقهما كما روت في مقابلة صحافية موسعة عام 2006 . أجراها الصحافي وديع عواودة في منزلها شمال تل أبيب الذي بدا متحفا مليئا بالرسومات والجداريات والمكتبات، استعادت روث ديان سيرة ارتباطها بزوجها داخل مستوطنة نهلال في مرج بن عامر خلال عهد الاستعمار البريطاني.
في المقابلة لم تترد في الكشف عن شخصية زوجها وعلاقاته مع شخصيات عربية ويهودية. وأفادت أنها ولدت في حيفا في نهايات الفترة العثمانية وترعرعت في لندن مع والديها اللذين عادا للإقامة في القدس، حيث عملت والدتها حاضنة في روضة كانت تابعة لعائلة الدجاني المقدسية.

ولدت في حيفا في نهايات الفترة العثمانية وترعرعت في لندن مع والديها اللذين عادا للإقامة في القدس حيث عملت والدتها حاضنة في روضة كانت تابعة لعائلة الدجاني المقدسية

وأشارت إلى أن والدها استحضر لها معلما خاصا للغة العربية قبل أن تنتقل وهي في السابعة عشرة من عمرها إلى مستوطنة نهلال في مرج بن عامر لتتعلم الزراعة، لافتة إلى أنه كان يعتاد على قراءة القرآن والروايات العربية للاطلاع على ثقافة العرب. في نهلال التقت روث بموشيه ديان وتزوجت منه بعد عام، مشيرة إلى انه كان قد جاء من مستوطنة “دغانيا” جنوب بحيرة طبرية وكان قد انتمى إلى “الهاغاناه” وهو في الرابعة عشرة بعد أن قتل مسلحون من قريتي عيلوط والمجيدل والده وشقيقه عام1932 في نهلال.

فقد عينه في لبنان

وروت روث أنها تعرفت على ديان بفضل عشيرة عرب المزاريب. وأضافت “كانت قد نشبت خلافات بين اليهود في نهلال وبين أبناء عشيرة المزاريب المجاورة الذين هاجموه وهو يعمل في الحقل “وأصابوه بجرح في رأسه بضربة عصا ما زلت أحتفظ بها فقمت بمعالجته لمعرفتي بالإسعافات الأولية، وسرعان ما بدأت قصة حب بيننا، وبعد إجراء الصلح مع العرب قمنا بدعوتهم لحفل زفافنا” . وأشارت إلى أن زوجها كان فقد عينه عام1941 خلال مشاركته قوة من الجيش الإنكليزي في عملية عسكرية ضد النازيين بالقرب من صيدا أثناء الحرب العالمية الثانية بعدما كان قد سجن في مستهل الحرب في سجن عكا على يد سلطات الانتداب، وحينها كانت ابنتهما ياعيل تبلغ من العمر تسعة شهور.

“لست بحاجة لقراءة الكاتب جدعون ليفي في “هآرتس” بغية التعرف على العرب”

ولا تزال روث تحتفظ بـ200 رسالة تبادلتها أثناء مدة اعتقاله وهي باللغة الإنكليزية. وأضافت “اتفقنا على مراسلة بعضنا بالإنكليزية كي أعلمه اللغة حيث كنت أصحح أخطاءه”. وأوضحت أن مهمة زوجها كانت إرشاد وحدة من الجنود الاستراليين ضمن الجيش الإنكليزي خلال مهاجمة مواقع للنازيين في سوريا ولبنان. وتابعت “في ذاك اليوم رافقت موشيه حتى “كيبوتس” حنيتا شمال الجليل حيث أقام هناك ولم يعد في الليلة الأولى، وفي الصباح حضر شخص وأبلغها أن زوجها جرح وتم نقله إلى مستشفى في حيفا. وروى لها أنه أصيب بعيار في عينه حينما كان ينظر عبر منظار خلال اقتحام حصن على شاطئ البحر بجوار مدينة صيدا، وأن عملية نقله للمستشفى استغرقت 13 ساعة ولولا المنظار لكان لقي حتفه كونه قد امتص الضربة” .
وأشارت روث إلى أن زوجها روى لها أنه عشية العملية المذكورة توجه إلى عرب العرامشة في أعالي الجليل واستعان بدليل من القرية، وهو الذي حمله على كتفيه بعد إصابته بعينه. وأضافت “زرت ذوي ذلك الدليل في العام الماضي وحللت ضيفة عليهم وتناولت وجبة الغداء عندهم برفقة أبنائه وأحفاده” .

أصدقاء في الناصرة

استذكرت روث أنها لا تكن العداء للفلسطينيين، بالعكس فقد عملت على التعاون معهم بشكل مكثف عقب احتلال عام67 حيث كانت تدخل غزة بسيارة جيب حازت عليها من الأمم المتحدة لتشجيع صناعة السجاد وتقديم مساعدات إنسانية للمرضى.
وأضافت “عندما احتفلنا بزفاف ابنتنا ياعيل وابننا آسي بنفس اليوم شاركنا الكثيرون من الفلسطينيين من الضفة الغربية ومن “إسرائيل” منهم رئيس بلدية الخليل. وكنت قد اقتنيت ملابس العرس من بيت لحم، وتربطني علاقات طيبة متينة مع أصدقاء في الناصرة خاصة أسرة ناصر نصار. وهذه صداقة لا تنتهي وسبق أن سافرت إلى تورنتو للمشاركة في حفل زفاف بعض أبنائها” .

“آمنت و ما زلت أن الحل يكمن بالتفاهم والحوار وإعطاء الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم عبر إنهاء الاحتلال” “وأنا يهودية وليست صهيونية”

واعتبرت أن الفلسطينيين في “إسرائيل” مروا بـ”عملية شكنزة” (تحولوا إلى أشكناز) لافتة إلى أنهم عندما التقوا أهاليهم في الضفة وغزة اكتشفوا أنهم “شعبان مختلفان”. وأضافت “بات الآلاف من الشباب والصبايا العرب يتخرجون من الجامعات وأنا مطلعة على حجم التغييرات التي شهدها المواطنون العرب في “إسرائيل” وأنا لست بحاجة لقراءة الكاتب جدعون ليفي في “هآرتس” بغية التعرف على العرب”.

ونوهت روث إلى أنها انتمت لأسرة يسارية لكنها اعتبرت صداقاتها مع العرب صداقة نظيفة من الاعتبارات السياسية. وأضافت “آمنت و ما زلت أن الحل يكمن بالتفاهم والحوار وإعطاء الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم عبر إنهاء الاحتلال”. وأوضحت أن المواجهة تستنزف الشعبين وتدخلهما دائرة مفرغة مبللة بالدماء. واستذكرت مقتل شقيق زوجها، زوهر ديان، والد الجنرال عوزي ديان (الذي كان ابن 11 شهرا وقت مقتله) حينما كان شابا بالقرب من مستوطنة “رمات يوحنان” عام 48 على يد متطوعين عرب دروز قدموا ضمن قوات شكيب وهاب من جبل العرب في سوريا. وأضافت “غير أن موشيه وبدلا من الانتقام منهم نجح في تجنيدهم إلى جانب الهاغاناه”، منوهة أنها التقت في عام 1954 بعض رجال الشرطة الدروز الذين أبلغوها أن قاتلي زوهر ديان يقيمون في عسفيا “ثم التقيت بهم واعترف أحدهم بالمشاركة في القتل، وهذا اللقاء لم يرق لوالد موشيه ديان زوجها الذي صدم به” .

وردا على سؤال عما إذا كانت تعرف نفسها كيسارية “إسرائيلية” قالت ديان إن الموضوع لا يتعلق بالتوجهات اليسارية إنما بنهج حياة. ومضت تقول “الإنسان هو إنسان بصرف النظر عن كونه عربيا أو يهوديا، وأنا يهودية وليست صهيونية”.
وترى في نفسها مناضلة ضد الاحتلال وهي منخرطة ضمن جمعية جديدة تدعى “هناك قانون” تنشط فيها برفقة النائبة اليسارية السابقة شولاميت ألوني ورئيس بلدية تل أبيب السابق شلومو لاهط وأرملة قاضي محكمة العدل العليا ميخال كوهين. ولفتت الى أنها ترى أن حرب1967   لم تفرض على “إسرائيل”. واستذكرت أنها كانت تسمع دافيد بن غوريون يقول إن الحكومة “الإسرائيلية” تستعد لإعادة الأراضي المحتلة، لكنه في الواقع فعل عكس أقواله.

التقت عبد الله التل ورقصت مع وصفي التل

وكشفت ديان أن زوجها الراحل موشيه ديان كان سنوات طويلة يزعم أنه لا شريك عربيًا للسلام حتى حصل الانقلاب في نهاية السبعينيات بانجاز السلام مع مصر الذي تعتبره غير ممكن لولا مساهمة زوجها. واكتفت بالإشارة إلى زيارات موشيه ديان للأردن ولقاءاته السرية مع الملك عبد الله عامي 1949 و 1950 ومع الملك حسين لاحقا. وأضافت “كان موشيه يرافق غولدا مئير وأحيانا رافقته هي أيضا في المناسبات السعيدة واذكر أنني شاركت في حفلات أيام العيد بحضور ضباط أردنيين كما رقصت مع وصفي التل. وفي لقاء آخر في منطقة المجامع الحدودية رافقت موشيه والتقينا عبد الله التل والتقطت صورة مشتركة لنا”.

أشارت لزيارات موشيه ديان للأردن ولقاءاته السرية مع الملك عبد الله عامي 1949 و1950 ومع الملك حسين لاحقا… وكانت تحتفظ بشال أهداه لها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات

وديان التي كانت لا تزال تحتفظ بشال أهداه لها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تستذكر أنها رافقت زوجها إلى منطقة الفالوجة جنوب البلاد عام 1948 وشاهدت عبر المنظار الرئيس المصري جمال عبد الناصر حينما كان ضابطا في الجيش المصري”.
“فتح” تسببت بطلاقها من زوجها
واستذكرت ديان، التي تحاشت الإسهاب في سرد تفاصيل حول قضايا تخص زوجها، أنها زارت مدينة نابلس بعد احتلالها في عام 67 وقدمت الألعاب لمؤسسة عربية كانت ترعى الأولاد المعاقين والأيتام. وأضافت “فور وصولي إلى نابلس عام 1970 بسيارة محملة بالألعاب زرت مقر الحاكم العسكري “الإسرائيلي” وتناولت وجبة الغداء هناك وزرت سجينات فلسطينيات انتمين إلى حركة “فتح”. ولما عدت للبيت أعددت لموشيه الطعام في المساء وأخبرته أنني عازمة على مرافقة صديقتي لمشاهدة مسرحية في يافا وعندها أجاب غاضبا بعد أن علم بزيارتي لنابلس بواسطة الجيش: كيف تقدمين على زيارة “مخربات” فلسطينيات قمت بنفسي بإصدار التعليمات باعتقالهن؟. وعندها نشب نقاش بيننا وبشكل عفوي دعوته إلى تقديم طلب للطلاق إذا لم تعجبه تصرفاتي، ولما عدت من يافا وجدته قد طلب إلى محاميه الشروع في إجراءات الطلاق وانفصلنا. هذه هي الحقيقة خلافا لما اعتقده الجمهور الواسع الذي ظن أن الطلاق وقع على خلفية معاقرته النساء علما بأنني كنت أعلم بعلاقاته الغرامية وكنت أتعامل مع الموضوع بتسامح “.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت نادمة أجابت بالنفي مؤكدة على أهمية الحرية بالنسبة لها لافتة إلى أنه هو أيضًا غيّر توجهاته السياسية في آخر أيامه. وأضافت “في كتابه “محطات على الطريق” كتب موشيه أنه يؤيد إعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة وقد تميّز بقدرته على تغيير أفكاره كما تجلى في موقفه من منطقة شرم الشيخ التي أوضح تغيير موقفه حيالها بالقول “حمار من لا يغير رأيه” بعدما صرح مرات أن شرم الشيخ بدون سلام أفضل من السلام بدونه.

أرملة موشي ديان وريموندا الطويل صديقتان
المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني معطلة منذ سنوات، لكن ذلك لم يمنع روت ديان وريموندا الطويل حماة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من التحادث كل يوم ثلاثاء عبر ” سكايب “. وبعد صداقة عمرها خمسون عاما بينهما تتفق ديان والطويل على عدم وجود حل للصراع طالما استمر الاحتلال. وفي آخر تصريحاتها أكدت ديان أنها لم تعد صهيونية، وأن إسرائيل تتجه للضياع ومع ذلك لن تقيم في أي مكان آخر.

تعطل المفاوضات بين الجانبين “الإسرائيلي” والفلسطيني منذ سنوات لم يمنع روت ديان وريموندا الطويل حماة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من التحادث كل يوم ثلاثاء عبر ” سكايب “… وبعد صداقة عمرها خمسون عاما بينهما تتفق ديان والطويل على عدم وجود حل للصراع طالما استمر الاحتلال

ويروي كتاب صدر بالعبرية قبل ثلاث سنوات تحت عنوان “صداقة غير ممكنة” للكاتب أنتوني دافيد قصة صداقة السيدتين الفلسطينية و”الإسرائيلية”. ويستدل من الكتاب أن الصداقة ولدت عندما زارت ديان نابلس غداة احتلالها من قبل زوجها موشيه ديان، وهناك التقت مجموعة نساء فلسطينيات للحديث عن الحوار والشراكة. وقتها كانت ريموندا الطويل صحافية شابة حينما نشرت عن احتجاز عشرة أشخاص في معبر الملك حسين بالقرب من أريحا، مما دفع ديان للتدخل لمساعدتها ومن وقتها ارتبطتا بعلاقة تحولت لصداقة.
وتروي روث أنها وجدت الطويل سيدة جميلة، أنيقة مفعمة بالحياة وقد التقتها عدة مرات في مالطا وفي الولايات المتحدة. وكانت تتمنى أن تزورها الطويل في بيتها في تل أبيب.
من جهتها تروي الطويل في الكتاب أنها راغبة في زيارة ديان في تل أبيب، وأنها تتحدث مع صديقتها الإسرائيلية بالعبرية، والعربية والإنكليزية. الطويل التي ولدت في عكا داخل أراضي 48 قبل النكبة تقول أيضا إنها لم تشعر برغبة في زيارة تل أبيب بعد رحيل عرفات. ولا تتردد ديان بالقول إنها تعرف جيدا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وإنه لا يملك أي نية لصنع سلام مع الفلسطينيين. كما توجه نقدا ل”إسرائيل” على خلفية استشراء الفساد وحوادث الاغتصاب والقتل فيها. وتتساءل “أين ذهب الخجل؟”، كما تبدي اشمئزازها من تديين الصراع ومن هيمنة أوساط دينية على “إسرائيل”. وتبدي خيبة أملها من عدم تسوية الصراع مع الفلسطينيين ومن استمرار قتل الجنود والمدنيين في المواجهات.

“إسرائيل” ستذهب للضياع
وتتساءل ساخرة لماذا كل هذا الدم؟ هل هو من أجل أن يقول نتنياهو: انتصرت في غزة؟ وتقول إن هناك انتقادات للجانب الفلسطيني، لكنها لا تلبث أن توضح أن الجانب “الإسرائيلي” هو المحتل وهو القوي القادر على فعل أكثر وبالتالي مسؤوليته أكبر.
وتتابع “ولدت في بريطانيا يوم صدر وعد بلفور وكنت مؤمنة بالصهيونية التي أقامت “إسرائيل”، ولكنني لم أعد صهيونية اليوم”. وعن ذلك تقول “الصهيونية غير قائمة بعد و”إسرائيل” دولة صغيرة وإذا واصلنا التصرف مع الفلسطينيين على النحو الحالي سنذهب للضياع والعالم يصبح أكثر لاسامية ونحن لن نبقى في البلاد. من جهتي فليقم كل منا حيثما يريد. الناس هنا ليسوا أغبياء ويرون الاتجاه الذي تنحو له الدولة وشهريا يهاجر منها مئات اليهود. أنا شخصيا لم أكن لأسكن في مكان آخر في العالم وأنا عمري مئة سنة ولذا لست مثالا ملائما من هذه الناحية”.

المصدر – الناصرة ـ «القدس العربي»