رسالة إلى فلاديمير بوتين.. – علي حتر
تحية وبعد
لن أحاول أن أقول إنك امتداد لأحدٍ من الماضي أو أنك من الاتحاد السوفييتي، بل أقول إنك أنت أنت..
وأنت تعرف ما هي إسرائيل، ويمكن أن تعَلمني عنها، لا أن تتعلم مني.. لأنني أعرف المعاناة بسبب وجودها.. وأستطيع أن أعبر عن ذلك.. لكنك تعرف أكثر بكثير.. وتعرف حتى عن معاناتي المستقبلية منها.. لو لم تتغير..
لأنك تعرف أكثر مني ما هي أهداف إسرائيل في المنطقة واستراتيجيتها، وما هي علاقتها وتحالفاتها مع السعوديين والقطريين والأمريكيين ومعنى ونتائج تلك العلاقة..
وأنت تعرف عن الذين شرَّدَتْهم وما زالوا مشردين.. وعن حقوقهم وعن حقوق الإنسان، كما يعرفها وعرفها الشعب الروسي ذو التاريخ العريق..
وأنا أدرك أنك تقود دولة، وأن للدولة مصالح وإمكانيات ومُحددات.. لكني أدرك أن للدولة أعداء أيضا.. يعملون في العلن والخفاء..!
وأدرك أن إسرائيل ليست من أصدقاء روسيا.. وأستميحك عذرا لأقول إنها ليست صديقة لأحد.. وأنها ليست مؤهلة للتحالف معها أو لمصادقتها.. وأنها لا يمكن أن تكون كذلك..
أقول لك: إنك يا فلاديمير بوتين ابن الشعب العظيم الذي علّم الإنسانية معنى المقاومة في لينينغراد (بطرسبيرغ).. وستالينغراد (فولغوغراد)، ولست ابن الذين ألقوا بقنبلة هيروشيما..
ولا ابن الذين نكلوا بالجزائريين أو بالهنود والفييتناميين.. ناهيك عن الأفارقة والهنود الحمر والأبورجنيز الأوستراليين..
وإن اسمك فلاديمير، يعني أنك مالك العالم بالروسية، وأنتم الروس تتأثرون بالأسماء وتستوحون منها المواقف.. وأرحب بملكيتك لهذا العالم بدل كلينتون وبوش وأوباما وهولاند وبلير وأمثالهم.. حاملي السم والظلم والقهر والاستغلال للشعوب.
وأنت كنت تعمل يوما في ظل فكر إنساني، وإن تعرّض هذا الفكر لأخطاء في التطبيق، لكن تلك الأخطاء لا تنزع عنه صفة الإنسانية، ولا تنزع عمن حملوه يوما، صفة الإنسانية وإن توقفوا عن حملِهْ.. وأنت كنت ممن حملوه..
كما أنني أدرك أن تجربة روسيا مع الأنظمة العربية تجربة مأساوية مُهينة لكل والاهم أو سكت عن ممارساتهم..
وأدرك أن مفاهيم الممكن في مرحلة ما وغير الممكن في نفس المرحلة، تجعل الدول العظمى تختار حلولا صعبة.. كما فعل ستالين يوم اعترف بإسرائيل..
.
لكل هذا أتجرأ وأكتب لك.
أقول لك:
عندما يقولون السلام العادل في القضية الفلسطينية.. لا تترك الكلمة تمر بسرعة كما يفعل أغبياء الغرب والعرب.. حللها وقدر معناها وإمكانية تطبيقها على 6 ملايين لاجئ مشرد وهم في الشتات..
وعندما يقولون: العودة إلى حدود 1967، تذكر أن مساحة فلسطين تساوي تماما مساحة القرم.. ثم قرر: ما ذنب المشردين أن يبقوا مشردين؟ ليحل على أرضهم مستوطنون مغتصبون.. لا يختلفون عن رعاة البقر الأمريكيين حين قتلوا وشردوا سكان أمريكا الأصليين!! ولا عن البريطانيين حن حلوا على أرض استرالية وقتلوا أهلها..
عندما يقولون: الشرعية الدولية، هل فعلا هي الشرعية الدولية التي تقتلنا وتشردنا تحت غطاء القوانين الدولية التي يدعمها الأمريكيون وجورج بوش وكلينتون وكونداليزا رايس ونتنياهو؟
وعندما يقولون:
الإرهاب في الأرض المحتلة، تذكر فقط لينينغراد (بطرسبيرغ).. وستالينغراد (فولغوغراد) وملايين الشهداء الروس فيهما.. واعلم أن أطفال المدارس يطعنون الجنود المدججين بالسلاح، بمساطرهم!!! واسأل لماذا يقاتل هؤلاء الأطفال.. ليست داعش من أصدر لهم الأوامر أن يفعلوا ذلك.. ولا السلطة ولا حماس.. فعلوا ذلك لأن طفولتهم منتهكة.. محتقرة.. مظلومة، ولأنهم لم يجدوا دمية يلعبون بها.. إلا مساطرهم وسكاكين مطابخهم!! رغم صدور الأوامر للجنود وللمستوطنين بإعدامهم على االرصيف بدم بارد وبدون مساءلة؟
عندما يقولون: اليسار اليهودي و”منظمة السلام الآن”.. إعرَفْ أن هؤلاء لا يختلفون عن اليمين اليهودي الذي ينطلق من عام 1967 كأساس لأي حل.. وعام 1967 يحمل كل الظلم لأهل الأرض المغتصبة..
ولا يقولون لك إنهم يقبلون ان يقوم العامل اليهودي الكادح بتجويع وقتل واستغلال العامل الغزي المظلوم..!
لا أريد أن أُعَلمك.. فلديك من المستشارين من يعرف أن اللاجئين الفلسطينيين اضطُهدوا في كل مكان أجبروا أن يحلوا فيه.. حتى لدى أبناء عمومتهم..
وأنهم حرموا بالنص الواضح من الحقوق التي أعطيت لغيرهم من لاجئي العالم.. في تعليمات المفوضية العليا للاجئين UNHCR
وأصبحت البطاقات الملونة وسيلة تعريف لهم..
ومن بقي منهم في أرضه حوصر فيها وحُرم من أبسط الحقوق، من العرب واليهود!
ويتم اليوم البحث عن وسائل لطرده منها.. ونتنياهو، قاتل الأطفال، أول من يفعل ذلك.. واستقبلته أنت ورحبت به في موسكو.. التي رفضت وما زالت كما تفهم ترفض الظلم..
حاولوا أن يخدعوك عندما رأوا فيك القائد الذي يفعل ما يقول.. ولا يكتفي بالصراخ والزعيق..
حاولوا خداعك بالحديث عن حل الدولتين..
ولا يوجد قائد يهودي واحد يقبل ان يتبنى حل الدولتين لأن إعلان الاستقلال اليهودي عام 1948 يقول إنشاء دولة يهودية!!!
زارك نتنياهو، وحاول مع غيره، أن يخدعك بالقول إن الخلافات بين قادة فلسطين (المقبولين بالشرعية الدولية) هي سبب المأساة واستمرارها!! وأن المصالحة بينهم هي بداية الحل!!
وأعرف أنك أعدته بخفي حنين.. لكن اتمنى عليك ألا تنسى الفروق الكبيرة بين المدعوين للمصالحة، وأن الخلافات بينهم هي تناقضات، وليس مجرد خلافات، وانهم منقسمون بين الولاء لإسرائيل ولقطر.. وأنه لا ذنب للمواطن الفلسطيني في كل ذلك..
أعرف أنك لم تخضع لنتنياهو.. وأنك سوف تكبح جماحه وجماح ليبرمان.. لكنني أقول إن ذلك لا يحقق لك أبسط مستحقات أخلاقك تجاه شعب يشرد ويقتل..
لقد حولوا القضية من قضية إنسان خاضع لكل أنواع الظلم والاستغلال.. إلى قضية جنايات وإرهاب وأمن، يناقشها مدراء المخابرات الأمريكان واليهود والعرب أيام حسني مبارك..
وعندما توجه إسرائيل ضربة وتغتال العزل وتهدم البيوت.. يطرحون السؤال: متى سيرد العرب؟؟ قضية فعل ورد فعل.. هكذا أصبحت.. وليست قضية اغتصاب أرض وظلم يجب مقاومته كل يوم وباستمرار..
قد لا يكون الحسم مستعجلا كما في سورية.. وقد لا يكون مؤثرا على روسية بشكل مباشر كما في سورية أيضا.. لكن ليس مقبولا أن يتناقض الموقف مع المبادئ، أو وضع العراقيل في أي طريق للحل مهما كان طويلا.. إذا كان يؤدي إلى إرجاع الحقوق إلى أصحابها الذين يستحقونها..
مع أطيب تحياتي
المواطن الذي يعاني من وجود (إسرائيل),
10 حزيران 2016