رسائل فتى المُكَبِّر – عبد اللطيف مهنا
تتفرَّد عملية فتى المُكبِّر المقدسي الشهيد فادي نائل القنبر الفدائية بسمة نوعية وترهص بأن لها ما بعدها. وجَّهت رسائلها الكثر ولعديد الجهات. في المقدمة منهم المحتل الصهيوني، مروراً بالفلسطينيين، فالعرب، ومن ثم العالم.
…إن قلنا الفلسطينيين، فأول ما نعني منهم الأوسلويين الانهزاميين التسوويين، وتالياً، يأتي الفلسطينيون الفلسطينيون، ونعني الصامدين المقاومين، وهم مجموع الشعب الفلسطيني، وطناً وشتاتاً. وإن قلنا العرب، نستثني جل مهترىء ما كان يدعى النظام العربي الرسمي، من عاجزيه إلى سماسرته ومتواطئيه وحتى متآمريه، فهؤلاء باتوا في وادٍ آخر وسقطوا، أو اسقطوا انفسهم، من أي حساب، وإذ نستثنيهم، نعني هنا كتلة الأمة الكبيرة المغيَّبة، هذه التي تلعق الآن جراحاتها النازفة المتكاثرة، والتي تضاعف من وبالات نزفها غوائل الفتن وبلوى التمذهب ودواهي التطييف، وتمر في راهن تتكالب عليها فيه حتى بغاث الأمم. وإن قلنا العالم، نعني ما دأب الأوسلويون على اطلاق صفة “المجتمع الدولي” عليه، أي الغرب الاستعماري، مُصطنع الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين المغتصبة، وراعيه الداعم، وحاميه الدائم، أو المتكفِّل بأمنه، أي الضامن لاستمرارية وجوده العدواني.
أولى هذه الرسائل، هو تأكيدها على ما ظللنا نردده، وهى أن الانتفاضة الراهنة، انتفاضة الفدائيين، مستمرة ولا يمكن لها أن تتوقف، لأنها المحكومة موضوعياً بمعادلة ما دام هناك احتلال فلا بد من مقاومته. كما وإذ هى، كما قلنا مراراً، لا تعدو كونها محطة من المحطات النضالية الفلسطينية المتوالية على امتداد صراع مديد وحتى حسمه باستعادة الوطن، أي بدحر الغزاة وتحرير كامل فلسطين والعودة لكاملها، فهى معنية، بل محكومة، بأن تطوِّر ابتكاراتها النضالية المتوائمة مع الظروف الذاتية والموضوعية لشعب اعزل في منزلة من خذله الجميع وبات ظهره إلى الحائط. لذا جائت هذه العملية البطولية بما يشي بتطور نوعي لشكل نضالي لم يبدأ مع انتفاضة الفدائيين، وبداياته كانت إبان الانتفاضة الأولى، وبعملية مخيم عسكر قرب مدينة نابلس، بيد أن الانتفاضة الراهنة قد اتسمت فيما اتسمت به، وها هو ينبىء بأن له ما بعده، وأقله، أنه لسوف يقتدى به، وسيتم تطويره، وسيرفد بمستجد.
ثانيها، هتكت العملية البطولية اكذوبة الجيش الذي لايقهر، هذا المدجج حتى الثمالة بكل مستحدث توصلت إليه مبتكرات التقانة المتطورة التي تمتلكتها ترسانة آلة الموت الاستعمارية الغربية، وذلكم بعد أن شهد العالم كله على شاشات التلفزة كيف كان يفر ضباط وجنود النخبة في هذا الجيش، أو لواء “غولاني”، بسلاحهم تطاردهم شاحنة خلت إلا من إرادة اسطورية لفلسطيني اعزل هم لم ولن يفهموها…
فضحت شاحنة فتى جبل المُكبِّر هشاشة كيان مفتعل. قالت لهم لن تجديكم قوتكم المعربدة الباطشة والمتوحِّشة، ولن تحميكم كل توسلتموه من اجراءات أمنية واسعة النطاق وغير مسبوقة الإمكانات، ولا تعاون الأوسلويين الأمني المخزي والمشين معكم، ولا التصفوية الانهزامية العربية الرسمية المتخلية عن قضية الأمة المركزية…هنا شعب يريد استعادة حريته ووطنه كاملاً منكم، وطنه من نهره إلى بحره، مهما طال أمد الصراع، وهو إن بدا الآن اعزلاً ووحيداً فهو غداً لن يكون، ستكون معه أمته من محيطها إلى خليجها، أمته التي وإن بدت في هذه المرحلة المنحدرة منشغلة عنه بجراحها ومكابدة مؤامرات جبهة اعدائها الكثر داخلاً وخارجاً، لكنما ذلكم هو إلى حين، وقيامتها هى دوماً قدرها الآتي لاريب.
ثالثها، ردت فدائية فتى جبل المُكِّبر، أو ابداعات الفعل المقاوم، على الانهزامية الأوسلو ستانية والدونية العربية الرسمية المتفشية، ادانت نهج التفريط والتنازل وازرت بمسيرة استجداء الحلول التصفوية واستعطاف “المجتمع الدولي”المتصهين في غالبه، وحقَّرت المراهنة المتهاتفة على دولنة القضية…فضحت “مجتمعهم الدولي”، الغرب، الذي يزعم قولاً أنه ضد “الاستيطان”، لكنه فعلاً مع التهويد وأمن المستعمرين وجنود الاحتلال، لأن اسرائيلهم هى بالنسبة لهم جزءاً عضوياً منهم وقاعدة متقدمة لهم…عرَّت نفاقهم وفضحتهم عندما استهدفت جنداً محتلين في مستعمرة في ارض هم يصفونها محتلة ونفذها مواطن أُحتلت أرضه ويعطيه القانون الدولي حق مقاومة محتليه فأدانوها…ادانوا فدائية فادي المُقاومة وصمتوا على اعدام الصهاينة ميدانياً للشهيد محمد صوالحة بست رصاصات أمام أمه في مخيم الفارعة بالقرب من طوباس!
رابعها، كشفت العملية النوعية مدى عجز أغلب الفصائل وانعدام قدرتها على القطيعة المستحقة مع نهج تصفوي تقول أنها ترفضه، ها هي تسارع لحضور مسرحية تحضيرية المرحوم المجلس الوطني، التي دعت إليها سلطة تعتبر التعاون الأمني مع المحتلين مقدساً، ويكيل لها موقع “والا” الصهيوني الثناء عليه ويصفه ب”الناجح مشيداً باعتقالها “المعتدين” وتفريق اجهزتها للمظاهرات ضد المحتلين…وفي هذا يشهد لها فرنسيو “انتلجنس اون لاين”، المتخصص في الشؤون الاستخبارية، بتعاونها “الوثيق للغاية” مع جهاز “الشاباك” الصهيوني، وإلى حد أن “ممثلي الطرفين عقدوا ثمانين لقاءً سرياً خلال العام الماضي، وإن اجهزة هذه السلطة قد “أحبطت ما لا يقل عن 58 عملية فدائية،وضبطت كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات”، وإن الكثير من اعتقالات المقاومين التي تقوم بها هذه الأجهزة “تجري على ضوء المعلومات الاستخبارية” الصهيونية، وكانت صحيفة “هآرتس” الصهيونية قد اشارت إلى “عمليات مشتركة” بين الطرفين.
…هيلمان تحضيرية بيروت انتهى إلى توافق تكاذبي اسمعونا مثله في مكة وصنعاء والقاهرة والدوحة. لا مجلس وطني بدون مصالحة، ولا مصالحة، لأنها لن تكون إلا على قاعدة برنامج ابومازن…أما المنتهى فليس بأكثر من ورقة يستخدمها الأخير في مواجة ضغوط الرباعية العربية لدحلنة أوسلوستان.