رشاد أبو شاور: الكاتب يجب أن يكون مثقفا وأصيلا وصادقا ومستعدا لدفع أي ثمن
هو أحد حراس الجغرافية والذاكرة، ابن ذكرين القرية الفلسطينية الخليلية، المحاطة بالطرق الترابية، حواكير التين، العنب، الزيتون، وحقول الحنطة، سكن بعد النكبة مخيم النويعمة أحد أربعة مخيمات تتبع لأريحا، والذي قال فيه: “المخيم لم يكن بالنسبة للفلسطيني شراً محضاً، بل كان صهراً، حفظ للفلسطينيين انتماءهم لقراهم ومدنهم”، لذلك تربعت قريته على صفحات روايته “أيام الحب والموت”، ولأن أريحا مدينة غير عادية كانت بطلة روايته “العشاق”، والرائحة التي أيقظت ذاكرته في “التمر حنة” التي تدور أحداثها بين القدس ونابلس، أريحا، والخليل، مؤكداً علاقة الفلسطيني بأرضه عبر الذاكرة والمكان، فهو الذي يرى أن “كُتّاب فلسطين لن يكونوا نافعين إلاّ إذا جسدوا عودة الفلسطيني إلى الوطن، بعودة ملحمية” فكان ولايزال أوليس في عودته إلى وطنه، والذي تمثلتها رحلته إلى تونس في روايته “الربّ لم يسترح في اليوم السابع”.. كل هذه الذكريات يفردها أمام قراء “جهينة” في هذا الحوار:
من يقرأ لرشاد أبو شاور يدخل عالماً روحانياً، يرتفع بالحب إلى مستويات عالية في التصوف، حتى الأمكنة تصبح معشوقة بتفاصيل مذهلة، فأريحا مدينته التي يحب تصبح المعشوقة، حتى عناوينه في مخاتلتها تشي بهذا الحب فنقرأ “العشاق- سفر العاشق- البكاء على صدر الحبيب..”، لذلك هو لا يورد مفرداته مجانياً بل يحملك على جناحي حلمه ووجعه ويدخلك إلى نصه وقد خلعت نعليك لتصلي في محراب عشقه لفلسطين، عن حضور العشق في أعماله يحدثنا:
نحن جيل عُذّب كثيراً، وحُرم من كل شيء ولكن عليه ألا يندم أبداً.. كل ما أكتبه هو دعوة للحب.. دعوة لحب الوطن.. الشجرة.. حب قاسيون هذا الذي يرتفع أمامنا والذي كنت أصعد إليه أنا والشاعر فواز عيد قادمين من جوبر، كان فواز يكتب بعض قصائده وهو ذاهل وشارد وأنا أتطلّع إليه.. يكتبها بروحه قبل قلمه، شيء منها لدمشق.. المكان.. حب الحياة بشكل عام.. حب الناس.. إن حب الناس للإنسان الكاتب وللمثقف أكبر نعمة. كنت في مخيم اليرموك عندما أمشي.. أمشي ملكاً.. كل الناس تُسلّم عليّ وأنا أسلم عليهم، الناس البسطاء والخضرجي والسمان.. ماذا أريد أكثر من هكذا نعمة.
أنا ابن الناس.. ابن الحياة.. ابن المخيم.. فليعلم القراء أن قصة سفر العاشق تدور أحداثها في جوبر، أساسها واقعي، ساحة في جوبر منتصف البلدة وأنا كنت من سكانها، إذ عشت فيها عشر سنوات. في هذه الساحة كان هناك رجل ينادونه أبو فهد، طويل ومهيب وخشن.. كان في الشتاء يسلق الشمندر والذرة، وفي الصيف أشياء أخرى ويبيعها تحت شجرتين كبيرتين في الساحة.. من مراقبتي له أحسست أن أبو فهد يصبح غير أبو فهد حين تنزل معلمة من الباص وتمر أمامه في طريقها إلى مدرسة البنات، قلت في نفسي: والله أبو فهد يحب المعلمة.. وضحكت!.
حكاية حب أبو فهد للمعلمة بقيت سنين في داخلي وعقلي، وفي يوم ما كتبت قصة أبو فهد “سفر العاشق”، إذ يظلّ يراها وعندما تأتي إليه يجهز لها أحسن الأشياء مما يبيعه وهي ببراءة تعامله أنه رجل شهم وحسب. في يوم من الأيام لم يعد يراها.. غابت يومين.. أسبوع.. فذهب إلى المدرسة يسأل عنها، حيث لم تعد روحه تتحمل غيابها.. دخل إلى المديرة وسألها: عندكم معلمة صفاتها كذا وكذا.. هو لا يعرف حتى اسمها.
قالت المديرة: انتقلت إلى حلب.
سألها بحسرة: أين في حلب؟
فقالت: في المكان الفلاني.. أعطته اسم المكان والمدرسة.
رجع إلى البيت، استحم وارتدى ألبسة جديدة وهيّأ نفسه، وقال لأم فهد: “افرشي لي بدي نام وبعدين عندي مشوار مهم”. تمدّد في فراشه، وغطّ في نوم عميق، عندما جاءت أم فهد توقظه وجدته مفارقاً الحياة.. هذه هي صوفية الحب الذي تحدثت عنه في قصصي ورواياتي.
أنا أحب كي أليق بوطني
هل من عشق ما زال إلى الآن يحرك نار الكتابة عند رشاد أبو شاور؟.
العشق للناس والحياة، امرأة واحدة فقط بصراحة لا.. كان ينبغي لي أن أحب، لكن للأسف الشديد مضى العمر وانشغالاته بين الكتابة والعمل المقاوم، ولما أدركت ما جرى صرت أكتب عن الحب والعشق، وأخلق شخصيات ميدانها الحب المشتهى الذي تمنيته في حياتي.
في كل ما كتبَ نفترش ياسميناً من عشق، أساطير للحب، لأن الإنسان بدون ذكريات حميمة، بدون انتماء للمكان والزمان يصبح كائناً بيولوجياً لا قيمة له.. مثله مثل الإنسان الذي لا عقل له. والحب ليس فقط حب الرجل لامرأة أو امرأة لرجل.. بل نجد حباً للأمكنة.. للحظات تمر في الحياة كلها، عن مفهوم الحب عند الكاتب الفلسطيني يقول أبو شاور:
الحبُ يجعلنا نليق بمن نحب.. هذه ليست أشياء نظرية، أنا ككاتب أخذت قصصي من الحياة.. من الناس.. من التجارب.. من الوقائع.. من الأشخاص، سألني أحد الأصدقاء: قرأت مجموعتك القصصية “سفر العاشق”، كأنك تكتب عن كل شيء أحببته ومضى؟!.
قلت له: صحيح، لأنني وصلت إلى مرحلة من العمر أنظر خلفي فأتحسّر على أشياء كثيرة، العدو الصهيوني سرق منا كل شيء.. حرمنا أن نعيش حياة طبيعية، أن ننمو في وضع طبيعي، أن يكون لي بيت، أتزوج بشكل طبيعي.. أربي أسرة بشكل عادي مثل باقي البشر.. كل هذا حُرمت منه. حتى أحياناً يقول الواحد منا للآخر: نسيت أن أحبْ.. صار عمري خمسين.. ستين سنة.. يا الله “نسيت أحبْ”.
حقاً قاسٍ ما حدث مع الفلسطيني، خاصة من عمره 18- 20 سنة، يترك الدراسة الجامعية أو الثانوية.. يصبح فدائياً.. يواجه المذابح ويخوض الحروب، وينتقل من بلد إلى بلد. وعندما يصل إلى الخمسين أو الستين، حتى لو تزوج يبقى لديه الحنين إلى أن يحب بشكل طبيعي متل باقي البشر، يشعر بمشاعر معينة.. يتعذب، يتلوع قليلاً.. كل هذا حُرم منه الفلسطيني.
كيف نعبّر عن ذلك بالكتابة؟ كيف نعبّر عنه في القصة؟ في الشعر؟ في الرواية؟ في الموسيقا؟.. الغناء؟.. الخ.
لنقدم شيئاً إنسانياً يعرّف الآخر بعمق وغنى المشاعر التي نحملها داخلنا وعمق الألم الذي نعانيه والذي في الحق يتحمله بعض البشر بما فعلوه بنا. هذا الحب الذي شكل غنى للإنسان دفعه لأن يقاوم دفاعاً عن هذه الذكريات ودفاعاً عن إنسانيته كإنسان. وهذا ما لا يفهمه العدو عندما يعتدي علينا.. لا يقدره ويفاجأ بمدى ضراوتنا في مقاومته.
الكاتب يعود إلى الأسس.. إلى الجوهري.. والجوهري أنني أحب وأعرف كيف أحب وأليق بالحب، أفعل ذلك لأنني أليق بوطني، ولأن هذا الوطن لي ولأنه لا بد أن يعيش حراً.. في العالم كله وجد دائماً من يضحي ومن يقاوم ونحن من هذا العالم، دائماً يوجد ظلم وقسوة وعدوانية، ولكن بما أن القضية الفلسطينية امتدت من نهاية القرن التاسع عشر وكل القرن العشرين وها نحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، كأن الناس صاروا ينظرون إليه أنه صراع حدود بيننا وبين العدو الذي يحتل أرضنا، وصاروا ينظرون إلى الفدائي مجرد إنسان يحمل بندقية، ليس الأمر هكذا بالتأكيد!.
الخروج من بيروت كان رحلة نحو المجهول
المبدع هو زرقاء اليمامة في تبصره الآتي وقراءته البعيدة للوقائع، ففي عام 1976 كتب رشاد أبو شاور في مجلة المعرفة السورية “الفلسطيني يعود إلى إيثاكا”، لتدور رحى الحرب في بيروت عام 1982 ويركب السفينة والكثير من الفلسطينيين في رحلة إلى المجهول، والتي أرَّخت لها روايته “الرب لم يسترح في اليوم السابع” عن هذه الرحلة ومدلولاتها السياسية والأدبية يقول أبو شاور:
عند الخروج من بيروت عُرض علينا ليختار كل منا الرحلة التي يريد أن يغادر بها؟
بعد الاطلاع، قلت لهم: الرحلة التونسية هذه.
سألوني لماذا؟!..
أجبت: أنا أعرف تونس، زرتها مرتين ولأن السفينة أيضاً ستمر بنا إلى قبرص إلى ليماسول ثم إلى ميناء كريت ثم أربعة أيام أخرى في البحر.
هذه الرحلة خرافية وهي عكس رحلة أوليس وعودته إلى إيثاكا، الآن أنا أوليس بطريقة معاكسة، لم أتخيّل أنني سأكتب رواية “الرب لم يسترح في اليوم السابع”، كان معنا على السفينة ألف ومئتي فلسطيني، أمزجة مختلفة وعوالم مختلفة.. مع جرحى ينزفون، ورؤية مخيفة للمجهول.. صدقيني أثناء ذلك لم أكن أنام سوى ساعتين أو ثلاث في اليوم.. كنت أنام مع المقاتلين في الممر أو على السطح، أفتح عيني في الليل على النجوم.. وكأني أريد أن أمد يدي لأمسكها رغم دوي البحر وهديره.
تساءلت ما هذه الرحلة؟!.. ما هذه الأقدار بالنسبة لي كفلسطيني، مع ذلك تجدين أناساً يعدون القهوة وينادون عليّ “يا أستاذ” كي أشرب القهوة معهم، هم فدائيون قُدامى.. مقاتلون من الخمسينيات من غزة وسورية وغيرهم، تجدين الشباب العشاق طوال الوقت يهجسون بحبيباتهم اللواتي تركوهن في بيروت الخ.. الفدائي ليس مجرد بدلة خضراء أو مموهة وراغب بالموت.. إنما هو إنسان مفعم بالحزن والألم والشجن والحب والانكسار والانهزام، وفي الوقت نفسه الإصرار على العودة إلى الميناء الذي نبتعد عنه.
تخيلي أني كنت أنظر مرات حول السفينة فأرى أسماك القرش تلاحقها والشباب يرمون لها الأكل.. كنت أحس أنها تريد أن تأكل بدن السفينة المعدني، فأقول لهم: كأن الصهاينة والأمريكان أرسلوها، لأن بارجة أمريكية رافقتنا طوال الرحلة، واكتشفت أن هذه البارجة تضيء ضوءاً واحداً كبيراً في الليل باتجاهنا، وكأننا سنهرب وهم يسوقون بنا حتى يبعدونا عن فلسطين.
سمّيتُ هذه السفينة عين السكلوب الذي طارد أوليس، عندما دخل أوليس المغارة واكتشف أن السكلوب هو صاحب المغارة ويوجد قطيع من النعاج ارتدى قناع نعجة وغادر وفقأ عين السكلوب.. نعم سينتصر الفلسطيني.. لا بد للفلسطيني وكل من يقاوم أن ينتصر وأن يفقأ عين عدوه.
المطلوب تحويلنا إلى شعب مهزوم مكسور
هل يعني هذا أنه عندما أرسلوكم في رحلة السفينة، كانت محاولة لإبعاد الوعي، والتي ترجمتها روايتك الأخيرة “سأرى بعينيك يا حبيبي” في تناولها الراهن العربي، المرأة، الإرهاب، التمزق الاجتماعي في تناول مباشر للموضوع الفلسطيني الذي يمكننا تعميمه على واقع الأمة العربية، وربيع الدم الذي تعيشه على امتداد أربع سنوات، إذ كيف نفسر تحول إحدى شخصيات روايتك “صخر” إلى سلفي جهادي يطلق ذقنه التي تمتد حتى السرة، مرتدياً دشداشة قصيرة، لتقول إن بدلة الفوتيك الخضراء التي كانت رمز المقاومة تضاءلت لصالح اللحية والفكر التكفيري، قراءة جريئة للواقع ماذا تقول فيها؟..
نعم الرحلة كانت محاولة لإبعاد الوعي وإفقاد شعبنا صراعه المقاوم وإرادته المقاومة.. وتحويله إلى شعب مهزوم مكسور، كانت أول نتائجها الدخول إلى صبرا وشاتيلا وذبح الفلسطينيين أطفالاً ونساء وشيوخاً وهم نيام، لو كان الفدائي موجوداً لما دخلوا.. لقد انكسروا.. هذا ما حدث وهو ما أريد لهم.. والآن في عين الحلوة وغيره.. مخيماتنا تُغزى بالجهل والتخلف والغيبيين وبالخطاب اللا إسلامي.. الخطاب اللا ديني.. ليست صدفة أن هؤلاء الناس لا يقاتلون العدو الصهيوني ولا يطرحون خطاباً لتحرير فلسطين.. قبل فترة التقيت بشاب في عمان يمتّ لي بصلة قربى.. قلت له: يا بني أستطيع أن أؤمن لك بسهولة ويسر أن تحمل بندقية وتتدّرب وتعبر النهر وتقاتل في فلسطين.
قال: لا، أنا فلسطين لا تهمني.
استهجنت قوله متسائلاً: ماذا يهمك إذاً؟!
فأجاب: الإسلام، الإسلام في خطر هو من يجب أن أدافع عنه.
هذا طالب جامعي، سنة رابعة.. وفلسطيني.. بل هو عربي كالكثير من العرب الذين (يجاهدون) اليوم في سورية. هذا الشاب نبت في وقت لم يعد هناك أفكار ثورية، أفكار تقدمية وأفكار مقاومة وإرادة مقاومة.. نبت في الفراغ.. مُسح دماغه ولُقن هذه الأفكار الجهولة المتخلفة.
المعركة صارت معركتنا كُلنا، كل المثقفين الحقيقيين في الأمة يجب أن يتصدوا للخطاب الجهول المتخلف الذي يتغطى بالإسلام، والذي ليس صدفة أن يصل مقاتلوه إلى أن يعالجوا عند (إسرائيل) وتحتضنهم (إسرائيل) وتشفيهم من جراحهم، ثم تعيد إرسالهم ليواصلوا القتال ضد سورية.. وضد الشعب الفلسطيني وضد القضية الفلسطينية وضد الأمة. ليست صدفة أن يجلسوا كلهم في حضن (إسرائيل) ، لأن مشروعهم في الجوهر هو خدمة لأمريكا وخدمة ل(إسرائيل) .
سورية صامدة وتبحر نحو النصر الأكيد
هو لا يرى جدية في وعي جيلنا، لا يريدهم أن يحملوا بنادق ليقاتلوا، لكن أن يقرؤوا ويطلعوا ويتثقفوا.. ويأخذوا الأمور بجدية.. لأن الكتابة لا يمكن أن تكون “هات إيدك والحقني”، كما أن الشهرة لا تأتي ببساطة، ويجب ألا تكون هي الهاجس، فما يدوم هو الإبداع.. لذلك يُحمل المثقف وزر الكثير مما يحدث على الأرض العربية، ففي الوقت الذي كان على المثقف أن يكون جندياً لوطنه فرّ الكثيرون تحت يافطات خلبية باسم الحرية والديمقراطية، لكنها كانت تعكس حقيقة مرّة هي وجه واحد لخيانة الضمير وخيانة الوطن، عن الكتابة والمثقف والحرب على وطنه يقول رشاد أبو شاور:
حياتنا شديدة الغنى.. أستغرب من الذين يكتبون رموزاً وفلسفة وأشياء من هذا القبيل متعالين عن الواقع.. ليس لهم علاقة به.. الروائي الكبير تولستوي كتب “الحرب والسلام”.. وديستوفسكي كتب “مذلون مهانون” و”الأخوة كارامازوف”، في ما كتبه هؤلاء كانت الحياة تغلي، ترى روسيا فيها، لذلك عندما أقرأ لروائي عربي في أي بلد عربي ينبغي أن أرى الحياة فيما يكتب، عندما يكتب عن سورية أرى سورية، اللاذقية.. درعا.. حلب.. دمشق، وعندما تكتب لي عن الجزائر أرى الجزائر والخصوصية المحلية. ما قيمة نجيب محفوظ وزقاق المدق الذي لا يتجاوز الخمسين متراً دون تخليد المكان، محفوظ صنع منه شيئاً عجيباً وغريباً.. مشكلتنا أن الكثير من الروائيين والقصاصين العرب يتعالون على الواقع.
أنا من الكتّاب الذين لا يتعالون على الواقع، من خلال الحكاية أصل للفلسفة، وتقول الفلسفة نحن أناس شرقيون والقص الشرقي عندنا جميل جداً وهو مفعم بالفلسفة والأمثال. والكاتب يجب أن يكون مثقفاً غير عادي وأصيلاً وصادقاً ومستعداً لدفع ثمن كل هذه الأشياء معاً، بالتأكيد في سورية يرد في خاطركِ من كانوا يملؤون الدنيا بحضورهم.. أين ذهبوا الآن؟.. هؤلاء ليسوا أصلاء، هؤلاء انتهازيون فقدوا البوصلة، هؤلاء بالمناسبة يعرفون الصح.. لكنهم يبيعون ويشترون.. يذهبون إلى مصالحهم، أولئك قالوا إن سورية ذاهبة، هم جرذان السفينة الذين بالنهاية يأكلون خشب السفينة ويسهمون في إغراقها، ولكن الحياة عادلة في فصلها الأخير، جرذان السفينة ينتهون وتبقى السفينة، لذلك الآن سفينة سورية صامدة.. موجودة وتبحر نحو النصر الأكيد، وهؤلاء انتهوا وفقدوا كل شيء.. لن أذكر أسماء بل أقول بعضهم ذهب إلى الخارج.. وراهن أن يصبح صاحب مال وشأن، وعندما تنتهي سورية يقفز راجعاً ويأخذ المناصب المهمة، لقد خسروا كل شيء.. انبتوا.. المنبّت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
هل أنت خائف على الجيل القادم من الكتّاب؟..
أشعر أنه لا يوجد مواهب ثقيلة.. جيلنا كان يخاف ويحذر كثيراً، عندما يكتب قصة ويذهب ليقدمها إلى مجلة يصيبه ارتباك، ويتساءل: هل أنا أتطفل على الإبداع ولم أنضج بعد.. متى أكوّن شخصيتي ككاتب، كان عندنا هواجس كثيرة أفرزت جيلاً جيداً من الكتّاب، على أن هذا لا يمنع أن هناك الكثير من الكتّاب الشباب جيدون في القصة والرواية وممتازون في الشعر والفنون الأخرى.
* هذا الحوار أجرته عبير غسان القتال – لمجلة ( جهينة)…